عبور كوكب الزهرة بين الأرض والشمس يطلق تظاهرة علمية فلكية عالمية عمّت الكرة الأرضية

ملايين من البشر ومن ضمنهم الفلكيون والعلماء والهواة حاولوا مراقبة الظاهرة من مواقع مختلفة * صيادو أسماك اميركيون والبدو تابعوا الحدث الفلكي الفريد

TT

عبر كوكب الزهرة قرص الشمس أمس لاول مرة منذ اكثر من قرن من الزمان وسط تظاهرة علمية فلكية لم يشهدها العالم إلا قبل عشر سنوات تقريبا عندما حدث كسوف شبه كلي للشمس. وقدرت الاوساط العلمية ان مليارات من البشر حول العالم حاولت مراقبة الظاهرة التي لا تحدث الا بعد مرور أكثر من قرن. وانضم أكثر من مائة من النظارة الذين يرتدون نظارات خاصة الى علماء وصحافيين في المرصد الملكي في غرينتش لمراقبة الكوكب بينما بدأ مساره امام الشمس الساعة 0519 بتوقيت غرينتش.

وقال روبرت ماسي الفلكي بالمرصد الملكي عن الزهرة «لقد رأينا هذه النقطة الصغيرة مقبلة من جانب الشمس، لقد كانت هناك فترة نحو عشر دقائق قبل ان يظهر الكوكب كاملا على السطح. المرة الاولى كانت هي الشيء المهم..هذا هو ما انتظر الناس رؤيته».

واضاف «ما من احد على قيد الحياة شاهد هذا، لذا ليست لدينا خبرة بالامر على الاطلاق».

وكانت افضل الاماكن لرؤية الظاهرة في اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا، كما شوهدت الظاهرة جزئيا في اسيا والأميركتين. وعلى عكس الكسوف الشمسي الذي يستغرق ما بين دقيقتين وثلاث دقائق فان عبور كوكب الزهرة لقرص الشمس الذي وقع اخر مرة عام 1882 استمر أكثر من ست ساعات.

وظهر كوكب الزهرة كنقطة سوداء كثيفة تبدو بالغة الصغر فوق قرص الشمس وعبر من اسفل يسار قرص الشمس الى اليمين مع أنها تبعد عن الارض بنحو 43 مليون كيلومتر.

وتوقع روبرت وولش من مركز علم الفيزياء الفلكية بجامعة وسط لانكشاير «أن الزهرة ظهرت بحجم يقارب واحدا على ثلاثين من حجم قطر الشمس لكنها كانت اكثر اظلاما وكثافة من البقع الشمسية». وأوصى العلماء بعدم التعرض مباشرة للظاهرة كنوع من الحماية.

* الإنترنت والمراصد الفلكية كانت أكثر اهتماما

* وغطت مواقع الإنترنت الحدث كما أعدت المراصد في شتى أنحاء العالم اماكن لمشاهدة الظاهرة.

وقالت الطالبة كيندا بيدياكو، 16 عاما، من لندن التي حضرت للمرصد الملكي لمشاهدة الزهرة «اكتشفت الامر بالصدفة عبر الإنترنت وظننت انه سيكون لطيفا حقا ان احضر الى هنا لرؤيته».

وكان عالم الفلك الالماني يوهانس كيبلر اول من تنبأ بعبور الزهرة عام 1627 لكنه قضى نحبه قبل ان يشاهد اي مرة حدثت فيها الظاهرة. وكان الفلكي البريطاني جيرميا هوروكس اول من رصدها عام 1639.

وتحدث الظاهرة اربع مرات كل 243 عاما. وتحدث الظاهرة مرتين في شهر ديسمبر (كانون الاول) تفصل بين كل منهما ثماني سنوات ثم بعد 121 عاما ونصف العام تحدث في شهر يونيو (حزيران) ثم في نفس الشهر بعد ثماني سنوات. وبعد 105 سنوات ونصف السنة تبدأ الدورة من جديد.

وسيعبر الزهرة الشمس المرة المقبلة في 2012 حيث يمكن مشاهدته في اجزاء من اسيا وأوروبا.

وكانت العملية عبارة عن مطاردة مثيرة استمرت 122 عاما بين الكوكبين الثاني والثالث في النظام الشمسي، زحفت نقطة صغيرة امام وجه الشمس مع وقوف الزهرة بين الارض ونجمها.

واستمر هذا الاصطفاف اكثر من ست ساعات الذي شاهده نحو خمسة مليارات من اصل سكان العالم الستة مليارات حسب التوقعات.

وقال البروفسور غوردون بروميج من جامعة سنترال لانكشاير البريطانية ان علماء الفلك «يقفزون من الفرح»، ناقلا رد فعل نحو مائة من الفلكيين والفضوليين الذين تجمعوا بالقرب من مدينة بريستون الشمالية لمشاهدة الظاهرة. وكانوا يصرخون:« اننا نراها، اننا نراها»، ثم قال «انه تواصل رائع مع الماضي».

وسجلت اكثر من الفي مدرسة وناد فلكي وافراد اسماءهم في موقع المرصد الاوروبي الجنوبي لتسجيل مشاهداتهم لتقرأها الاجيال المقبلة.

وقطعت محطات التلفزيون الاوروبية برامجها لاعلان بداية عبور الزهرة وقامت عدة مواقع على الإنترنت بنقلها مباشرة. ووجهت وكالة الفضاء الاوروبية ووكالة الفضاء الاميركية قمرين لتسجيل الظاهرة عن قرب.

ويعود عدم انتظام حدوث الظاهرة الى ميلان المدار الذي تسير فيه الزهرة نحو الارض، ثالث كوكب من الشمس.

وفي المتحف العلمي في باريس تم توزيع كاميرات ورقية الى عشرات الاشخاص الذين تجمعوا لمشاهدة الظاهرة. وتعكس هذه الكاميرات صورة الشمس على خلفية، حتى لا تسبب اذى للعين، عبر فتحة صغيرة. ولكن البعض اشتكى من ان الصورة لم تكن واضحة.

اما في اليابان، فتسبب الطقس وتتابع السحب في عدم وضوح الرؤية.

وشاهد الاوروبيون والافارقة الظاهرة كاملة وكذلك معظم سكان اسيا في حين لم يشاهد سكان شرق اسيا واستراليا النهاية، والاميركيون البداية.

وسافر بعض الفلكيين الاميركيين الى البلقان والشرق الاوسط ليتمكنوا من متابعة الحدث باكمله. وفي نيويورك نشر متحف التاريخ الطبيعي تلسكوبات وشاشات عرض فيديوية على سطوحه ليتمكن المشاهدون من رؤية المشهد بعد بزوغ الشمس. وارسلت فرنسا وبريطانيا علماءهما في رحلات خطيرة الى اماكن بعيدة في العالم لاجراء القياسات الفلكية، وبذلك اسهموا في تطوير المعرفة العلمية.