دراسات أميركية حول أفضل التمرينات الرياضية لحماية العضلات من الضمور

تنفذها «ناسا» على رواد الفضاء

TT

غالبية الماكينات لا تتحسن بكثرة الاستخدام، فقيادة الشاحنات الصغيرة بسرعة كبيرة، على سبيل المثال، لا تحولها تدريجيا الى سيارات «فيراري» السريعة، كما ان معالجة كم كبير من الارقام والبيانات لا تحول الآلة الحاسبة اليدوية الصغيرة الى كومبيوتر بمرور الزمن.

إلا ان جسم الانسان يختلف عن ذلك، فكما يدرك رافعو الاثقال تصبح العضلات اكثر قوة من خلال كثرة الاستخدام، فيما تصاب العضلات غير المستخدمة بالضعف والضمور. ان احساس خلايا العضلات بكيفية استخدامها، وإعادة تكييف نفسها لتأدية المهمة المطلوبة بصورة افضل، من الاشياء التي لم يتوصل العلماء الى معرفة كاملة بشأنها. إلا ان وكالة الطيران والفضاء الاميركية «ناسا» تريد ان تعرف الاجابات عن هذه الاسئلة، لأن رواد الفضاء يتمرنون بقوة كي يحتفظوا بلياقة بدنية جيدة، ولكن رغم ذلك تصاب عضلاتهم بالضعف.

* عمل العضلات

* يقول كينيث بولدوين، استاذ علم وظائف الاعضاء والفيزياء البيولوجية في جامعة كاليفورنيا، ان العضلات عادة ما تؤدي الكثير من العمل الذي لا يشعر به الشخص، مثل رفع جسمه والوقوف في وضع معين ضد قوة الجاذبية، إلا ان عمل العضلات المستمر هذا لا يحدث في الفضاء، مما يصيب العضلات بالخمول والضمور. ويعكف بولدوين حاليا على البحث في كيفية عمل العضلات والتوصل الى اجابات حول نجاح التمرينات الرياضية لحماية العضلات من الضمور بفعل محدودية الاستخدام خلال الرحلات الفضائية. وتبدي «ناسا» اهتماما خاصا بالتمرينات الإيسومترية Isometric Exercises(التمرينات المتقايسة تشتمل على مبدأ انقباض العضلات اثناء مجابهتها لمقاومة خارجية، من دون ان يؤثر ذلك على طول العضلة ـ انظر http://dictionary.reference.com). ولا تنفذ اثاء هذه التمرينات اي حركة، ومثالها تمرين يقوم فيه الرائد بالضغط بقوة على سطح ثابت. وتستخدم في هذا النوع من التمرينات معدات خفيفة الوزن وأقل عرضة للكسر خلال المهمات. وللتوصل الى اجابات استخدم بولدوين فئران مختبرات وقام بتنشيط عضلات الساق مستخدما الحفز الكهربائي غير المؤلم. وأجرى بولدوين اختبارات على ثلاثة انواع من التمرينات هي تقلص العضلات وانبساطها، والتمرينات التي لا تستخدم فيها حركة.

وعقب الجلسات، اجرى العلماء اختبارات لمعرفة رد الفعل على الفئران. واوضح بولدوين «الذي وجدناه هو انه بعد 12 جلسة، تبين ان كل انواع التدريبات الرياضية تؤدي الى نفس حجم نمو العضلات، حتى في التدريبات الإيسومترية التي لا تتطلب أي حركة. غير ان ذلك ليس بالامر الجديد. فقد توصل عدد اخر من العلماء الى نفس النتيجة. ولكن مجموعة بولدوين قامت بخطوة اخرى: فبالاضافة الى قياس الحجم الاجمالي للعضلات قاس افراد المجموعة ايضا حجم البروتينات الانقباضية في خلايا العضلات. والمعروف ان البروتينات الانقباضية هي ما يؤدي الى انقباض وانبساط العضلات. أي انها البروتينات التي تمنح العضلات القوة.

* تمرينات مدهشة

* ولدهشتهم وجد فريق بولدوين انه بالرغم من ان التمرينات الايسومترية التي لا تتطلب حركة تمنع عضلات القدم من الضمور، فإن التمرينات لم تؤد الى انخفاض في كمية البروتينات الانقباضية في تلك العضلات. وكانت العضلات تتدهور في واقع الحال على مستوى الجزيئات.

ولا يعرف احد لماذا يحدث ذلك، ولكن الامر الواضح هو: التدريبات الإيسومترية ربما تكون افضل وسيلة للحفاظ على عضلات رواد الفضاء. وينوي بولدوين اجراء المزيد من الابحاث بعد تجديد التمويل الذي يحصل عليه من «ناسا».

والاحتمال غير التقليدي لمنع ضمور عضلات رواد الفضاء هو تناولهم عقاقير طبية. غير ان الحبوب المضادة للضمور لاتزال في مرحلة التصور الان، كما اوضح بولدوين، غير ان هناك اسبابا للاعتقاد بأنها يمكن ان تتطور يوما ما، لانه عندما يبدأ الضمور لا تضمر العضلات بطريقة سلبية ـ ولكنها تدمر نفسها بطريقة ناشطة.

ان التحلل النشط لبروتينات العضلات مستمر طوال الوقت في عضلات جميع البشر، كما هو الامر بالنسبة لتجميع البروتينات الجديدة. وسواء نمت العضلات او انكمشت او ظلت على حالها، فإن الامر يعتمد على التوازن بين معدلات التدمير والتكوين، مثل مستوى المياه في حوض استحمام يمتلئ ويفرغ في نفس الوقت.

ويولي بولدوين اهتماما خاصا بآلية عملية البناء. وتركز مجموعته على هرمون يطلق عليه «عنصر النمو المماثل للانسولين ـ واحد». وتفرز العضلات هذا الهرمون نتيجة لتدريبات مرهقة، وينظم هذا الهرمون بدوره الانزيمات في خلايا العضلات التي تسبب نمو الخلايا. لقد وجد بولدوين ان مستوى هذا الهرمون في عضلات الفئران اعلى بعد التدريبات.

واوضح بولدوين ان بعض الناس يعتقدون ان الضغوط الميكانيكية هي التي تنشط الجين الخاص بعامل النمو هذا، ولكننا لا نعرف كيف تتم العملية. الامر الذي نعلمه الان ان هذا الهرمون ينشط نمو العضلات. ويتساءل هل يمكن استخدام اضافات من هذا الهرمون لضمان مسايرة عملية بناء العضلات، لعملية ضمورها بين رواد الفضاء؟ ويجيب ان مجموعته تدرس مثل هذه الفكرة وهي تبحث الوسائل التي يمكن ان يتم بها ذلك. واذا ما نجحت، فسيكون ذلك امرا جيدا ليس لرواد الفضاء فقط. ففي النهاية كلنا نملك مثل هذه الآلة المتكيفة التي يطلق عليها جسم الانسان.