أحداث عام 2004: اكتشاف آثار مياه على المريخ وتدشين عصر السياحة الفضائية ونجاحات في أبحاث الجينوم واستنساخ الأجنة

لندن: أسامة نعمان

TT

حفل العام 2004 بانجازات علمية وتكنولوجية كبرى لعل ابرزها، اكتشاف آثار للمياه على سطح المريخ وفقا لعدد من العلماء، أو حدث آخر هو استنساخ قام به باحثان في كوريا الجنوبية لجنين بشري بهدف الاستفادة من الخلايا الجذعية له في اغراض علاجية وفق عدد آخر.

ومثل دخول القطاع الخاص عصر السياحة الفضائية، وتمكن العلماء من احراز تقدم كبير في دراسات الاطلس الو راثي للانسان والاحياء الاخرى قفزة جديدة في ميداني تكنولوجيا الفضاء والبيولوجيا. ونجح العلماء في صنع مخ حي من آلاف من الخلايا العصبية تمكن في المختبر من قيادة طائرة حربية! كما نجحوا في استنساخ عدد آخر من الحيوانات، وسوقت لأول مرة قطة مستنسخة في الولايات المتحدة، واكتشفوا نوعا من الانسان القديم اصغر حجما من سلالة الانسان الحالي. كما حفل العام بابتكارات وتطويرات تكنولوجية وافكار ابداعية تدفع البشرية نحو عالم مزدهر.

* مياه على المريخ

* من اهم احداث هذا العام نجاح مهمة العربتين الفضائيتين «سبيريت» و «أبورتيونيتي» اللتين اطلقتهما وكالة الطيران والفضاء الاميركية «ناسا» لدراسة المريخ. وقد اكتشفت كل منهما على انفراد آثار مياه سابقة على الكوكب الاحمر. واعتبرت مهمة «ناسا» المريخية من انجح المهمات، خصوصا ان العربتين ما تزالان تعملان رغم انهما خصصتا للعمل لفترة محدودة لا تتعدى ثلاثة اشهر من أعمال الاستكشاف. كما رصدت سفينة «مارس اكسبريس» الاوروبية التي ارسلت للدوران حول المريخ، آثارا للمياه عليه.

وفي احدث تقرير عن المهمة ذكرت «ناسا» منتصف الشهر الحالي ان عربة «سبيريت» عثرت على مؤشر جديد على وجود للمياه على سطح المريخ في الماضي. وكانت «اوبورتيونيتي» اول من كشف قبل عدة اشهر وجود مياه مالحة سابقا في الكوكب الاحمر. واطلقت «سبيريت» في الثالث من يناير (كانون الثاني) ثم اطلقت «ابورتونيتي» بعدها بثلاثة اسابيع.

واكتشفت «اوبورتيونيتي» في وقت سابق من شهر مارس(آذار) دليلا جيولوجيا على أن الموقع الذي هبطت فيه على سطح المريخ المستوي، كان مغطى بالمياه. ثم اعلن العلماء بعد ذلك بقليل ان «سبيريت» عثرت على علامات بأن كميات قليلة من المياه كانت توجد في قاع أخدود غوسيف الذي هبطت فيه وتبلغ مساحته قرابة 12 ألف كيلومتر مربع.

* «سبيس شيب وان»

* اعتبر الكثير من الخبراء نجاح مركبة «سبيس شيب وان» الصاروخية الخاصة في اقتحام الفضاء القريب من الارض، وتنفيذها لرحلتين متتاليتين خلال اقل من اسبوع، بداية لعصر السياحة الفضائية الخاصة على متن مركبات مكوكية. وفازت المركبة بجائزة «إكس أنساري» بقيمة 10 ملايين دولار المخصصة بعد وصولها الى حافة الفضاء على ارتفاع 100 كلم عن سطح الارض مقلة قائدا لها وحمولة بديلة عن راكبين اثنين. وانطلقت الرحلتان الاخيرتان في 29 سبتمبر(أيلول) الماضي ثم في 4 اكتوبر (تشرين الاول). وكانت المركبة قد انطلقت في اول رحلة تجريبية لها في يونيو (حزيران) الماضي.

