علماء نوبل يحتفلون بعبقرية أنشتاين في مكتبة الإسكندرية

من مقولاته: «الحقيقة هي ما يثبت أمام امتحان التجربة وقد رأيت أكثر من الجميع لأني ارتقيت على أكتافهم»

TT

ذهب الأب إلى مدرسة ابنه الصغير ليسأل عن مستواه الدراسي، فقال مدير المدرسة للأب «لن يفلح ابنك في شيء». تلك هي الصدمة التي تلقاها الأب «هيرمين» عن ابنه «ألبرت» الذي كان يكره المدرسة بسبب ما تفرضه عليه من حفظ وتلقين، لم يستطع الصغير أن يتوافق معها، ومن ثم كانت بداية «ألبرت هيرمين أنشتاين» الذي يحتفل به العالم الآن، فيما أعلنت عنه الأمم المتحدة بأن يكون هذا العام هو «العام الدولي للفيزياء»، وذلك بمناسبة مرور مائة عام بعد نشر «انشتاين» عام 1905، 5 مقالات تضمنت أهم النظريات في الفيزياء مثل «نظرية النسبية والحركة البراونية والنظرية الكمية»، وهو ما شاركت فيه مكتبة الإسكندرية العالم كله، فنظمت أخيرا «مؤتمر انشتاين 2005» احتفاء به وبمرور 100 سنة على نشر هذه الاكتشافات التي تعتبر بمثابة اللبنة الأولى للفيزياء الحديثة التي يعرفها العالم الآن.

عقول العالم

* وفي كلمته أمام هذا المؤتمر أبرز الدكتور «جواري جلمان» عضو معهد سانتافي للتقنية والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1969، والذي يوصف بأنه «الرجل ذو الخمسة عقول» نظرا لعبقريته العلمية أن «ألبرت انشتاين» بعد نشر اكتشافاته، امتلأت الصحف بالرسوم الكاريكاتيرية التي تتندر على افكاره والتي كانت تتناقض تماما مع استنتاجات «اسحق نيوتن» ولكن سرعان ما شعر العالم بالذهول بهذه النظريات خصوصا «نظرية النسبية» التي تمكن فيها انشتاين من تفسير نتائج العالمين الفيزيائيين الأميركيين: «ميكلسون ومورلي» التي توصلا إليها أواخر القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1887، إذ جاءت «النظرية النسبية الخاصة» حول الزمان والمكان والكتلة والطاقة فأثبت انشتاين من خلالها أن موجات الضوء تستطيع أن تنتشر في الخلاء من دون الحاجة إلى وسيط أو مجال، على خلاف الموجات الأخرى المعروفة التي تحتاج إلى وسط تنتشر فيه كالهواء أو الماء، وأن سرعة الضوء هي سرعة ثابتة وليست نسبية مع حركة المراقب لها، مشيرا إلى أن هذه النظرية النسبية سميت بـ«الخاصة» للتفريق بينها وبين النسبية العامة، النظرية الأخرى لآنشتاين التي توصل إليها لاحقا عام 1949 عن الجاذبية والتي عرفت بين العلماء بـ«النظرية العامة».

