مؤتمر التنمية والبيئة في العالم العربي يحذر من انفلات بيئي يهدد الشرق الأوسط

مدينة الإسكندرية مهددة بالغرق وملوثات الحرب والاحتلال تؤثر على صحة العراقيين والفلسطينيين

TT

حذر المؤتمر الدولي الثاني للتنمية والبيئة في الوطن العربي، الذي عقد في محافظة اسيوط جنوب مصر في الفترة من 23 مارس (آذار) واستمر اربعة ايام، من خطورة الانفلات البيئي الشامل الذي يهدد مقومات الحياة والجنس البشري بالفناء بسبب عدم التزام معظم دول العالم خاصة الصناعية الكبرى منها بالمعاهدات الدولية والمواثيق البيئية.

واعلن د. محمد عبد السلام عاشور، نائب رذيس جامعة اسيوط ورئيس المؤتمر، ان اميركا التي تشن حربا ضد ما تسميه الارهاب تمارس ارهابا اشد بعدم التزامها بالمعاهدات والمواثيق البيئية حيث تمثل نسبة غاز ثاني اوكسيد الكربون المتصاعد من انشطتها الصناعية ووسائل المواصلات بها 25% من تركيز هذا الغاز المنبعث من كل انشطة العالم ،وهو المسبب الاساسي لظاهرة ارتفاع درجات حرارة الجو في العالم ويسبب ما يسمى «الدفء العالمي» أو ظاهرة «البيت الزجاجي». واكد الدكتور عاشور ان استمرار الارتفاع في درجة حرارة جو العالم بالمعدلات الحالية يقود الى كوارث خطيرة تتحمل فيها دول الجنوب الفقيرة النصيب الاكبر والاوفر من نتائجها المدمرة حيث سيؤدي ذلك الى ذوبان ثلوج قطبي الارض وارتفاع منسوب سطح البحار والمحيطات بما يؤدي الى غرق المناطق المنخفضة في العالم وفي مقدمتها دلتا الانهار كنهر النيل وغرق مدن ذات تاريخ كفينيسيا والبندقية والاسكندرية وانتقال احزمة الامطار خاصة في جنوب البحر الابيض المتوسط التي تحيا عليها الزراعات المطيرة في معظم الدول العربية الى شمال المتوسط ومما يسببه ذلك من كوارث اقتصادية لتلك الدول والشعوب، في الوقت الذي ستنعم فيه دول شمال اوروبا واميركا الشمالية بالدفء بعيدا عن الصقيع والشتاء والعواصف الثلجية.

من جانبه دعا رئيس جامعة اسيوط د. محمد رأفت محمود الى وضع قضايا الحفاظ على البيئة واعتبارها قضية حياة أو موت لوقف تجاوزات الاستخدامات الجائرة لمصادر الطبيعة والوقوف بحزم ضد العبث بها، وطالب بتعاون عربي ودولي صادق للتنمية في الوطن العربي والحفاظ على البيئة. كما اشار محافظ اسيوط احمد همام الى اهمية التوعية البيئية وتنمية السلوكيات البيئية الصحيحة واستغلال الموارد البيئية بشكل سليم ومتوازن.

* ملوثات الحروب

* وناقش المؤتمر 155 بحثا ودراسة علمية وشارك فيه 350 باحثا يمثلون 15 دولة افريقية وعربية. وقال الباحث العراقي احمد عبد اللطيف بكلية العلوم بجامعة بابل إن استخدام اميركا لليورانيوم المنضب في حربها ضد العراق عام 1991 بكثافة تسبب في اضرار صحية مدمرة للانسان العراقي والمدنيين تمثل في الاصابة بالامراض السرطانية وامراض القلب والاوعية الدموية وامراض الجهاز التنفسي والهضمي والاضطرابات النفسية والعصبية وانحطاط جهاز المناعة.

كما تسببت الاشعاعات النووية الناتجة عن اليورانيوم المنضب في اتلاف الكروموسومات الوراثية، مما ادى بالتالي الى طفرات وراثية وتشوهات خلقية وولادة اطفال مشوهين فضلا عن تسببها في اصابة العراقيين بالعقم وعجز الكليتين وتقشر الجلد وتشوه العيوب وتضاعف حالات الاجهاض في النساء الحوامل 3 اضعاف عما كانت عليه قبل عام 1989 وارتفاع حالات الاصابة بامراض السرطان بما يعادل 7 اضعاف ما كانت عليه قبل عام. واشارت الدراسة الى تضاعف الاصابة بسرطان الرئة 4 مرات مما كانت عليه قبل الحرب الاميركية على العراق عام 1991 اما الوفيات نتيجة الاصابة بسرطان الرئة فقد تضاعفت 5 مرات. وكشفت الدراسة حجم وكثافة استخدام اميركا لليورانيوم المنضب عام 1991 حيث بلغ مجموعة ما اسقط منه اكثر من 350 طنا شملتها 14 الف قذيفة من العيار الكبير( 105، 120 مليمتر)، و940 الف قذيفة من العيار الصغير( 25، 30 مليمتر) مما ادى الى زيادة مستوى الاشعاع بمقدار 35 مرة وهو ما يبين بوضوح هول الكارثة التي الحقتها الادارة الاميركية بحق الانسان والبيئة في العراق.

