معهد أمريكي يصطاد الأفكار الثورية لغزو الفضاء واستعماره في المستقبل البعيد

مصاعد فضائية وطائرات شراعية تحلق في الكواكب

TT

عندما يغني توني بينت عن العربات الكابلية التي تمتطي النجوم فإنه يقصد سان فرانسيسكو في ليلة صافية السماء، ولكن عندما يتحدث جيرومي بيرسون عن الكوابل والمركبات والنجوم فإنه يتحدث فعلا عن هذه الاشياء وكيفية غزو الفضاء.

وبيرسون هذا من أشد المتحمسين لمبدأ «المصاعد الفضائية»، اي وضع قمر صناعي في مدار ثابت حول الارض ليبقى في مكانه دائما مع دورة الارض، ومن ثم ربطه بكابل الى سطح الارض لتنطلق عليه عربات مليئة برواد الفضاء مع أدواتهم ومؤونتهم الكاملة. قد يبدو الأمر ضربا من الجنون، لكن معهد الوكالة الاميركية للفضاء والطيران «ناسا» للافكار المتطورة كافأ بيرسون بهبة قدرها 75 ألف دولار للتصميم الذي وضعه للمصعد الفضائي القمري الذي كان واحدا من 12 مشروعا يرمي الى ترجمة الخيال العلمي والنظريات المختلفة الموضوعة الى حقيقة واقعة خلال العشر الى الـ40 سنة المقبلة. وكانت الفكرة من كل ذلك «لا تدعوا حقائق اليوم تقف حجر عثرة في وجه النظريات الصالحة».

وفي هذا الصدد يقول رون تيرنر المستشار الاقدم في المعهد المذكور إن «بعض الاشخاص يملكون أفكارا جيدة ولا يدركون أن وكالة «ناسا» مهتمة بها، لذلك نرغب في الوصول الى الجالية العلمية لكي نغذي مثل هذه الافكار الثورية».

وإضافة الى المصعد الفضائي فإن مكافآت 2004 تضم مشاريع مثل تغيير تركيب النباتات على الصعيد الوراثي لكي تستطيع العيش على سطح المريخ مثلا, أو استخدام اشعة الشمس لتأمين الطاقة اللازمة لاجهزة الليزر المركبة في الفضاء الخارجي، أو استخدام الحقل المغناطيسي الفائق الموصلية لحماية رواد الفضاء من الاشعاعات الخارجية، أو لتشييد طائرة شراعية عوامة لكي تستطيع التحليق في الاجواء الكثيفة جدا مثل تلك التي تغلف كوكب الزهرة، أو تيتان، أو قمر زحل. ويبدو أن بعض مشاريع المعهد المذكور قد استمدت نفحة من الحياة من ذاتها، إذ أبدت «ناسا» اهتماما بمشروع «إنتوموبتر» وقدمت لذلك منحة أولية لتصميم نسخة أكبر من روبوت صغير طائر يقلد حركة الحشرات بدلا من الطيور للقيام بأغراض التجسس والاستطلاع الفضائي في مناخ المريخ الرقيق جدا حيث خصائص الديناميكية التقليدية تكون في أضعف حالاتها.

والمعهد من أشد المتحمسين ايضا لكابلات المصاعد الفضائية التي تتدلى من الاقمار الصناعية لتمسك بالعربات الفضائية التي تدور حول الارض على مدار منخفض لتقذفها الى مدارات أعلى أو باتجاه القمر أو الكواكب البعيدة. وكان المعهد المذكور قد ساعد في تبني مثل هذه الفكرة منذ سنوات مانحا المساعدات المالية بغية التوسع في الابحاث وكيفية استخدام مثل هذا المبدأ لرفع الحمولات المختلفة من الارض لتخفيف أعباء الانطلاق الى الفضاء وكلفته من مبلغ 10 الاف دولار للرطل الواحد الى 100 دولار فقط. ويقول بيرسون وهو مهندس فضائي مستقل إن تشييد مصعد فضائي قد يكون أسهل على القمر من اي مكان آخر، والسبب ان الاول يملك جاذبية أقل من الارض، ثم أنه لا يحتوي على نفاية فضائية كالارض تدور في مداره قد تصطدم به، أو بالكابل وتعطله عن العمل.

