اليورانيوم الناضب وعوامل كيميائية سامة تساهم في حدوث السرطان في البلقان والعراق

غبار اليورانيوم المستنشق يمكن أن يستقر داخل الرئتين لمدة عام ومحلوله يسمم الكليتين بعد ترسبه فيهما

TT

ازداد اهتمام الباحثين البريطانيين بالآثار الضارة المترتبة على استخدام قوات حلف الاطلسي لقذائف اليورانيوم في كوسوفو ويوغوسلافيا، وبدأوا يسلطون الضوء على اخطار اليورانيوم الناضب في العراق والكويت بعد ان لزموا الصمت حوله اعواما.

وتناول الدكتور دوغلاس هولدستوك في مقال نشر في العدد الاخير من دورية «ساينس بابلك افيرز» الفصلية التي تصدرها الجمعية البريطانية لتقدم العلوم، حلل فيها مخاطر اليورانيوم الناضب، والاعراض المترتبة عنه، وعن مختلف العوامل الكيميائية التي تعرض لها الافراد المحاربون والمدنيون في الخليج ويوغوسلافيا. ويشارك هولدستوك في عضوية مجموعة «ميدكات حول المخاطر النووية» ويحرر مجلة «الطب، النزاعات، النجاح».

يشير الباحث الى انه وبعد انتهاء حرب الحلفاء ضد العراق، ظهرت اعراض مرض سمي «مرض حرب الخليج» اصيب به محاربو القوات الاميركية والبريطانية والكندية، وفي نفس الوقت ازدادت حالات الاصابة بامراض السرطان في العراق، كما ازداد عدد الولادات المشوهة. وحدث ذلك مع الاعلان عن استخدام الحلفاء الغربيين لاول مرة لقذائف صنعت باليورانيوم الناضب.

غبار اليورانيوم وكانت تقارير قد اشارت الى ان 300 طن من اليورانيوم الناضب، وهو مادة سامة قاتلة، استخدمت في حرب الخليج، مقابل 11 طنا منه في يوغوسلافيا. ويستخدم اليورانيوم الناضب، وهو مادة ثقيلة، وعالية الكثافة، في القذائف المضادة للدبابات (بزنة 4 الى 5 كيلوغرامات للقذائف التي تطلق من الدبابات وزنة 0.3 كيلوغرام للقذائف التي تطلقها الطائرات).

ويحترق اليورانيوم الناضب فور اختراقه للدروع، ويتحول الى غبار دقيق جدا من اوكسيد اليورانيوم. وتحترق نسبة 20 في المائة منه، وهذا يعني ان القذيفة الكبيرة تخلف حوالي كيلوغرام من غبار اوكسيد اليورانيوم. ومثله مثل اي مادة مشعة فان غبار اليورانيوم الناضب له اخطار، تتمثل في الاضرار بالحامض النووي «دي ان ايه» مما يؤدي الى الاصابة بالسرطان. اما تأثيره الكيميائي فيتمثل في الحاقه الضرر بالكليتين بشكل رئيسي.

ويصبح اليورانيوم ساما من الناحية الكيميائية، لدى امتصاص الجسم له على شكل محلول. وعندما يحدث ذلك فان جزءا واحدا من كل ثمانية اجزاء من اليورانيوم يستقر ويترسب في الكليتين. ويعتبر ترسب مليغرام واحد من اليورانيوم داخل الكليتين حالة تسمم معتبرة. وان افترضنا ان ثلث الغبارالنووي المستنشق يتحول الى محلول فان الانسان يتعرض الى مثل هذا التسمم الكيميائي، ان استنشق وابتلع 50 مليغراما من الغبار القاتل، الذي يدخل نحو الامعاء ليتحول الى محلول. ولا يمكن ان يتعرض احد لمثل هذه الحالة الا افراد طواقم الانقاذ العاملين داخل الدبابات المحترقة بقذائف اليورانيوم. وتتحدد مناطق اشعاع اليورانيوم الناضب بمواقع غباره والشظايا المتخلفة عن قذائفه. ووفقا لدراسة نشرها الباحثان فرانك فون هبل وستيف فيتر في «بولتن اوف آتوميك ساينتست» وهي دورية لعلماء الذرة، فان هواة جمع التذكارات سيتعرضون للاشعاعات ان عثروا على شظية من قذيفة يورانيوم ناضب ووضعوها في جيب سترتهم، الا انهم لن يتعرضوا للاصابة بسرطان في الجلد بسببها. وتزداد معدلات الاشعاع بنسبة 10 في المائة عن معدلات الاشعاع الطبيعي للارض، في المناطق المحيطة بمدرعة احترقت بقذائف اليورانيوم. وللمقارنة فان سائق دبابة محملة بذخيرة من اليورانيوم الناضب، يقضي 40 ساعة في الاسبوع داخل الدبابة، يتعرض الى ضعف معدل الاشعاع الطبيعي.

استنشاق نووي ويشير هولدستوك الى ان استنشاق الغبار النووي يمثل الخطر الاكبر. ووفقا لخبراء اللجنة الدولية للحماية من الاشعاع فان 15 في المائة من الغبار المستنشق يمكن ان يستقر داخل الرئتين والانسجة اللمفاوية لمدة عام او اكثر. ويؤدي استنشاق مليغرام واحد من اليورانيوم الناضب الى حدوث خطر اضافي لاصابة شخص من كل 20 الف من السكان بالسرطان.

