76 مليون حالة مرضية في أميركا سنويا بسبب التسمم الغذائي

جراثيم جديدة تسبب الروماتيزم وأمراض المناعة الذاتية والاختلال العقلي والتهاب السحايا إضافة إلى الأمراض المعوية

TT

يتمتع الأميركيون بأكبر مصادر الطعام وأكثرها تنوعا وسلامة في العالم. ولكن هذه التشكيلة وهذه الوفرة، بالإضافة الى تغير طرق إنتاج الطعام، وعادات الأكل، وأعمار الناس، والصحة العامة، والكائنات التي تنتقل نفسها عبر الطعام، ادت الى حدوث عدد من حالات تسمم الطعام الخطيرة والمميتة أحيانا خلال السنوات الماضية. ولا يمكن القول ان حالات تسمم الطعام آخذة بالتزايد لأن معظم الحالات لم تبلغ للسلطات الرسمية. ولكن بينما كانت السلمونيلا تعتبر السبب الرئيسي لحالات التسمم، ظهر عدد من الكائنات الجديدة المسببة للامراض خلال العقدين الماضيين. ويقول الخبراء ان احتمال انتشار الامراض بشكل واسع النطاق قد ازداد، اذ انتشر مرض على بعد 3000 ميل من مصدر لخضروات ملوثة في كاليفورنيا. تسمم الطعام ويصعب الحصول على إحصاءات دقيقة حول حالات تسمم الطعام لأن معظم المصابين لا يتوجهون لطلب المعالجة الطبية. ولو حدث انهم طلبوا العلاج، لا تجرى الفحوص المخبرية، ولو تمت هذه الفحوص فنادرا ما تبلغ النتائج لسلطات الصحة العامة. وحتى عند موت المصابين لا يعرف السبب أن كان تسمما في الطعام إلا في حوالي ثلث الحالات. ووفقا لدراسة أجراها مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، يتم التبليغ عن أقل من 5% من الأمراض الناتجة عن الطعام للسلطات. ووفقا للدراسة يقدر المركز أن الأمراض الناتجة عن الطعام سببت حوالي 76 مليون حادثة مرض و323914 حالة إدخال للمستشفى و5194 حالة وفاة كل سنة في أميركا. ومن الأكثر عرضة الصغار والكبار بالسن والنساء الحوامل وهؤلاء بأنظمة مناعية ضعيفة نتيجة لمرض ما أو علاجه. وحسب معلومات المركز فان حوالي ثلث حالات الأمراض المعوية سواء مع إسهال أو بدونه، نتجت عن كائنات موجودة بالطعام. وتم تصنيف الحالات الأخرى على أنها انفلونزا معوية، تنتقل من شخص لآخر، وليس من خلال الطعام بالرغم من أن سببها هو نفس الكائنات. ووفقا للدكتور روبرت توكس مدير قسم الأمراض الناتجة عن الطعام والإسهال في المركز، تم خلال السنوات العشرين الماضية التعرف على أكثر من 12 مسببا للأمراض تمثل خطرا صحيا جسيما بما فيها «اي. كولاي أو:157إتش7» H:Ecoli الذي يلوث اللحوم والخضار والليستريا Listeriamonocytogenes وهو كائن يمكنه أن يقتل البالغين ويسبب الإجهاض لدى الأمهات. ويمكنه تلويث الحليب والجبن الطري واللحوم الجاهزة للأكل، وينمو حتى في الثلاجات. ويقول الدكتور توكس: «كانت السلمونيلا السبب الرئيسي في الأمراض الناتجة عن الطعام ولكنها أصبح طرفا صغيرا. ففي العقدين الماضيين تم التعرف على عدد متزايد من مسببات الأمراض التي تنتقل عبر الطعام. ونتنبأ انه سيظهر المزيد منها في المستقبل، وعلينا أن نتوقع المزيد من المفاجآت». وبلغ بعض مختصي الصحة العامة في إصدار شهر أغسطس (آب) 1999 من مجلة دراسات الطب العليا أن بعض الكائنات الجديدة سببت أكثر من مجرد الأمراض المعوية أو التقيؤ أو الإسهال. فقد أدت لمرض الروماتيزم وأمراض المناعة الذاتية، والاختلال العقلي والتهاب السحايا والعدوى الدموية. وقال المختصون إن هذه المسببات الجديدة تمثل مشكلة جديدة، فعلى سبيل المثال أدت الزيادة في تناول الدجاج في أميركا إلى زيادة في التهاب Campylobacterjejuni الذي فاق حالات السلمونيلا كسبب رئيسي شائع للمرض البكتيري المتنقل في الطعام. وما يزيد من تعقيد المشكلة هو نمو أشكال مقاومة للمضادات الحيوية من Campylobacter نتيجة للاستخدام الشائع للمضادات الحيوية في مزارع الدجاج. وبين استبيان لمنتجات الدجاج أن مقاومة المضادات الحيوية ظهرت في 20% من المنتجات. أمراض جديدة ويقول الخبراء ان هناك عددا من العوامل التي أدت للارتفاع في شدة الأمراض الناتجة عن الطعام والتي يقولون انها خطر أكبر على صحة الأميركيين من ترسبات مبيدات الحشرات أو الملوثات البيئية. ووفقا لتقرير نشر في الصيف الماضي في مجلة «بيشنت كير» المختصة بالعناية بالمرضى، أدت الزيادة في استهلاك الفاكهة والخضار الطازجة إلى تعرض أكثر لأمراض مثل مرض التهاب الكبد الوبائي «ايه» والسلمونيلا ومرض shegellosis من المصادر الملوثة. ويقول الدكتور ويليام شافنر وهو مختص بالأمراض المعدية في كلية الطب في جامعة فاندربلت: «لقد ازدادت الأمراض الناتجة عن الطعام خلال السنوات الماضية نتيجة لعولمة مصادر الطعام. ونظرا للكميات الضخمة من الطعام التي نستوردها فليس علينا أن نذهب للمكسيك لنتعرض لمرض مكسيكي». وفي العقد الماضي وقعت حوادث تسمم الطعام بسبب الأطعمة المستوردة ومنها التوت من غواتيمالا والجزر من بيرو والمانجو من أميركا الجنوبية والفراولة والقفلوط والشمام من المكسيك ولبن جوز هند من تايلند والفطر المعلب من الصين ووجبة خفيفة من إسرائيل والفصفصة من عدة دول. ونتج أكبر وأشد انتشار لتسمم الطعام نتيجة مخالفات لتعليمات سلامة الطعام داخل أميركا. فعلى سبيل المثال في منتصف التسعينات نتج انتشار للسلمونيلا الذي أصاب حوالي 224000 شخص من مصدر واحد، وهو كمية من البوظة التي تلوثت بالسلمونيلا عندما نقل خليط البوظة في حاويات استخدمت لنقل بياض البيض غير المبستر. وقدر مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها أن مرض ئي. كولاي أو:157إتش7 والذي لم يعرف من قبل كمسبب لتسمم الطعام يصيب حوالي 20000 أميركي بالسنة ويقتل حوالي .500 وبالإضافة للخس المغلف واللحم المفروم وعصير التفاح غير المبستر فتم إيجاد الكائن في نبات الفصفصة ولحم الغزال المقدد. وبرغم هذا نجا الأميركيون من مرض جنون البقر المنتشر في أوروبا وهو مرض عصبي مميت ينتقل عبر اللحم الملوث.

