«القرد المشع» نقطة تحول في طرق معالجة الأمراض المستعصية

نقل المورثات أدى إلى إنتاج بروتين مضيء في الأرانب والفئران

TT

* تم اختيار قرود الريسوس لأنها أقرب كائن إلى الإنسان من الناحية التشريحية والفيزيولوجية

* يمكن الارتقاء بالكائنات الحية من درجة إلى أخرى في سلم التطور من خلال تقنية نقل المورثات لندن: «الشرق الأوسط» يعتبر القرد «أندي»، الذي اثار وسائل الاعلام الاسبوع الماضي، نقطة تحول حقيقية في تاريخ المعالجات الطبية، اذ يأمل الأطباء ان تؤدي التكنولوجيا، التي انتجت «أندي»، الى ايجاد طرق علاجية جديدة لمكافحة الامراض المستعصية.

ينتمي القرد «أندي»، الى فصيلة قرود «ريسوس»، وهي أقرب الحيوانات للانسان من الناحية البيولوجية والعضوية. وقد استخدمت في انتاجه احدث تقنية لدمج المورثات واستنساخها، من هنا تكمن اهميته الطبية. ودعي بهذا الاسهم بأخذ الاحرف الاولى للمركب الوراثي «AND». وقد طرحت قصة اندي تساؤلات اخلاقية كبيرة في الاوساط الطبية، وهذه التساؤلات تخص مدى خطورة التلاعب بالمورثات، وما هو مستقبل الانسان كهوية مستقلة قائمة بحد ذاتها.

قصة أندي بدأت قصة «أندي» في حظيرة زجاجية يبلغ حجمها ملعب كرة القدم وارتفاعها 2.75 متر فوق الارض. هذا المبنى هو مركز ابحاث الحيوانات العليا في سلم التطور للكائنات في ولاية اوريفوت الاميركية.

وقد انتج «أندي» بتقنية هندسة المورثات ونقلها من كائن حي الى آخر من غير الفصيلة، وهذا يدعى بتقينة «ترانجينيك»، حيث نقلت الى القرد الجديد مورثة مأخوذة من قنديل البحر، حيث ادخلت هذه المورثة الى بويضة الام التي حملت اندي قبل ولادته في شهر اكتوبر (تشرين الاول).

تقنية انتج «أندي» بتقنية هندسة الخلايا التناسلية لدى الحيوانات العليا من اجل ترقية مرتبتها من مرحلة الى اخرى في سلم التطور الحيوي للكائنات الحية.

وهذه التقنية تجرى بشكل روتيني على الخلايا التناسيلة، أي الخلايا التي تحتوي على نصف العدد الصبغي، او على نصف عدد مورثات الخلايا الجسدية، وذلك من اجل رفع مرتبة الكائنات الى الاعلى لمعرفة آلية تطور الكائنات الحية التي يعتبر الانسان على ذروة سلمها.

وقد بدأ العلماء هذه التجارب على الكائنات المتدنية وارتقوا بالتدريج بها حتى وصلوا الى قرود «الريسوس»، التي تعتبر اقرب الكائنات للانسان، ويتوقع ان تأخذ هذه التجارب طريقها الى المرضى الاحياء قريباً. لكن توم ماري رئيس مركز هيستنغ في نيويورك اعترض على تطبيق هذه الطريقة على الانسان.

وقد عمل العلماء منذ عقد من الزمن تقريبا وفقا لفلسفة جديدة في هندسة المورثات تدعى، استبعاد او ادخال مورثات جديدة من اجل الوصول الى الهدف المطلوب. وكانت معظم التجارب جارية على الحيوانات القارضة والثديية الصغيرة مثل الجرذان والارانب وغيرهما من الحيوانات. وقد شكل العلماء فكرة واسعة عن العديد من الامراض المستعصية بما فيها مرض تصلب الشرايين الاكليلية ومرض السرطان ومرض الزهايمر وامراض اخرى تصيب الناس العاديين وتؤدي الى موتهم.

معوقات وكانت مشكلة العلماء تكمن في ان الفئران والحيوانات البدائية تختلف كليا عن الانسان وليست المعيار او المقياس المثالي لمعرفة ما يجري لدى الانسان عن طريق دراستها. فعملية الشيخوخة ليست واضحة لدى الحيوانات المذكورة كما هي لدى الانسان، والعديد من الحيوانات لا توجد لديها دورة اباضية شهرية، كما هي لدى انثى الانسان، كما ان الجهاز المناعي الذاتي والجهاز العصبي يختلفان في الكثير من النواحي عن الانسان بحد ذاته.

لذلك قرر العلماء في مركز اريغون نقل التقنيات المذكورة الى الحيوانات العليا، وهذا ما فعله الباحث جيرالد سكتين وزملاؤه حيث انتجوا القرد «اندي».

