الهندسة الوراثية المحور الأساسي لحل مشاكل تطوير الأدوية والعرب مؤهلون للاستفادة منها

TT

اكد الدكتور فوزي عبد القادر الرفاعي رئيس اكاديمية البحث العلمي والتقنية بمصر، ان المستقبل في صالح الدواء عربيا، لان الكيمياء يتراجع دورها، وتحل محلها البيولوجيا. وقال العالم المصري في حوار اجرته معه «الشرق الاوسط» بمكتبه بمقر الاكاديمية بالقاهرة، ان الهندسة الوراثية تشكل المحور الاساسي حاليا لحل مشاكل الدواء، لان اساليبها معروفة وادواتها رخيصة، لافتا الانتباه الى ان علماء مصر والعرب قطعوا شوطا طويلا في دروبها، وانه في ظل هذه التقنية الجديدة لن تحدث ازمة دوائية خاصة بعد عام 2008 . كما تطرق الحوار الى قضايا اخرى خاصة بواقع الدواء في مصر والعالم العربي وهذا نص الحوار:

* هل تشكل اتفاقية الـ«تربس» مشكلة لتجارة الدواء في مصر والعالم العربي؟

ـ هناك 27 اتفاقية تنظم دوليا تجارة السلع والخدمات، والفكر، وان الـ «تربس» اتفاقية وحيده، شأنها شأن اي اتفاقية، اذا فهمناها واستوعبناها، واعددنا لها العدة استفدنا وافدنا وتميزنا، واذا لم نفهم أو نستوعب اضرتنا اشد الضرر.

* وكيف نتجنب الضرر؟

ـ ان نستوعب جيدا ان 22% من التجارة العالمية خلال الـ 10 سنوات المقبلة مرتبطة بتجارة الفكر، وبعد ذلك ستزيد هذه السنة لتصبح نصف التجارة العالمية، والفهم المقصود هنا، ان نعمل بجد لنخدم انفسنا وننقذ حياتنا لان المسألة لا بد ان تؤخذ بشعار «نكون أو لا نكون».

* هذا شأن التجارة العالمية عموما، ولكن ماذا سيكون مصير الدواء؟

ـ جاءت اتفاقية الـ «تربس» لتحمي المنتجات الدوائية والمنتجات الكيميائية المتعلقة بالاغذية، ووفقا للقوانين السابقة كانت هذه المنتجات مستثناه من هذه الحماية، ولذلك مع بداية يناير (كانون الثاني) 2005 ستبدأ مكاتب براءات الاختراع في تلقي طلبات الشركات لحماية منتجاتها الدوائية ليحق لها ان تستفيد من جهدها اقصى فائدة، وتعقد الشركات المنتجة اتفاقات كما تريد من الدول المختلفة.

* الا يشكل هذا نوعا من فقدان الامل؟

ـ الامل انه لن تحصل شركة دوائية حول العالم على براءة اختراع قبل عام 2008، لان اصدار البراءة يستغرق 3 سنوات تقريبا وبالتالي لا يتوقع احد ظهور دواء جديد في الاسواق قبل هذا التاريخ، وفقا لهذه الاتفاقية، وبالتالي لا داع للرعب.

* ماذا يعني ذلك بصراحة؟

ـ يعني بصراحة انه لن يوجد اي منتج دوائي جديد محمي في مصر أو أي دولة عربية قبل تاريخ 2008. وبصراحة اكثر، يمكن ان نستثمر اموالا في اي دواء موجود في الاسواق حتى هذا التاريخ، أي قبيل عام 2008 .

