يمكنك أن تنتج كل السلع منه لاسيما المنازل المتينة التي تتحمل أعتى الهزات الأرضية

الخيزران.. النبات العجيب ذو المرونة الكبيرة الذي لقب بـ«الذهب الأخضر»

TT

بنظرة من الطائرة الى الاسفل لتجتذب أنظارك سفوح جبال ميزورام في جنوب شرقي الهند، يعطيك الانطباع بأنك تحلق فوق محيط، مياهه خضراء، لكن مثل هذا الجمال مصيره الموت خلال السنوات المقبلة، والسبب هو كارثة لابد منها، أو بالاحرى ظاهرة طبيعية تعرف محليا باسم «ماوثام» عندما تتحول ملايين من الفدانات المغطاة بأشجار الخيزران الى زهور قبل أن تموت.

إن الدورة الحياتية للخيزران المحلي في الهند وشمال شرقها هو 50 سنة لا اكثر. لكن في عام 1959 عندما أزهر الخيزران آخر مرة في غاباته في ميزورام أدت كثرة بذوره التي أنتجها الى هجمة من الجرذان التي غطت جحافلها حقول الأرز التي ادت بدورها الى مجاعة كبيرة في المنطقة بعدما التهمت هذه الجحافل المحصول باكمله. وقد لقي 15 الف شخص حتفهم من الجوع نتيجة ذلك، خاصة مع غياب المساعدات الحكومية في دلهي مما شجع على قيام حركة انفصالية وأعمال شغب وعنف دامت 25 سنة كاملة.

لانقاذ ما يمكن إنقاذه الان حسب الإرشادات المقدمة من الحكومة هو المبادرة الى جني محاصيل الخيزران قبل أوانه. لكن ثمة مشكلات لوجيستية تعترض ذلك كنقل الخيزران مثلا واستخدامه مما حول هذه الغابات الى قنبلة موقوتة كما يقول المراقبون.

وفي هذا الصدد يقول أحد المسؤولين الحكوميين إن حجم الكارثة ستكون أشبه بزلزال أرضي أو فيضان كبير.

والسؤال الكبير الذي يتردد على كل لسان: ماذا ستفعل بملايين الفدانات من الاراضي المزروعة بالخيزران الذي سيموت قريبا؟ خاصة أنك تسمع قصصا كثيرة عن هذا النبات العجيب وما يمكنك أن تصنع به.

الخيزران في الواقع نبات خفيف الوزن يدوم ويخدم طويلا ويمكن تجديده بسهولة خلافا للخشب. كما يمكن حياكته أو طحنه الى عجينة لتحويلها بعد ذلك الى ألواح خشبية.

إن كثرة استخدامات هذا النبات ومنافعه بالنسبة الى أكثر مناطق العالم فقرا جعل رئيس الوزراء الهندي السابق أتال بيهاري فاجبايي يشير اليه على أنه «الذهب الاخضر». والارقام عادة تتحدث عن ذاتها، إذ ان شتلة واحدة من الخيزران بإمكانها إنتاج ما يوازي 16 كيلومترا من الاعمدة خلال دورتها الحياتية. ثم أن الاجناس السريعة النمو منها بإمكانها أن تنمو مترا واحدا في اليوم الواحد، أي ما يجعلك قادرا على مراقبة النمو بالعين المجردة. وهناك حوالي مليار من البشر في العالم يعيشون داخل نوع معين من الانشاءات المصنوعة من الخيزران، بما في ذلك 75 في المائة من سكان بنغلاديش.

وتقول الاحصاءات إن هناك أكثر من 1500 استخدام موثق للخيزران، كما تذكر بعض التقديرات أن القيمة الاقتصادية السنوية للاستهلاك الاجمالي للخيزران هو بحدود 10 مليارات دولار. وسيتضاعف هذا الرقم بحلول عام 2015 .

