المركبات الطبيعية لشجرة النيم تقاوم 200 نوع من الحشرات

النيم تطهر الأجواء من الهوام والحشرات الطائرة ولا يجرؤ الجراد على الاقتراب منها

TT

كشفت دراسة علمية مصرية أن المركبات الطبيعية المستخلصة من شجرة النيم تقاوم 200 نوع من الحشرات والآفات الزراعية، الأمر الذي يبشر بتطوير مبيدات طبيعية مستخلصة من أوراق هذه الشجرة، التي تعد أكثر أشجار المملكة النباتية حصانة ضد الحشرات، ومن بذورها وأزهارها وقلفها وأغصانها.

ويقول الدكتور فوزي عبد القادر الباحث الزراعي المصري بجامعة اسيوط، لـ«الشرق الأوسط» ان شجرة النيم neem أو المرجوزة margosa تسمى علميا «أزاديراختا إنديكا» وتعني في اللغة الهندية «شجرة الهند المجانية»، لأن موطنها هناك، وهي تنتمي الى الفصيلة «الزنزلختية»، وهي معمرة، ويصل عمرها أحيانا الى 180 سنة، وقد يصل الى المائتين، وهي سريعة النمو، رائعة الشكل، دائمة الخضرة، يصل ارتفاعها الى 16 مترا، وأحيانا تصل الى 25 مترا، وتغطي مساحة قطرها 10 أمتار.

ويذكر الباحث المصري ان أجزاء شجرة النيم تحتوي على 40 مركبا حيويا وفعالا، تتركز أساسا في البذور وزيت البذور والقلف والأوراق، وهي مركبات تتصف بتركيب كيميائي معقد وان المركب النشط الرئيسي الذي يعود إليه الطعم المر للنبات هو «الازاديراكتين asadirachtin» ويسمى بلغة الكيمياء «رباعي نور ثلاثي تير بينويد»، ويتراوح تركيزه في لب البذور ما بين 4 ـ 9 ملليغرامات في الغرام، مشيرا الى وجود مركبات عديدة أخرى أمكن التوصيف العلمي لـ40 مركبا منها، والبعض الآخر ما زال قيد البحث. وقال ان التجارب العلمية التي أجريت سواء على نطاق الوحدات التجريبية أو المساحات الأكبر أو الزراعات المحمية، اثبتت ان مركب «الازاديراكتين»، يؤثر بقوة في نحو 200 نوع من الحشرات الضارية، من بينها 25 نوعا من حشرة أبي الدقيق، و20 نوعا من الخنافس، و14 نوعا من البق، و5 أنواع من الذباب، و5 أنواع من الجراد والنطاطات، وعدة أنواع من النمل الابيض والحشرات الأخرى، وهو الأمر الذي يكشف أهمية احلال هذه الشجرة محل المبيدات الكيميائية التخليقية التي أضرت بالبيئة.

ويؤكد الدكتور فوزي عبد القادر ان الدراسات حول مركب الازاديراكتين أعطت نتائج مذهلة حول العالم، إذ ثبت انه حين يبلغ أجسام اليرقات أو الحوريات، فإن 70 في المائة منها تموت في غضون 3 الى 14 يوما، لأنه يؤثر في جهاز الحشرة الهرموني المسؤول عن انسلاخ اليرقات والحوريات لتكمل دورة حياتها، وتتحول الى حشرة كاملة. وبتعبير أوضح، فإن «الازاديراكتين» يسبب خللا في هرمونات الحشرات، لا سيما هرمونات النمو، وينتج عنه توقف عملية الانسلاخ، الأمر الذي يوقف نموها، ويفضي في نهاية الأمر الى الموت المحقق.

واشار الى أن شجرة النيم لا مثيل لها في المملكة النباتية من حيث الحصانة ضد الحشرات، باستثناء الحشرة القشرية التي تؤثر فيها، كما ان هذه الشجرة تطلق روائح من زيت عطري عبر أوراقها، تنفر الحشرات وتطردها بعيدا، ولا تجرؤ حشرة على الاقتراب من دائرة حول الشجرة قطرها يزيد على 20 مترا. واكد ان هذه الرائحة غير منفرة للانسان، ولا تؤثر فيه سلبا على الاطلاق، كما انها لا تؤذي النحل أو غيره من الحشرات النافعة، موضحا ان التجارب اثبتت ان الجراد الصحراوي المهاجر الذي يبيد في ساعات قليلة مساحات شاسعة من الزراعات، لا يمكنه الاقتراب من أشجار النيم، ويفر منها مذعورا ولا يمسها بسوء، الأمر الذي يجعل النيم مؤثرة في فيض كبير من الحشرات لا سيما الجراد والنطاطات والحشرات ذات الجناحين، وغمدية الأجنحة، ومستقيمة الأجنحة، وحرشفية الأجنحة، والحشرات متشابهة الأجنحة أيضا.

ويوضح الباحث المصري ان مركبات شجرة النيم الحيوية لا تطهر الأجواء من الهوام والحشرات الطائرة فحسب، بل تطهر كذلك مياه الري والتربة الزراعية من الآفات أيضا، فقد أثبتت التجارب أنه يمكن لأربع شجرات نيم مزروعة في الفدان، أن تبعد القوارض الساكنة بشقوق التربة وإبادة ديدان النيماتودا الرابضة، علاوة على دورها في طرد الحشرات الطائرة، مشيرا الى ان الفلاح الهندي يخلط التربة بكمية من أوراق النيم لمكافحة مرض التعقد الجذري الناتج عن النيماتودا التي تصيب نباتات البامية والطماطم والباذنجان، كما تبيد مركبات النيم قواقع الطفيليات بالمياه العذبة، كما ان إلقاء أجزاء من شجرة النيم في مزارع الارز الهندية، أباد يرقات البعوض تماما، بخلاف استخدامها في مقاومة البعوض المسبب للملاريا، كما دعمت الاغصان خصوبة تربة زراعات الارز، وضاعف المحصول على نحو غير مسبوق، وبالتالي تم الكشف عن مخصب طبيعي للتربة الواهية، عن طريق الصدفة البحتة.يذكر ان عدة شركات عالمية نجحت في استخلاص مركب الازاديراكتين وانتاج مبيدات نيم حيوية، بعضها يكافح آفات الحدائق المنزلية والبعض الآخر يكافح الحشرات الأكثر انتشارا في الصوبات (البيوت الحرارية) الزراعية، موضحا ان دور هذا المركب وتأثيره على الجهاز الهرموني للحشرات يجعلها عاجزة عن تكوين مناعة له في المستقبل، وهو الأمر الذي يبشر بإمكان حلول مبيدات النيم محل المبيدات المصنعة كيميائيا، والتي تؤدي الى موت ما يزيد على 200 ألف شخص حول العالم سنويا.