الأطلس الوراثي البشري قفزة نوعية في مسيرة العلم

القطاعان العام والخاص تنافسا وتعاونا على تحقيق نتائجه

TT

ارتبط مشروع البحث عن مجموعة العوامل الوراثية الانسانية وهو احد اكثر المشاريع طموحا في تاريخ العلم بظاهرة فريدة في نوعها، وهي ان علماء الحكومة الذين يعملون بالمشروع الذي كلف 3 مليارات دولار، كانوا يتنافسون مع علماء القطاع الخاص.

تصور مثلا ان شركة «دو كيميكال» تعمل بشكل مستقل عن مشروع مانهاتن لبناء اول قنبلة نووية، او تصور شركة «بوينغ» تتنافس مع «ناسا» لارسال رجل للقمر. ادى دخول «سيليرا جينوميكس» الاول من نوعه، الى دفع علماء المورثات الحكوميين للعمل بشكل اسرع، وارغم الفريقين المتخالفين على مشاركة المعلومات، كما عقد عملية نشر المعلومات النهائية في المنشورات العلمية ـ لأن سيليرا تبيع المعلومات الوراثية، الخاصة بها.

ولكن في النهاية حقق الفريقان هدفا علميا رئيسا: وهو اصدار طقمين من المعلومات اعطيا نفس النتيجة. وفي ميدان العلم فإن عدم امكانية تكرار تجربة علمية يعني ان النتيجة غير ذات جدوى.

ويقول كريغ فنتر رئيس شركة «سيليرا جينوميكس» والمرشح الرئيس لرجل السنة من مجلة تايم لعام 2000: «الهدف الرئيس في البحث العلمي هو التأكيد. فريقان مستقلان وطقمان من المعلومات».

أطلس وراثي وعندما دخلت سيليرا المشروع في سبتمبر (ايلول) 1999 كان مشروع الحكومة للاطلس الوراثي البشري متواصلا منذ تسع سنوات، وكان العلماء العاملون فيه ينخلون التسلسل الوراثي لعدة اشهر. ثم دخلت سيليرا الميدان باستخدامها لاكبر كومبيوتر فائق في العالم حللت سيليرا الرموز الوراثية على مدار الساعة.

وعملت الشركة التي انشئت في شهر مايو (آيار) 1998 على تحليل الاطلس الوراثي لذبابة الفاكهة الذي انهته في سبتمبر 1999. وعملت ايضا على الاطلس الوراثي للفئران. ويعتبر هذان المخلوقان مهمين للابحاث العلمية ويستخدمهما العلماء بانتظام كنماذج لدراسة المورثات والامراض التي تصيب الانسان.

واشتركت بعض الجامعات للحصول مقابل اجور على معلومات «سيليرا» وهي متلهفة للحصول على الاطلس الوراثي للذبابة والفأر بالاضافة للانسان. وتقبل الجامعات الاخرى نتائج على الطقمين المستقلين من المعلومات الاول من «سيليرا» والآخر المجاني، من الحكومة والمتوفر على الانترنت.

ويقول ستيف سكيرر عالم رئيس وباحث وراثي في مستشفى الاطفال في تورونتو: «ان طقمي المعلومات يكملان بعضهما البعض. فدمج هذين الطقمين امر جميل». ولم تكن المراحل الاخيرة من السباق جميلة اذ اختلف العلماء علانية حول من كانت طريقته في رسم الاطلس أحسن. واستغل علماء الحكومة كل فرصة لتذكير الجمهور ان ضرائبهم دفعت ثمن مشروع الاطلس الوراثي البشري ولذلك يحق لهم الحصول على المعلومات كلها، وهذا اضر بخطط سيليرا لبيع تسلسل المورثات التي حللتها.

وحتى الرئيس الاميركي السابق بيل كلينتون ساهم بإبلاغ هذه الرسالة في مارس (آذار) 2000. ولكن قيمة اسهم الشركات العامة التي تعمل بالمورثات سقطت بحوالي 20 مليار دولار خلال يوم واحد، عندما لم يفهم الصحافيون في البيت الابيض ما قاله كلينتون وادى ذلك لخلخلة السوق العالمي. وفي النهاية تصافح الفريقان عندما اعلن كلينتون في شهر يونيو (حزيران) انتهاء عملية انجاز الحكومة وشركة «سيليرا» للاطلس الوراثي الانساني وكان كل من رئيس «سيليرا» ومدير المشروع الحكومي بجانبه، وانه سيتم نشر الاطلسين معا بنفس الوقت.

وتعتبر شركة «سيليرا» اطلسها الوراثي ملكا لها ولذا تبيعه، الامر الذي صعب عملية النشر في المنشورات العلمية لانها تشترط على العلماء ان يوفروا كل المعلومات التي تتطرق لها رسائلهم. وقامت «سيليرا» بتوفير نسخة من معلوماتها، التي ستكون على الانترنت، ولكن على العلماء الذين يستخدمونها ان يوافقوا على عدم اعادة بيعها او تنزيل كامل طقم المعلومات. وهذا سبب ضجة ما بين العلماء الذين اعتادوا على مشاركة واستخدام المعلومات بحرية. ويقول فنتر: «لقد تم تضخيم طبيعة الاتفاقيات كثيرا».

ولا يشعر العلماء الذين اشتركوا مع سيليرا انهم بالموافقة على القيود، سيخسرون اي شيء. ويقول الدكتور مارك ماجنوسن نائب عميد البحوث في جامعة فاندربلت اول معهد تربوي اشترى معلومات سيليرا «هذا كان صلب النقاش ما بيننا، وهو الوصول لمستوى يمكن التعامل معه».

* خدمة «يو اس توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»