كوبرنيكوس وجاليليو

* وإذا كان «انشتاين» قد عانى من تلمذة فاشلة نتيجة رفضه أسلوب الحفظ والتلقين في المدرسة فإنه شابه في هذا الفشل علماء كبارا آخرين، فيذكر مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين أن «كوبرنيكوس» الذي اثبت أن الشمس هي مركز الكون وليست الأرض قد عانى من نفس المشكلة إذ درس اللاهوت استعدادا للقسوسية في جامعة كاراكاو وكان ذلك ضد رغبته التي كانت تدور حول الفلك والرياضيات فلم يبدع في اللاهوت وابدع في دراسات الحركة حول الفلك والرياضيات، مشيرا إلى ان نفس الشيء كذلك حدث مع جاليليو الذي دفعه والده لدراسة الطب الذي لم يكن يريده، وبعد 4 سنوات كاملة ترك جاليليو الطب من دون الحصول على شهادة ثم درس الرياضيات التي يرغبها فكانت طريقه على المجد والشهرة والإبداع، وهو ما ينطبق أيضا على العالم «الافوازييه» الذي درس القانون رغما عنه، وحصل على شهادة فيه، استجابة لإصرار والده المحامي لكن كانت الكيمياء هوايته فأبدع فيها، وتلك هي الإشارة التي يريد أن يبرز الدكتور إسماعيل سراج الدين منها لأهمية تطوير النظم التعليمية المختلفة للهروب بها بعيدا عن الحفظ والتلقين لضمان خروج عبقريات وأن يدرس الشاب ما يرغب وهذا هو الهدف من الاحتفال بانشتاين في مكتبة الإسكندرية مشاركة للعالم وأهمية العلم في الحياة وأثره التقني الكبير في نهضة الأمم، الأمر الذي يتطلب ـ عل حد قوله ـ تشجيع الطلاب بالمدارس والجامعات على هذا النوع من الدراسات الحرة وتعريفهم بما تلعبه العلوم عموما والفيزياء على وجه الخوص في إثراء كافة المجالات الأخرى كالهندسة والطب والصناعة.

الكون والذرة

* وكشف أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة سيتي بنيويورك الدكتور ميتشاو كاكو أن نتائج نظرية النسبية لانشتاين قد طورت المعرفة الفنية، وأوصلت إلى رواد غزو الفضاء الكثير من أسراره كما ساعدت على دراسة وتطور نظرية الجسيمات الأولية والكثير من موضوعات الفيزياء الحديثة والتي اعتبرت البحوث الخمسة التي نشرها انشتاين عام 1905 وما بها من اكتشافات عظيمة، اللبنة الأولى للفيزياء الحديثة التي نعرفها اليوم، مشيرا إلى أن التنبؤات التي طرحتها النظرية النسبية في بداية القرن الماضي قد تحققت عن طريق العالمين «أوبنهايمر» و«جورج جامو» بعد منتصف القرن الماضي، ومنها الكشف عن اشعاع الخلفية الكونية عام 1965 واكتشاف نجوم النيوترون، وهو الأمر الذي يجعل مقولة انشتاين «الخيال أهم من المعرفة» حقيقة مؤكدة، ذلك الخيال المبني على جهود السابقين، والتي لخصها انشتاين بالقول «انني إذا كنت أرى أكثر من الجميع فإنني ارتقيت على اكتافهم» وهو ما يكشف اهمية التراكم المعرفي في تحقيق التقدم وضرورة البناء على الماضي للارتقاء نحو المستقبل في إشارة إلى عصر النهضة العربية الإسلامية وعلماء مثل الخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس وغيرهم ولـ «تبقى الحقيقة بأنها هي ما تثبت أمام أمتحان التجربة» وهي مقولة أخرى لانشتاين.

شارك في احتفال مكتبة الإسكندرية بعام انشتاين عدد من الحاصلين على نوبل في الفيزياء أمثال موراي جلمان نوبل 69 وكارلو روتبيا نوبل 84 وكلاوس فون كليتزينج ـ نوبل 84 ـ وجيرارد توفت ـ نوبل 99 ـ كما شارك العالم الهولندي مارتينوس فلتمان. وافتتح المؤتمر الدكتور عمرو عزت سلامة وزير التعليم العالي والدولة للبحث العلمي نيابة عن رئيس مجلس الوزراء المصري الدكتور أحمد نظيف.

وكان انشتاين قد ولد عام 1879 بولاية أولم الألمانية وفاز بجائزة نوبل عام 1921 وتوفي وهو نائم في منزله عن عمر يناهز السادسة والسبعين عاما وقبل أن يرحل أكبر عباقرة القرن العشرين أعترف بالخطأ فقال «لقد فعلت خطأ عظيما في حياتي حينما وقعت على خطاب للرئيس روزفلت أوصي فيه بصنع القنبلة النووية» وبعد استخدام هذه القنبلة في حرب اليابان عام 1945 نهاية الحرب العالمية الثانية قال انشتاين تعقيبا على الدمار الذي سببته «أنا لا أعرف السلاح الذي سيستخدمه الإنسان في الحرب العالمية الثالثة، لكني أعرف أنه سيستخدم العصا والحجر في الحرب العالمية الرابعة».