مسيرة البحث قبل ان يتمكن العلماء في السابق من انتاج كائنات جديدة، كان عليهم تعلم تقنية انتاج الكائنات في الانابيب (طفل الانابيب لدى الانسان).

فهذه التقنية لم تستخدم على نطاق واسع من اجل زيادة نسل القرود. لكن في تقنية انتاج «اندي» لم يكن بالضرورة السير بتلك الخطوة لان تقنية الاستنساخ اصبحت متوفرة. وهذه التقنية سوف تلعب دورا اساسيا في انتاج عدد من الكائنات المتطابقة لاجراء التجارب عليها ومتابعتها.

وحجر الاساس في تقنية انتاج «اندي» كان بتقنية شطر البويضة في مراحل التشكل الجنينية واستنساخها، وهذا ما حدث في العام الماضي. بعد ذلك ادخلت عينات من AND قنديل البحر بتقنية شرحناها في الجراف المرفق.

بروتين مشع من اجل جعل الابحاث اكثر اثارة واكثر فائدة قرر الباحثون، نقل مورثة مسؤولة عن انتاج بروتين يؤدي الى اعطاء قنديل البحر لونه الاخضر المضيء او المشع، وهو بروتين غير ضار. ويعتقد الاطباء ان متابعة هذه البروتين عبر وسائل الاستقصاء الحالية اسهل من خلال كشف الاضاءة، اضافة الى امكانية متابعة تحركاته في اعضاء الجسم، وبالتالي امكانية تفسير آلية حدوث الامراض واعطاء فكرة عن كيفية معالجتها.

ورغم ان تجارب النقل الجيني لنفس المورثة، التي تعطي هذا البروتين، قد نجحت على الحيوانات الدنيا مثل الفئران والارانب، حيث اعطت بروتينات مشعة او مضيئة في اجسامها، الا انها لم تنجح لدى القرد «اندي».

ووجد العلماء ان المورثة موجودة في جسم القرد الجديد لكن لا يوجد اشعاع في اعضائه او خلاياه، وهذا يمكن ان يعود الى ان الجسم لا يستطع انتاج البروتين، او ان البروتين موجود بكميات قليلة جدا في الجسم لذلك لم تظهر اثاره.

توقعات لا يتوقع العلماء الاستفادة من هذه التقنية قبل انتاج خمسة اجيال من القرد «اندي»، وذلك عن طريق انتقال المورثة عبر الخلايا التناسيلة من جيل الى آخر. وهذه التقنية ما زالت في مراحلها الاولية فالعلماء بحاجة الى تعلم الكثير من المسائل التكتيكية، مثل ادخال المورثات المطلوبة الى الجسم في الموقع والوقت المناسبين. فعملية ادخال المورثات الى الخلايا عملية سهلة عبر ذاتها، لكن آلية ادخال تلك المورثات الى موقعها الصحيح، وجعلها تعمل في مرحلتها الزمنية المناسبة مسألة معقدة نسبيا. فالمورثات في الخلايا تعمل ضمن اطار برنامج زمني دقيق وتخصص عالي الدقة، وتحويل البرنامج الزمني والتخصصي يحتاج الى درجة كبيرة من الهندسة الوراثية، خاصة ان هناك مجموعة من الامراض مسؤولة عنها اكثر من مورثة وفي هذه الحالة يجب ادخال مجموعة من المورثات الى الخلايا.

اضافة الى ما سبق، فإن هذه الطريقة باهظة الثمن حاليا، وتطرح تساؤلات كبيرة حول سلامة ادخال مورثات هجينة الى الانسان، وحتى الان لا احد يعرف الاختلاطات الجانبية التي يمكن ان تحدث نتيجة لهذه التقنية.

فوائد تكمن فوائد هذه التقنية في انها سوف تعطي فكرة واضحة وربما علاجات جديدة للعديد من الامراض مثل، السرطان وتلف البنكرياس وداء العته الدماغي (الزهايمر) وبعض التشوهات الخلقية والايدز، والعديد من الامراض المستعصية الاخرى.

وقال دوان الكسندر مدير المعهد القومي للصحة والنمو في الولايات المتحدة على ان هذا الانجاز سوف يكسر حاجزا تقنيا ويوفر الظروف والشروط لتطوير نماذج جديدة لاجراء تجارب على علاجات لامراض مختلفة اكثر من اي وقت مضى.

ويفيد المعهد الوطني للصحة ونمو الطفل ان هذه التقنية يمكن ان تؤدي الى تطوير مجموعات من النماذج الحيوانية شبيهة اكثر بالانسان من حيوانات التجارب الموجودة حاليا.

=