وكان المسؤولون الهنود، وبعضهم كرس حياته للخيزران وإستخداماته والحفاظ عليه، قد جمعوا أخيرا 100 مهندس معماري خرجوا بـ 150 تصميما لأثاث وفرش، بما في ذلك اسرة وكراس وطاولات وحتى تماثيل. لا بل يفكر البعض في إدخال الخيزران الملمع في جميع الاستخدامات حتى الآليات والسيارات مثلا نظرا الى متانته وليونته ومطاوعته.

في السيارات مثلا، قد يصلح الخيزران كمخمدات للصدمات وهياكل للقطع الموسيقية وصنارات لصيد السمك. المهم هناك 400 تصميم استخدم فيه الخيزران تختص كلها بأشياء محلية هندية.

ولعل من اهم الاستخدامات المستقبلية للخيزران التي جربت أخيرا هو في مركز أبحاث الزلازل والهزات الارضية في بنغالور المجهز بأحدث الاجهزة المتخصصة، فضلا عن جهاز محاكاة للزلازل مع منصة خيزرانية تعمل بالكومبيوتر مركبة على منصة هيدرولية ماصة للصدمات.

* بيت مشيد من الخيزران

* ولعل قمة استخدامات الخيزران هو المنزل النموذجي الذي جرى تشييده برمته من هذا النبات المتين، إذ جرى دعم الجدران الاسمنتية بدعائم من الخيزران، كما أن السقف الخيزراني المطلي بالراتنج جرى تعريضه على سبيل التجربة الى هزات أرضية صناعية خمس مرات متعاقبة دامت كل واحدة منها 30 ثانية وكانت بقوة 7.8 حسب مقياس ريختر.

وفي هذا الصدد يقول بول فوليت من جمعية ابحاث وتطوير الاخشاب «ترادا» التي مقرها بريطانيا التي ساعدت على هذه الاختبارات بتمويل من الحكومة البريطانية: «لقد عرضنا المنزل الى أعلى مستويات الهزات الشديدة التي قد تضرب مناطق أخرى في العالم من دون أن يصاب حتى الطلاء بأي تصدعات»، إذ ترمي «ترادا» من هذه التجارب تصميم منزل أمين دائم بأسعار مناسبة ليكون في خدمة أقطار العالم النامي.

وإستنادا الى فوليت فإن الغرض من هذه التقنية التي أساسها الخيزران هو لتشييد المنازل في حالات الطوارئ والكوارث في أي مكان من العالم، إذ يمكن تشييدها بسرعة من قطع جاهزة مقدما خلال ثلاثة أسابيع على أبعد تقدير لتدوم 50 سنة من دون أي مشكلة.

إن القدم المربعة من هذه المنازل لا تكلف سوى 5 دولارات، أي نصف الانشاءات العادية التي تستخدم الآجر والخرسانة، كما أن الانتاج التجاري من شأنه تخفيض الكلفة أكثر.

ويرى فوليت إمكانية إنتاج العديد من الاشياء المفيدة من الخيزران، وليس البيوت والمنازل فحسب من شأنه تأمين نوع من مصدر العيش المستمر لمتعاطي هذه المهنة. فهو، أي فوليت، يحلم بنوع من الاقتصاد الاجتماعي المتمحور حول هذا النبات العجيب.

إن الحكومة الهندية في محاولة منها للترويج لحصاد الخيزران قبل أن يزهر ويذوي قد شطبت جميع الرسوم المفروضة على تصديره حتى عام 2007. كما أطلقت مبادرة لاستثمار 500 مليون دولار لتطوير هذه الزراعة خلال العقد المقبل بهدف إيجاد 8 ملايين وظيفة جديدة.

وبالرغم من طموح هذه المبادرات، فإن مسألة تفادي الكوارث الناجمة عن عملية التزهير تبدو ضعيفة فيب العامين المقبيلن على الارجح. لكن من يدري ماذا يحصل بعد 50 سنة من الآن، عندما يحين موعد التزهير التالي؟ فقد يعثر العلم على وسيلة جديدة لتفادي هذه الكارثة الطبيعية.