50 عاما على نجاح أول عملية جراحية لزراعة الأعضاء

عيادة أميركية حصلت على إجازة لزراعة الوجه

TT

عندما كان روبرت فيلبس، وهو سائق شاحنات من فيرجنيا، يموت بسبب فشل كلوي في عام 1963، قرأت شقيقته الصغرى روث، موضوعا حول عملية زرع كلية بين أم وابنها في دنفر.

واتصلت روث بالهاتف بالطبيب الذي اجرى العملية. هل يمكن ان تتبرع بواحدة من كليتيها الى شقيقها؟

وكشفت فحوص الدم ان فصيلة دم الشقيقين غير متوافقة، ولكن الطبيب وافق على حضور روث البالغة من العمر 37 سنة الى دنفر لاجراء الجراحة التجريبية، على أمل اطالة عمر شقيقها لمدة «سنتين».

وبعد 42 سنة لا يزال روبرت على قيد الحياة وصاحب الرقم القياسي لشخص قضى أطول فترة زمنية بعد ان أجريت له عملية زرع عضو. وقد تقاعد في عام 2000 بعد حياة عملية لم يمرض فيها على الاطلاق. وقبل عيد الشكر اجريت له جراحة القلب المفتوح. الا ان الكلية لا تزال تعمل بطريقة جيدة.

* نجاح مذهل

* وقد وافق يوم الخميس 23 ديسمبر (كانون الاول) الماضي، ذكرى مرور خمسين سنة على اجراء اول عملية زرع عضو، وكانت عملية زرع كلية من متبرع على قيد الحياة اجريت في بوسطن في عام 1954. وخلال العقود الخمسة الماضية، تعلم الجراحون الكثير حول كيفية اجراء عمليات نقل جميع الاعضاء البشرية الحيوية. كما اجروا عمليات لنقل مجموعة من الاعضاء غير الحيوية مثل، اليد. وفي المستقبل القريب يتحدث العلماء عن زراعة الوجه، وهو امر يثير الجدل ولكن يمكن ان يتحول الى حقيقة: ففي الشهر الماضي، اصبحت كليفلاند كلينيك اول مستشفى تحصل على موافقة لعملية زرع وجه. ومنذ عام 1982 اجريت لـ 416457 شخصا في الولايات المتحدة عمليات زرع كلية وقلب وكبد ورئة، وبنكرياس وامعاء لمد اعمارهم والقضاء على آلامهم، طبقا للشبكة الاميركية في ريتشموند بولاية فيرجنيا. وقد ادى التقدم الذي حدث في مجال الطب والجراحة والتخدير والرعاية المكثفة الى اطالة اعمار المرضى ونوعية الحياة، ويجري الاطباء عمليات زرع للاعضاء البشرية لمرضى يعانون من امراض مثل السكري، الذين رفض جسمهم الاعضاء قبل سنوات. كما تمكن العلماء من تحسين التقنيات المستخدمة في الحفاظ على الاعضاء من التعفن، كما طوروا ادوية فعالة لمواجهة رفض الجسم للاعضاء الجديدة. كما تعلم الاطباء كيفية استخدام ادوية قديمة بطريقة اكثر فاعلية، وخفضوا معدلات الوفيات الناجمة عن الرفض التام للاعضاء الجديدة وتحولت الى تلك حالات نادرة بدلا من كونها مشكلة متكررة.

* أول عملية

* ويقول الدكتور توماس ستارزل وهو واحد من الجراحين الرواد الذي قاد الفريق الطبي الذي اجرى عملية فيلبس وهو يعمل الان في جامعة بيتسبرغ. «ان تطور عمليات نقل الاعضاء من نقطة الصفر الى ما هو عليه الان يمثل حدثا خياليا اصبح حقيقة بسبب شجاعة مرضانا. والحقيقة هي اننا لم نتخيل في الخمسينات على الاطلاق المستوى الذي وصلت اليه مثل هذه العمليات والطريقة التي غيرت بها الطب. قد ادت عمليات زرع الاعضاء الى تغيرات في جميع مجالات المجتمع، مثل قبول مفهوم الموت الدماغي، واقرار قانون الهدايا التشريحية. وتطور مفهوم اخلاقيات الطب البيولوجي.

كان اول شخص تجرى له جراحة زرع اعضاء، شاب في الثالثة والعشرين من عمره من نوربورو بولاية ماساشوستس، يدعى ريتشارد هيرك. كان قد سرح لتوه من خفر السواحل. وفي 23 ديسمبر (كانون الاول) 1954 اجريت له عملية زرع كلية من شقيقه التوأم رونالد، في عملية اجراها الدكتور جوزيف موراي في مستشفى بريغهام وويمن في بوسطن. وعاش ريتشارد لمدة 8 سنوات الى ان قضى المرض الكلوي على الكلية السليمة.

وكانت تلك العملية انتصارا كبيرا في المجال الطبي، اذ ان أول عملية الزرع كانت عمليات نقل الدم وهو الاجراء الذي اصبح اكثر سلامة بعد اكتشاف فصائل الدم في عام 1900. وفي 1905 اجرى الاطباء اول عملية لزرع القرنية، ثم انتقل الامر بعد ذلك الى الاعضاء الصلبة.