وأضاف «بإمكاننا أن نّشيد ذلك اليوم إذا ما ما تمكنا من تطوير المركبة التي قد لا تحتاج أن تكون مأهولة بل شبيهة بالعربات الجوالة التي تسرح الان على سطح المريخ». إن المبدأ الاساسي في المصعد هذا هو حمل عربات كاملة من صخور المريخ وأتربته التي ترك عليها نيل أرمسترونغ أثار أقدامه قبل 35 سنة لنقلها الى مدارات حول الارض لاستخدامها كعازل رخيص للمركبات والسفن الفضائية وللفنادق والمحطات الفضائية.

لقد فتح المعهد المذكور أبوابه عام 1997 كمحاولة جادة من قبل ناسا لاصطياد الافكار الجريئة الثورية التي قد لا تطبق لعقود مقبلة من الزمن، لكنها لن تقدر بثمن لدى تطبيقها. يقع المعهد المذكور في أتلانتا في ولاية جورجيا الاميركية كمؤسسة مستقلة تحت إشراف جمعية الجامعات للابحاث الفضائية المكونة من مجموعة من 95 كلية وجامعة مشتركة في الابحاث الفضائية، أو تلك التي لها علاقة بها.

وفي هذا الصدد يقول المدير المالي للمعهد ديل ليتل ان المعهد ينفق نحو 3 ملايين دولار سنويا على الابحاث المتعلقة بغزو الفضاء على شكل منح وهبات ومساعدات.

وعلى سبيل المثال فإن العالم الاحيائي بالنباتات في جامعة ولاية نورث كارولينا ويندي بوس يستخدم الان منحة من المعهد قدرها 75 الف دولار لتطوير نباتات قادرة على العيش في ظروف الفضاء الخارجي وذلك عن طريق تطعيمها بجينات من نباتات تعيش في ظروف قاسية جدا في الارض كالبرد القارس والحر الشديد والسمية الشديدة للتربة، أو تلك التي تعيش في الاراضي المعرضة للاشعاعات، أو في المناطق الجرداء أو المرتفعات العالية التي يقل فيها الاوكسجين.

وأشار بوس أنه قام بزرع مثل هذه الجينات في خلايا مزروعة لنباتات التبغ لكي يكتشفوا في مارس المقبل ما إذا كانت مثل هذه الجينات ستنتج خمائر (أنزيمات) عملية من شأنها أن تجعل الخلايا أكثر قدرة على التلاؤم مع الظروف الصعبة.

أما المهندس الفضائي كريغ وولسي العامل في معهد فيرجينيا للتقنية فهو مصمم على شكل طائرة شراعية قادرة على التحليق عبر الاجواء الكثيفة كتلك المغلفة لكوكب الزهرة أغلبها مكون من حامض الكبريتيك، أو تلك التي تحيط بكوكبي بتيتان المؤلفة من الميثان ويمكن أن تغير من شكلها الخارجي لتلائم الجو الذي تحلق عبره. وعن طريق تقليص جسمها أو مده على سعته يمكن أن تتحكم بدرجة العوم والطوف والحركة الافقية.

وقد جرى فعلا اختبار مثل هذه التقنية في المحيطات، لكن وولسي يقول أنه لم يسبق اختبارها في الاجواء الخارجية.

وفي جامعة الاباما في هانستفيل في الولايات المتحدة يقوم الفيزيائي والمهندس الكهربائي ريتشارد فورك باستخدام منحته من المعهد المذكور لتصميم ليزر من شأنه شحن البطاريات على سطح القمر، او مد المركبات الفضائية بالطاقة اللازمة لكي تتحرك وتعمل.

إن صلب عمل هذا المهندس المبدع هو إنتاج القلب المحرض لليزر الذي يطوره وسيكون مكونا من طبقات متغايرة من رقائق التيتانيوم تحتوي على حجر السفير الكريم لمضاعفة شعاع الشمس إضافة الى الماس لنزع الحرارة وإزالتها. ويقول فورك إنه من المشجع جدا التقدم الحاصل في إنتاج الماس الصناعي العالي الجودة ياسعار معقولة مما سيسهل مهمته الى أبعد الحدود.

وقد استخدمت بعض المنح الاخرى في تطبيقات طلبتها ناسا بذاتها مثل المشروع الذي يعمل عليه المهندس الفضائي جيفري هوفمان الذي ارتاد الفضاء خمس مرات، والذي حاز عليه مبلغ 75 الف دولار لتصميم نظام مغناطيسي فائق الموصلية خفيف الوزن جدا بحيث يمكن حمله على متن المركبات الفضائية لدرء الاشعاعات الكونية والوقاية منها.

وفي هذا الصدد يقول إن الفكرة ليست جديدة «لكون الارض تفعل ذلك منذ مليارات السنوات».