ويتنافس العديد من الشركات حول العالم لدخول ميدان السياحة الفضائية. واعلن بيرت روتان مصمم المركبة انه يود تركيز جهوده على اطلاقها في رحلات اخرى، بهدف وضع تصميم افضل لوسائط الطيران السياحي الفضائي. ويستعد فريقه لتصميم مركبة ثانية تحمل اسم «سبيس شيب تو» تتسع لخمسة مقاعد يؤمل انطلاقها في اول تحليق لها عام 2007، وذلك لصالح شركة «فيرجن غاليكتك» المنبثقة عن شركة خطوط الطيران «فيرجن اتلانتك» التي يملكها المليونير البريطاني ريتشارد برانسون.

وسوف تباع تذاكر السفرة الفضائية بثمن 190 الف دولار، وسيهبط بسرعة مع انطلاق الرحلات. الا ان اهم المشاكل التي ستواجه مركبات السياحة الفضائية هي مشاكل تأمين سلامة الركاب فيها، خصوصا بعد ان أكدت إدارة الطيران الفيدرالية الاميركية انها لن تتهاون في تنفيذ قواعد السلامة قبل السماح بمثل هذه الرحلات السياحية.

* أبحاث الجينوم

* نجح العلماء في عام 2004 من تطوير معارفهم في ميدان الجينوم (الاطلس الوراثي) البشري، اذ عدل العلماء عن تصوراتهم السابقة باعتبار مادة جينية تشكل حيزا كبيرا من الحامض النووي «زائدة» لانها لا تحمل رموزا مرتبطة بالبروتينات، وظهر انها مادة ثمينة ايضا! كما اتموا هذا العام وضع او البدء بوضع اطالس وراثية لأحياء جديدة. لعل ابرز النجاحات يتمثل في اكتشاف مفاده ان الأعراق البشرية تتشارك بـ 99.9 في المائة من جيناتها، وان الاختلاف بينها لا يتعدى لذلك نسبة واحد من الألف. والأدهى من ذلك ان الاختلاف بين الجينات داخل أفراد كل من الاعراق قد يكون اكبر من الاختلاف بينها من عرق لآخر.

وتدحض دراسة الجينوم البشري هذه، التي نشرها علماء اميركيون نهاية اكتوبر (تشرين الاول) الماضي، نظريات التفوق العرقي. وقوضت الدراسة علاقة الجينات البشرية بالعرق واللون، أهم الدعائم التي يستند اليها دعاة التفوق والتمييز العرقيين، الذين يربطون بين الذكاء والأعراق البشرية، كما دحضت كل الافتراضات الشائعة عن علاقة لون بشرة الانسان بالخصائص البدنية او الفكرية له. وجاء الكشف عن الرموز الجينية للدجاج بداية هذا الشهر ديسمبر (كانون الاول) ليمثل نجاحا علميا جديدا في فهم التسلسل الجيني للأحياء والانسان، وفهم طبيعة انتقال الأمراض من الطيور إلى الإنسان مثل أنفلونزا الطيور. وقال الباحثون الاميركيون ان الدجاج هو أول طائر تكشف أسراره الوراثية. وأجريت الدراسة على دجاجة تنحدر من سلالة الدجاج البري الأحمر، وهي سلالة الدجاج التي ظهرت لأول مرة منذ عدة آلاف من السنين. وبينما عثر لدى اللبائن، ومن بينها البشر، على نحو ثلاثة مليارات زوج من الصفات الوراثية الملتصقة بشريط الحامض النووي «دي ان ايه» لم يعثر في الدجاجة الا على نحو مليار زوج. واشارت الدراسات إلى أن البشر والدجاج يشتركون في 2.5 في المائة فقط من الصفات الوراثية. وهذا الاكتشاف على درجة كبيرة من الأهمية، فهذا الجزء الصغير المشترك يحتوي جينات ظلت عاملا على مدى 310 ملايين سنة، عندما كان البشر والطيور مشتركين في أصل واحد. وفي هذه النسبة توجد جينات مسؤولة عن الأمراض التي تنتقل من الطيور إلى البشر، وهو ما يعني أن الكشف عن جينوم الدجاج سيسهل التركيز على مساحة محددة من الجينوم البشري للتعامل مع هذه الأمراض.