ولسنوات عديدة لم تنجح العمليات، فمنذ اجراء اول عملية زرع كلية بشرية في فرنسا عام 1906، اجرى الاطباء حوالي 40 عملية زرع كلية، ولكن كل المرضى توفوا. وفي بعض عمليات الزرع الاولى، لم توضع الكلية في الحوض كما هو الامر الان، ولكن في مناطق مثل الذراع او الفخذ.

وفي عام 1950 ازال جراح من شيكاغو واحدة من كليتين متورمتين لامرأة وزرع لها كلية استمرت في العمل لمدة 53 يوما. الا ان جسدها رفض الكلية في الشهور التالية. غير ان المرأة تمكنت من الحياة لمدة خمس سنوات، لان الكلية المزروعة تمكنت من البقاء بحيث اتاحت للكلية الاخرى استعادة بعض من نشاطها، كما اوضح الدكتور نيكولاس تيلني في كتابه «زرع الاعضاء: من الخرافة الى الواقع». هذا غير العملية التي اجريت لهريك تعتبر اول عملية زرع اعضاء ناجحة لان الخبراء حددوا نجاح مثل عمليات زرع الاعضاء باستمرار العضو المزروع لمدة سنة.

وفي خلال الجهد المبذول لانجاح عمليات زرع الاعضاء، كان على جيل الرواد التغلب على الجماعات التي تعارض اجراء تجارب على الحيوانات، لتطوير تقنيات لاجراء عمليات زرع الاعضاء على البشر. كما ان الطبيعة الجذرية لازالة عضو سليم من متبرع دفعت فريق الدكتور موري الى السعي للحصول على التأييد القانوني من القيادات الدينية والاجتماعية. غير ان النقاد اتهموا الاطباء بالقيام بدور الرب (جل شأنه). ويتذكر الدكتور ستارزل كيف هاجمه المشاركون في لقاءات علمية هو وغيره من الجراحين.

* رفض الأعضاء

* وتجرى عمليات زرع الاعضاء بطريقة روتينية تقريبا في عديد من دول العالم. واوضح الدكتور جون فنغ رئيس الجراحة العامة في مستشفى كليفلاند «ان التوقعات دائما تشير الى اننا سنحصل على نتائج طيبة». والمشكلة الرئيسية التي تواجه المرضى والاطباء هي رفض الاعضاء. فبعد سنوات من الجراحة التي اجريت لهنريك، بدأ الاطباء في استخدام عقاقير طبية ضد رفض الاعضاء مثل ازاثيوبرين وبعدها سيكلورسورين.

وفي اوائل التسعينات لاحظ ستارزل وغيره من الجراحين ان بعض المرضى الذين لم يتناولوا الادوية بطريقة منتظمة او لم يتناولوها على الاطلاق تمكنوا من الاحتفاظ بالأعضاء الجديدة.

وقد علم ذلك الجراحون درسا مهما: كانوا يعطون المرضى الكثير من الادوية المضادة للمناعة بكميات كبيرة وفي بعض الاحيان في توقيتات غير صحيحة. وفي عام 1992 على سبيل المثال، اوقف الدكتور ستارزل اعطاء فيلبس الرجل الذي اجريت له عملية زرع كلية، الادوية المضادة لرفض الاعضاء الجديدة لانه يعتقد ان المريض يمكنه الحياة بدونها. وفي الوقت الراهن يعمل بعض الاطباء المتخصصين في عمليات زرع الاعضاء على تحديد ما اذا كان يمكن وقف اعطاء الاطباء ادوية مضادة للرفض بعدما يتوقف جهاز المناعة عن رفض العضو الجديد، وهو نوع من التسامح. غير ان الافتقار الى تجارب لتحديد من يمكنه وقف تلك العقاقير، تعني انها عملية تعتمد على المحاولة والخطأ، وهو ما يمكن ان يكون له اثرا مدمرا اذا ما رفض الجسم العضو الجديد.

وفي الوقت ذاته، يأمل الاطباء في جامعة لويزفيل واوترتشت في اجراء عملية زرع وجه في مشروع مشترك في هولندا. فقد استمر الفريقان في تطوير خبرتهما العلمية، بعد عقد مناقشات علمية وعلنية، كان اخرها في المجلة الاميركية للاخلاقيات البيولوجية. وقال الدكتور جون باركر الذي يشرف على ابحاث جراحة التجميل في مستشفى لويزفيل ان الفريق سيسلم بروتوكولا معدلا قريبا للحصول على موافقة مجلس التقييم في الجامعتين لاقراره.

وتدعو الخطة الى ازالة وجه جثة وتخيطه في وجه مريض تشوه وجهه من جروح او سرطان او عيب خلقي. غير ان المؤيدين يشيرون الى ان عمليات زرع الايادي، التي تشمل الجلد والعضلات والعظام والاوعية الدموية والغضاريف توضح امكانية اجراء مثل هذه العمليات بطريقة سليمة. وقالوا ان فوائد مثل هذه العمليات المعاناة التي يعاني منها الاف من الناس الذين يعانون من تشوهات خلقية.

* خدمة «نيويورك تايمز»