العلماء يطورون طرقا لتعزيز القدرات العقلية والإدراك والذاكرة لدى الإنسان

آمال ومخاوف تتراوح بين تحويل الإنسان الجديد إلى آنشتاين مبدع أو جنس شبيه بفرنكنشتاين

TT

في فيلم المغامرات العلمية «الكوكب المحرم» يتلقى رائد فضاء أميركي «تعزيزات للقدرات الدماغية» من جهاز من عالم آخر، يمنحه مؤقتا، قدرات عقلية فائقة. وقبل موته بسبب تأثير هذه التعزيزات، يساهم في الكشف عن كيفية اختفاء الحضارة التي ظهر أنها ادثرت لانها لم تتمكن من السيطرة على قدراتها العقلية الهائلة.

غير ان هذا الخيال العلمي يتحول بسرعة الى حقائق علمية، فتعزيز القدرات الدماغية او العصبية يجري حاليا، كما تجد طريقها نحو التطبيق وسائل أخرى اكثر قوة. ويشير بعض المراقبين الي إننا نتعجل مثل هذه الثورة في القدرات العقلية بدون اي تفكير كاف او اعداد. وتقول مارتا فره مديرة مركز العلوم العصبية الادراكية في جامعة بنسلفانيا، «نحن على ابواب الحصول على قدرات قوية جديدة... لاعادة صياغة ذواتنا وتحسينها. ولذا يجب علينا التفكير دائما في العواقب الاخلاقية لتغيير انفسنا وحياتنا، بالنسبة للفرد وكذلك المجتمع».

وفي الوقت الذي يشعر فيه البعض بالقلق من اننا سنحول انفسنا الى جنس من مخلوقات شبيهة بفرنكنشتاين، فإن البعض الاخر يتطلع الى آينشتاين جديد. ويشير المتفائلون الى ان البشر يفعلون ما يفعلونه دائما: محاولة تحسين ذواتهم، سواء بتناول الكافيين لكي يظلوا يقظين، او اجراء عمليات تجميل لتغيير مظهرهم.

* عقاقير معززة

* ثورة تعزيز القدرات الدماغية قد بدأت، فالعقار ريتالين، الذي كان يستخدم في البداية للسيطرة على النشاط المفرط لدى الاطفال، اصبح يستخدم الان بصورة روتينية من قبل طلبة المدارس العليا والكليات قبل الامتحانات. الا ان التأثيرات الصحية على المدى الطويل غير معروفة.

بينما تم تطوير العقار «مودافينيل» لعلاج مرض النوم. الا انه يستخدم الان من قبل هؤلاء الذين يريدون ببساطة البقاء في حالة يقظة وتنبه متواصلين. وفي الآونة الاخيرة ذكر سبعة من لاعبي العاب القوى الاميركية انهم يستخدمون هذا العقار لتعزيز استعدادهم العقلي. كما تبين ان التنشيط المغناطيسي عبر الجمجمة، المستخدم منذ اكثر من عقدين لعلاج الاكتئاب، ينشط قدرات حل المشاكل بين الافراد العاديين.

ان تحسين التصور الدماغي او المسح الدماغي يكشف عن وسائل جديدة مثل «البصمات الدماغية» التي يزعم انها قادرة على تحديد الذكريات داخل الدماغ، وهو ما يثير بعض المشاكل بالنسبة لاقتحام الخصوصيات الفردية. ويوضح ريتشارد غلين بوير المدير المشارك لمركز الحريات الادراكية والاخلاقية في دافيس بكاليفورنيا «لا يوجد شيء اكثر خصوصية وشخصية من ذكريات الانسان».

ويعتقد بعض العلماء بإمكانية ظهور فرع جديد يطلق عليه «اخلاقيات الاعصاب» التي ستحاول تعريف مواقع الالغام العقلية وكيفية التعامل معها. ومثل هذه الاحكام ضرورية لان الثورة في مجال علوم الاعصاب «مهمة مثل ثورة الجينات، ولكن لا أحد ينتبه،» كما ذكر ارثر كابلان مدير مركز الاخلاقيات البيولوجية في جامعة بنسلفانيا.

وبالنسبة لريتالين، فإن معظم التقنيات الحالية لتعزيز القدرات العقلية تأتي من الجهود المتعلقة بعلاج الامراض، ففي كتاب «مستقبل مرحلة ما بعد الانسان: آثار ثورة التقنيات الحيوية» يدعو المفكر الاميركي فرانسيس فوكوياما لاصدار لوائح حكومية لاستخدام مثل هذه التقنيات لتعزيز قدرات الاعصاب. غير ان البعض الاخر الذين يشعرون بقلق من النتائج الاخلاقية، يرى ان «الخط الذهبي» بين استخدام العقاقير وبين توظيف التقنيات ووسائل العلاج الاخرى لتعزيز القدرات، لا يزال يسبب اشكالات كبرى.

ويشير بوير الى ان شركات العقاقير الطبية ستسعى الى انتاج وتسويق عقاقير ترضي مائة في المائة من السكان، وليس فقط الاقليات المريضة. وفي النهاية فإن العديد من الناس يودون الحصول على ذاكرة اقوى، لكي يتمكنوا من التفكير بسرعة، او لنسيان ذكريات مؤلمة. الا انه يشير الى ان ذلك يثير عدة قضايا متعلقة بالحرية الشخصية.

* تساؤلات

* ويتساءل بوير «ما هي حقوق الشخص لادارة عملية التفكير لديه؟. ان الافكار ليست مجرد شيء يتغير بالاطلاع على كتاب او الاستماع الى خطيب. ان الافكار في الوقت الراهن وفي المستقبل، ستتغير بعناصر طبية». اما البروفسور كابلان فيطرح تساؤلات اخرى: كيف سيمكننا الاجابة بنعم على وسيلة علاج، وبالنفي لعملية التعزيز؟». ويواصل الباحث تمعنه في الفكرة قائلا: «يمكنك تناول حبة دواء لعلاج مرض لضعف القدرة على القراءة والكتابة، ولكن لن يمكنك تناول حبة دواء اذا كنت قارئا غير جيد». وهذا «امر في غاية الصعوبة ولن ينجح».

وفي الوقت الذي ربما يرغب في بعض المرضى في تقبل بعض المخاطر لاستخدام عقار لعلاج مرض، فإن وسائل السلامة في عقاقير تعزيز القدرات يجب ان تكون اكبر، طبقا لما تقوله جودي ايلس، وهي باحثة في مجال اخلاقيات الطب الحيوي في جامعة ستانفورد. اما كابلان فيضيف بأن تخطيط الدماغ يؤدي الى مجموعة اخرى من المشاكل. ويتصور استخدام اجهزة مسح الدماغ في المطارات على المسافرين. الا انه يطرح سؤالا هل يجب ان تقدم موافقتك على السماح لشخص ما بالنظر الى عقلك؟. ماذا لو امكن اجراء ذلك على بعد بدون علمك: ومن الذي سيسمح له بالحفاظ على تلك المعلومات؟ ويوضح كابلان بأن الامر يحتاج الى بعض اللوائح التنظيمية. «لا نريد ان يضع الناس معدات على الارصفة ويقولون «سأبلغك ان كانت زوجتك تغشك»!

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»