وفي سعيهم الدؤوب للتعرف على اسرار الجينوم البشري اعلن معهد ابحاث الجينوم (الأطلس الوراثي) البشري القومي الاميركي في اغسطس (آب) الماضي، عن عزمه على دراسة التسلسل الجيني لـ18 نوعا حيا دفعة واحدة! وقال باحثو المعهد ان دراسة الفيل والقط والأرنب والقنفذ اضافة الى الحلزونات والديدان من مختلف بقاع العالم، ستتيح لهم التعرف على الجينوم البشري نفسه، وعلى مجمل تطور شجرة الحياة على الارض. وكان العلماء يلجأون حتى الآن الى دراسة نوع او آخر من الأحياء.

ويأمل الباحثون في خمسة مراكز علمية تعمل ضمن شبكة ابحاث التسلسل الجيني، في التوصل الى الأطالس الوراثية للقائمة الجديدة من الاحياء في غضون عام واحد. وسوف تصطف هذه الحيوانات في طابور طويل من الأحياء الاخرى التي تدرس جيناتها مثل البقر والكنغر والذباب.

* الاستنساخ

* يعتبر عدد من علماء الاحياء ان استنساخ جنين بشري على يد مجموعة من الباحثين في كوريا الجنوبية اهم انجاز علمي عام 2004. وكان الباحثون قد اعلنوا في فبراير (شباط) انهم استنسخوا الجنين بهدف تعزيز الآمال في الحصول على خلايا جذعية منه لاستخدامها ذات يوم في أغراض علاجية لعلاج امراض مثل السكري او الزهايمر.

واستخلص فريق يقوده وو سوك هوانج من الجامعة الوطنية في سيول المادة الوراثية من خلية طبيعية في امرأة وأضافها الى إحدى بويضاتها. ثم نُمِّي الجنين للحصول على خلايا جذعية غير متخصصة يمكنها أن تتطور إلى أي من أنواع الأنسجة الموجودة في الجسم. ويظل الاستنساخ موضع جدال وشد وجذب. وقد رفضت الامم المتحدة في نوفمبر (تشرين الثاني) مطالبة الولايات المتحدة بفرض حظر على جميع انواع استنساخ أجنة بشرية، بما في ذلك تلك التي تجرى في اطار ابحاث الخلايا الجذعية. الا ان المنظمة الدولية اتخذت قرارا وسطا يقضي بإصدار اعلان يدعو الدول الى اقرار قوانين «لحظر اية محاولات لخلق حياة بشرية من خلال عمليات الاستنساخ واية ابحاث تهدف الى تحقيق هذا الهدف».

ومن انباء الاستنساخ هذا العام، اعلان علماء في الولايات المتحدة في مايو (ايار)عن ميلاد أول بغل مستنسخ في العالم اسمه «إيداهاو جيم». كما اعلنت شركة «جينيتك سيفنغ أند كلون» التي استنسخت نهاية عام 2001 اول قطة في العالم هي القطة «سي سي كوبيكات» انها تمكنت من استيلاد قطتين شبيهتين بأمهما في يونيو (حزيران). واطلق على القطتين اسما «تبولة» و«بابا غنوج» تيمنا باسم امهما او اختهما النمرة البنغالية الصغيرة «طحينة». وتنتمي «طحينة» الى سلالة بنغالية جديدة ظهرت في القرن العشرين بعد تزاوج قطط صغيرة تنحدر من سلالات النمور الآسيوية مع قطط أليفة. وتهدف الشركة الى ترويج اعمالها بين اصحاب الحيوانات الاليفة لاستنساخ حيواناتهم المحبوبة!