إسفلت خاص وإطارات ذكية تقلل ضجيج الشوارع بنسبة 40 في المائة

كساء جديد للطرقات يكتم الضجيج الصادر عن احتكاك إطارات السيارات بأرضيتها

TT

أشارت دراسة نشرت في اليوم العالمي ضد الضجيج في ابريل (نيسان) الماضي، إلى أن الطيور المغردة في المدن الكبيرة صارت تعاني من فرط استخدام حناجرها بسبب محاولتها التفوق على ضوضاء المدن والشوارع. وصارت الطيور المغردة ترفع من تردد نغماتها باطراد خلال السنوات الماضية لرغبتها بإيصال موسيقاها الجميلة إلى آذان السامعين، بالضد من الضجيج.

وطبيعي أن تأثير الضجيج الصحي الأساسي يطال البشر قبل الطيور، لأنه مسؤول عن وفاة 2000 شخص في ألمانيا جراء مضاعفاته، هذا ناهيك من آلاف البشر الذين يعانون بسبب الضجيج من الصداع والتوتر النفسي وارتفاع ضغط الدم وثقل السمع والطرش. وتشير إحصائية دائرة البيئة إلى أن ثلث الألمان يشعرون بتوتر نفسي جراء الضجيج وأن نصفهم على قناعة بأن صحته تتدهور بسبب الضوضاء.

ولهذا فقد خصصت دائرة البيئة الاتحادية، بالتعاون مع العديد من شركات البناء وشركات صناعة إطارات السيارات وشركات انتاج المواد الجديدة، العديد من المشاريع الرامية إلى تقليل الضجيج. هذا مع العلم أن التقنية الجديدة في صناعة السيارات والمحركات والإطارات نجحت في تقليص الضجيج إلى النصف خلال نصف القرن الماضي.

وفي هذا الإطار عملت شركة «بي. بي. م» الألمانية مع دائرة البيئة الاتحادية في مشروع لتجربة نوع جديد من الإسفلت وطراز جديد من الإطارات، هدفه تقليل ضجيج السيارات والطرق السريعة. وتم تنفيذ المشروع طوال السنوات الـثماني الماضية على قطعة من الطريق السريع قرب مدينة اوغسبورغ (جنوب) طولها 600 متر. وجرى في الأساس على هذه القطعة من الشارع تجربة كساء جديد (اسفلت) للشوارع يعمل على كتم الضجيج الصادر عن احتكاك الإطارات بأرضية الشارع.

وتشير النتائج بعد 8 سنوات إلى أن التبليط الجديد قلل الضجيج الصادر عن السيارات بمقدار 5 ديسبل (وحدة قياس الضجيج). واعتبر الباحثون هذا القدر كبيرا، بالنظر إلى أنه يعني كتم ربع الضجيج الصادر عن الشارع. ويأملون من خلال مشروع للتبليط الجديد والإطارات الذكية والحواجز المانعة للصوت تقليص الضجيج الصادر عن الطرق السريعة إلى النصف.

واستخدمت شركة «بي بي م» مادة تبليط ثنائية الطبقات، مسامية، مرنة وتنفتح ثقوب مساماتها إلى الخارج. وتسمح الطبقة العليا من المادة بمرور الهواء والماء بكافة الاتجاهات، لكنها لا تسمح بوجود الهواء داخل ثقوبها. وتتكون الطبقة الثانية من مادة حبيبية مضغوطة تسمح بتكون غرف هوائية تحتها تمنع تسرب الهواء مجددا منها إلى الأعلى، لكنها تسمح بتسربه إلى التربة. وهكذا يتسرب الهواء المضغوط بين الإطار والشارع، اي الضجيج، إلى الغرف الهوائية في الاسفل وتتولى الطبقة السفلى كتمه.

وعلاوة على ذلك فإن الطبقة العليا لا تسمح لذرات التراب والأملاح بالتراكم عليها وتعمل على تسريبها عبر المسامات إلى الأرض. كما تسمح الطبقتان بمرور ماء المطر تماما وصولا إلى التربة التي عبد عليها الطريق. وهناك مشكلة واحدة في مادة «الاسفلت» الجديدة، وهي أنها ملائمة تماما للطرقات السريعة فقط، إذ ثبت أن الطبقة العليا لا تنظف نفسها من ذرات الغبار وغيرها إلا عند مرور السيارات عليها بسرعة تتجاوز 50 الى 70 كيلومترا في الساعة. أما المشكلة الثانية فمادية ولا تصعب على بلد ثري مثل ألمانيا لأن كساء طرقها السريعة بالطبقة الثانية سيكلف 530 مليون يورو حسب تقدير نادي السيارات الألماني (ADAC).

من ناحيتها، ساهمت مبادرة «الشوارع الصامتة» بقسطها في المشروع من خلال دراسة حول الإطارات نجحت بتصميم «بروفيل» جديد للإطارات الذكية المقبلة. وتستخدم الإطارات الجديدة التي صنعتها شركة كونيننتال لصناعة الإطارات في إطاراتها الصامتة مادة أكثر مرونة في المنتصف وأكثر صلابة على جانبي الإطار. وتم تزويد الإطار باخاديد أقل عمقا وعرضا من أخاديد الإطارات التقليدية، وهي أخاديد بأشكال معينة، مترددة ومتحركة، تساعد في كتم الهواء الخارج عن الإطارات والمسبب للضجيج. كما تم تزويد الإطارات بأضلاع رقيقية أفقية على الجوانب تزودها بالمتانة المناسبة وتوفر الضغط المناسب على الأخاديد، لإخراج الهواء منها، كما تفعل الاضلاع في القفص الصدري.

وتشير النتائج إلى أن هذه الإطارات نجحت في تقليل الضجيج بمقدار 1 ديسبل، علما بأن التقنيات الجديدة في صناعة الإطارات نجحت خلال اكثر من قرن من عمر السيارات في خفض ضجيجها بمقدار 5 ديسبل فقط.

ويعول الباحثون على جدران كاتمة للصوت صممها المهندس ميشائيل موزر من جامعة برلين التقنية في محاولة لكتم المزيد من الصوت. وتتكون الجدران الجديدة من مادة مسامية عازلة وكاتمة للضجيج، وزودها المهندس بحافة عالية مائلة. وذكر موزر أن هذه الحافة تجبر موجات الصوت الحاملة للضجيج على اتخاذ قوس عال جدا كي تتمكن من عبور الحاجز. ويسمح هذا القوس العالي بتبديد جزء كبير من الصوت إلى الأعلى. وينتظر أن يتم تجريب الجدران المانعة للصوت في تجربة جديدة ستجرى على قطعة جديدة من شبكة الطرقات السريعة التي تنتشر كالعروق في جسد ألمانيا.