* وهل هذا معقول قانونا؟

ـ معقول جدا لان البراءة تعطي حماية وطنية، فلو صدرت داخل مصر وفرت الحماية له داخل مصر، ومادام البراءة لم تصدر بعد في مصر فمن حقي ان استخدم كافة البراءات الممنوحة خارج مصر، واستغلها وقد يكون نصيب من هذه البراءات الدوائية اقل من 1% وبالتالي يصبح لدى 99% من الاختراعات المرتبطة بالبراءات الدوائية يمكن الاستفادة منها وتصنيع منتجاتها في مصر، وكذلك الحال أي دولة عربية، يمكن ان تفعل نفس الشيء.

* هذا الكلام يوحي بأن التصنيع سهل.. هل هذا صحيح؟

ـ لا بالطبع، لان العملية ليست بهذه السهولة، لانه لا يشترط كتابة سر الصنعة داخل وثيقة البراءة، وبالتالي يصعب على أي متخصص معرفته من مجرد قراءة هذه الوثائق وسر الصنعة هو المعروف بالــ« «know how» وبالتالي يتطلب الامر عملا علميا جادا للاستفادة من هذه البراءات.

* هذا كلام يثير التشاؤم فلماذا انت متفائل؟

ـ لقد استفادت الهند والبرازيل من هذه القوانين والاتفاقيات بالعمل الجاد والبحث العلمي القوي، والتمويل الوفير، فعبرت الى بر الامان في هذا المجال. ونحن مشكلتنا التمويل، ورغم ذلك مازلت مصرا على انني متفائل دوائيا.

* ارجو أن توضح لي الصورة بشكل اوسع.

ـ لان الهندسة العكسية حظرتها الاتفاقيات العالمية في كل شيء الا بغرض البحث العلمي، وهذا في اتفاقية الـ«تربس» ايضا، فلماذا التشاؤم؟ الا ان التفاول يحتاج الى جهد عظيم يقابله، بغرض ترجمته وتجسيده في صورة منتجات دوائية تحل هذه المشكلة، وان عملية توليد التقنية هي التي يجب ان تحكم المسيرة العلمية من دون نظر الى الماضي ما به من عجز أو المستقبل وما به من خوف.

* انا الآن اكثر تشاؤما من ذي قبل؟

ـ لا داعي للتشاؤم لان تفاؤلي مبني على حيثيات علمية ارى من خلالها ان صيدلة التركيب المبنية على العنية الوراثية هي «صيدلية المستقبل» الامر الذي ستكون فيه هذه الصيدلية مرتكزة على «البيولوجيا» وليس على الكيمياء، وستكون الكيمياء في هذا الفرع الطبي قليلة جدا، والبيولوجيا ستحل محلها، والغد في صالح البيولوجيا على حسب الكيمياء في مجال الدواء بالذات.

* وماذا بعد؟

ـ ان علم الهندسة الوراثية معروف، واجهزته موجودة وعلماء مصر والعرب يمتلكون أمامها كما ان مجرد جهاز صغير في أي عيادة طبيب خلال سنوات قليلة مقبلة يمكن ان يحدد «الجين» المسؤول عن، المرضى، ثم يقرر الطبيب العلاج اللازم بعدها يقوم الصيدلي في صيدلية المستقبل التي تقوم على تركيب الادوية المبنية على الهندسة الوراثية بعمل هذا الدواء، وهذا سنجده قبل ان تحدث ازمة دوائية في الاقطار العربية، من دون خوف من المستقبل في هذا المجال.

* وماذا عن تجربة الهند والبرازيل؟

ـ الهنود حلوا المشكلة والبرازيل كانت معنا وسبقتنا والآن لديهما معارف فنية هامة ورخيصة لان سعيهم كان اكثر جدية وفاعلية، فالملكية الفكرية بها نفع كبير وخطر ايضا فاذا لم يعمل بجدية واصر بالطبع في الخطر مع الملاحظة اننا في مصر وضعنا قانونا لحماية الملكية الفرية وأطعنا الاتفاقات الدولية ولكن جعلنا في القانون ما يحقق مصالحنا ولن نقع فريسة لأي أحد أو شركة بل ولا أي دولة في مجال الدواء وغيره.