وتناولت دراسة حديثة اخرى لثلاثة باحثين عراقيين الآثار الناجمة عن حرب دول التحالف على العراق العام الماضي 2003 على بيئة المنطقة القديمة من مدينة بغداد. وقال حمد رحيم حمود الباحث بوزارة العلوم والتكنولوجيا وآسيا حميد المشهداني الاستاذة بكلية العلوم بجامعة بغداد ورعد رحيم حمود العزاوي بكلية التربية بجامعة ديالى العراقية، إن الحرب والعمليات العسكرية التي تضمنتها من استخدام الطائرات المروحية والمدرعات الثقيلة اثرت سلبا على مكونات البيئة الاساسية بوجه عام وعلى الانسان العراقي بشكل خاص وتسببت في تلوث شمولي وتدهور في صحة الانسان والتربة، حيث تسببت «الضوضاء» الناتجة في فقد الكثير من المواطنين العراقيين خاصة كبار السن القدرة على النوم وتدهور قدرة المواطنين على التفاهم الكلامي واختلالات في الجهاز العصبي وفقد السمع والقدرة على التركيز.

كما ان كميات الاتربة والدخان التي نتجت عن قيام القوات الغازية بحرق وتدمير ما يزيد على 38 بناية بالمنطقة القديمة من مدينة بغداد وحدها موضوع الدراسة منها بنايات طبية وصحية وكليات جامعية ومجمع تعليمي ومجمع سكني طلابي ومستشفيات ومحال سكنية ومجتمعات مالية ومصارف وبنايات اخرى حكومية، ودقائق الدخان والغبار الناتجة، ادت الى ظهور اعداد كبيرة من الحالات المرضية وصلت الى حالات سرطانية بفعل انبعاث رقائق الكربون وغازات اول وثاني اوكسيد الكربون واوكسيدات النيتروجين والهيدروكربونات والرصاص. كما تأثرت النباتات والابنية حيث تغطت اوراق الاشجار بالمنطقة بطبقة سوداء وتعرض الكثير فيها الى الموت أو الذبول، كما تراكمت مئات الاطنان من النفايات الصلبة الناتجة عن مخلفات المنطقة التجارية ونفايات المنطقة الصناعية ووصول بعض الزيوت الملوثة الى مياه الانهار.

كما تسببت المدرعات الثقيلة في اضرار جسيمة لشبكات الصرف الصحي من خلال كسر اغطية الانابيب والانابيب السطحية مما ادى بالتالي لرفع نسبة معدلات التلوث وتركيزاته في البيئة العراقية.

وفي قطاع غزة في فلسطين تتفاقم مشكلة المياه ويشهد الوضع المائي فيها على الصعيدين الكمي والوعي تدهورا شديدا في ظل الاحتلال الاسرائيلي الذي يحرم القطاع من 40 في المائة من اراضيه ومياهه العذبة منذ عام 1967 . وهذه المشكلة رصدتها بعمق دراسة علمية للدكتور يوسف أبو مايلة استاذ الهيدرولوجيا بجامعة غزة ونائب مدير مركز البحوث المائية الفلسطيني. واشارت الدراسة ان القطاع الذي تبلغ مساحته 360 كلم2 ويسكنه 1.250 مليون نسمة لعام 2003، يعاني عجزا مائيا يقدر بـ 80 ـ 90 مليون م3 سنويا حيث يبلغ الاستهلاك المائي للقطاع حوالي 150 مليون مليون م3 سنويا يتجدد فيها سنويا حوالي 60 ـ 70 مليون متر3 سنويا فقط.

وترصد الدراسة تعرض الخزان الجوفي للتدهور والاستنزاف والانخفاض وبالتالي ارتفاع نسبة الملوحة والتلوث ومن ثم يصبح الجانب الاعظم من المياه الجوفية بقطاع غزة بوصفها المورد الاساسي للمياه بالقطاع غير صالحة للاستخدام الآدمي وفقا للمعايير الدولية والاقليمية، وارجع الباحث اسباب المشكلة الى الوضع السياسي الحالي والاحتلال وكذلك التزايد السكاني الذي يبلغ 4.5 في المائة سنويا مما يعد من أعلى معدلات الكثافة والنمو السكاني في العالم، وتزايد الاستخدام العشوائي غير المنظم للأسمدة والمخصبات والمبيدات مما يؤدي الى مزيد من التلوث للخزان المائي الجوفي. كما ان عدم وجود شبكة صرف صحي في 48 في المائة من منازل القطاع وتسرب المياه العادمة غير المعالجة يساهمان في زيادة تلوث الخزان الجوفي للمياه بقطاع غزة. ويزيد من تفاقم المشكلة قيام سلطات الاحتلال بتحويل المياه السطحية ومجرى 3 أودية.