وزاد التغير في عادات الأكل من مجال التعرض للأمراض الناتجة عن الطعام بحيث يمكن لعدد كبير من الناس أن يمرضوا من زلة واحدة في نوعية وسلامة الطعام ونظافته. ويقول الدكتور توكس: «يزداد عدد الناس الذين يتناولون الطعام خارج المنزل». فالمطاعم والمقاهي أصبحت المصدر الرئيسي للطعام. بالإضافة لذلك فقد أصبح الكثير من البقالات توفر السلطات الجاهزة التي لا تحتاج للطهي أو التسخين. وقد يؤدي عدم معالجة هذه الأطعمة بشكل صحيح إلى مرض مئات الزبائن. ويذكر التقرير في مجلة دراسة الطب العليا عاملا هاما آخر وهو النمو في أعداد فئات السكان التي يمكن تعرضها بشكل كبير للمخاطر، مثل الكبار بالسن، والمصابين بأمراض مزمنة، وخاصة اولئك الذين ضعف جهازهم المناعي نتيجة للعلاج بالكيمائيات أو الإشعاع او اصابتهم بفيروس فقدان المناعة الإنسانية. فهؤلاء عرضة أكبر للتأثر بشكل خطير أو مميت نتيجة للإصابة بمرض ناتج عن الطعام.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» =