لكن هذه التقديرات الطبية تبدو ضئيلة الاهمية امام الابحاث الجديدة التي تشير الى ان جسيمات الفا المنطلقة من اليورانيوم الناضب تسبب اضرارا كبيرة للخلايا التي لا تزال في دور التكاثر، اضافة الى اضرار للخلايا المجاورة التي لم تتعرض لهذه الجسيمات. وقد يلعب هذا دوره في ازدياد حالات سرطان الرئة والغدد اللمفاوية واللوكيميا بمعدلات اعلى من معدلاتها.

والمثير حقا للاهتمام ان حالات السرطان واللوكيميا ظهرت لدى افراد قوات حفظ السلام في البلقان بشكل سريع جدا بالمقارنة بما حدث لسكان هيروشيما الذين لم تظهر لديهم حالات اللوكيميا الا بعد سنوات من ضرب مدينتهم بالقنبلة الذرية. ولذلك يبدو ان عوامل اخرى تساعد على حدوث هذه الحالات المرضية.

عوامل الإصابات في مرض حرب الخليج يبدو ان الاصابة تتحدد بعوامل اخرى تتداخل مع استنشاق غبار اليورانيوم. فقد تعرض محاربو الحلفاء الى عوامل متعددة منها تطعيمهم بحقن اللقاحات، واستخدامهم المبيدات الكيميائية للتطهير. اما العراقيون فقد تعرضوا الى انواع المركبات الناجمة عن استخدام الاسلحة الكيماوية في حرب الخليج الاولى بين العراق وايران. كما تمثل الابخرة والمواد التي انتشرت اعقاب قصف الحلفاء لمخزونات الذخيرة العراقية خطرا اضافيا. اما في يوغوسلافيا، فان منشآت الصناعة الكيميائية هوجمت ايضا مما ادى الى انتشار مواد مسببة للسرطان. وتؤثر هذه العوامل وتتداخل مع تأثير اليورانيوم الناضب مؤدية الى اصابات سريعة بامراض قاتلة.

ويخلص الباحث البريطاني الى ضرورة تحريم استخدام اليورانيوم الناضب في الاسلحة لان اي «نظام لم يتم التأكد من سلامته ينبغي ان يقيد بحدود صارمة». ومع التأثير الضار البعيد المدى على صحة المدنيين فان قذائف اليورانيوم الناضب قد تصبح محرمة في اطار القوانين الدولية.

(اطار1) مخلفات نووية لصناعة قذائف خارقة مضادة للدروع يستخدم اليورانيوم الناضب لصنع قذائف مضادة للدروع تخترقها بفاعلية اشد بالمقارنة مع القذائف التقليدية. ويوظف لذلك اليورانيوم المتخلف من الصناعات النووية العسكرية والمدنية. يحتوي اليورانيوم الطبيعي على عدة نظائر، وهي اشكال مختلفة لنفس العنصر. وهو يتكون من 99.3 في المائة من اليورانيوم 238، و0.7 في المائة من اليورانيوم 235، و0.006 في المائة من اليورانيوم. 234 وقد استخدم اليورانيوم المخصب بنظير اليورانيوم 235 (وهو شديد الاشعاع) في صناعة الاسلحة النووية الاولى. ويستخدم في المفاعلات النووية لانتاج الطاقة.

اما اليورانيوم الناضب فانه يورانيوم استخلص منه بعض اليورانيوم 235 بهدف انتاج اليورانيوم المخصب. كما تتخلف كميات كبيرة من اليورانيوم الناضب من صناعات الاسلحة النووية، ومن الصناعات النووية المدنية. ويعتبر اليورانيوم الناضب من المخلفات النووية وهو يحتوي على 99.8 في المائة من اليورانيوم. 238 واستخدم في صناعة دروع الحماية من مصادر الاشعاع النووي، وفي تغليف اجهزة العلاج الطبي بالاشعاع. وكذلك في وضع اثقال موازنة في الطائرات المدنية، ومنها اولى تصاميم طائرات الجامبو. وتخضع استخداماته الصناعية الى قيود مشددة. (اطار 2) اليورانيوم الناضب والاسباب المحتملة لمرض حرب الخليج فيما عدا اليورانيوم الناضب يوجد العديد من الاسباب التي تؤدي الى الاصابة بمرض حرب الخليج الذي وقع ضحيته جنود اميركييون وبريطانيون.

ـ التوتر الناجم عن المشاركة في الحرب، اللقاحات: الخوف من احتمال التعرض للاسلحة الكيميائية والبيولوجية الذي يظهر على شكل اعراض عصبية او امراض بدنية تستند الى اسس نفسية. يضاف الى ذلك احتمال تأثير تركيبة اللقاحات ضد الامراض الاستوائية والسلاح البيولوجي التي حقن بها الجنود على اجسامهم. واخيرا الاختلال في جهاز مناعة الجسم.

ـ ادخنة سامة: انطلقت من آبار النفط المحترقة، تسبب امراضا في الجهاز التنفسي وفي المثانة، وقد تؤدي لاحقا الى الاصابة بالسرطان.

ـ مبيدات الحشرات: تحتوي على الفوسفات العضوية، استخدمت لتطهير الخيم، تؤدي الى امراض عصبية.

اسلحة كيميائية: انطلقت من مخازن ذخيرة عراقية. تؤدي الى امراض عصبية وسرطانات لاحقة وعيوب في المواليد الجدد.