روسيا تحتفل بالذكرى الأربعين لغزو الفضاء وسط مصاعب مالية متزايدة

التركيز على المشاريع التجارية للإنفاق على البرامج المستقبلية واستمرارها

TT

جرى الاحتفال بروسيا قبل أيام بالذكرى الأربعين لتحليق يوري جاجارين إلى الفضاء، أول إنسان جاب رحاب الفضاء الكوني في السفينة الفضائية «فوستوك»، وحدث ذلك في 12 أبريل (نيسان) عام 1961، وأثار عاصفة من البهجة والجذل في اوساط الناس لم تعرفها البلاد السوفياتية منذ النصر على النازية في عام 1945، لا سيما أن السباق بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، كان قد بلغ ذروته أيامذاك، في تحقيق الإنجازات العلمية والتقنية لإثبات أفضلية النظامين المتنافسين في العالم اللذين يتوليان قيادته.

كان الاتحاد السوفياتي قد أفلح قبل هذا في إطلاق الكلبتين لايكا وستريكا، وأثبت أن الكائن الحي يستطيع التحليق في السفينة الفضائية وتحمل اجهادات انعدام الوزن.

وكانت الولايات المتحدة قد قطعت شوطاً بعيداً أيضاً في الأبحاث والتجارب الفضائية، مما يمنح الفرصة لها لتكون الرائدة في اقتحام الفضاء الكوني. وبدأت منذ أغسطس (آب) عام 1959، بتجربة السفن الفضائية، بينما لم يبدأ الاتحاد السوفياتي ذلك إلا في أواسط مايو (أيار) 1960، أي بعد مضي عشرة أشهر. بيد أن موسكو كانت في عجلة من أمرها، لا سيما أن معلومات الاستخبارات كانت تفيد بأن أول رائد فضاء أميركي سيحلق في يناير (كانون الثاني) عام 1961، لكن العالم الألماني فيرنر فون براون، الذي كان يشرف على برنامج التحليق في الفضاء في الولايات المتحدة، لم يكن واثقاً من النجاح بعد انفجار أربعة من عشرة صواريخ حاملة جرى إطلاقها. ولهذا، لم يحلق آلان شبرد رائد الفضاء الأميركي، إلا في 5 مايو 1961، على متن السفينة الفضائية (م ر ـ 3). وفي هذا الوقت، كان يوري جاجارين قد أصبح نجماً عالمياً يجسد تفوق أول دولة اشتراكية في مجال ارتياد الفضاء.

فوستوك معروف أن الكاديمي سيرجي كوروليوف، أب البرنامج الفضائي الروسي، سمح بإطلاق السفينة الفضائية «فوستوك» في 25 مارس (آذار)، وعلى متنها الدمية «ايفان ايفانوفيتش»، على الرغم من انفجار ثلاثة من مجموع ستة صواريخ حاملة. لكن هذا الأمر، لم يقف حائلا دون إعطائه الأمر بالموافقة على تحليق يوري جاجارين لثقته بأن الصاروخ الحامل لن ينفجر حتماً. ويومذاك وجب الاختيار بين يوري جاجارين وبديله جيرمان تيتوف للقيام بـ 16 دورة حول الأرض. ورغم أن تيتوف كان يتمتع بشخصية قوية وصفاء ذهن أكثر من جاجارين، إلا أن الاختيار وقع على جاجارين لأنه كان أقوى بنية، وهذه ميزة كبيرة تساعد على تحمل الاجهاد في حالة انعدام الوزن.

وقد توالت نجاحات الاتحاد السوفياتي في مجال ارتياد الفضاء على مدى بضع سنين، حتى تخلى عن موقع الريادة إلى الولايات المتحدة، التي اعتمدت أموالاً طائلة وحشدت قدرات علمية وتكنيكية كبيرة لتنفيذ برامجها الفضائية. واليوم، حين زال الاتحاد السوفياتي، بينما تعاني وريثته روسيا من شتى المصاعب الاقتصادية والمالية، وحين اضطرت روسيا إلى التخلي عن رمز تفوقها في الفضاء، بإغراق المحطة «مير» وقبولها بوضع الشريك الأصغر في المحطة الفضائية الدولية، كثرت الشائعات حول نهاية البرناج الفضائي الروسي.

وقد حاولت وكالة الفضاء والطيران الروسية، في الأعوام الأخيرة، كسب المال اللازم لتطوير الفرع عن طريق طرح برامج فضائية تجارية ومنها اطلاق الأقمار الصناعية للدول الأخرى، بل اضطرت حتى إلى الموافقة على ارسال أول سائح فضائي هو رجل الأعمال الأميركي دنيس تيتو إلى المحطة «مير» مقابل 20 مليون دولار، لكن اغراق «مير» في المحيط الهادي، أدى إلى تغيير مسار التحليق إلى المحطة الفضائية الدولية، أو بالأحرى إلى القسم الروسي منها. وسيتوجه تيتو إليها في 28 ابريل الحالي، على الرغم من اعتراضات وكالة «ناسا» والوكالة الفضائية الأوروبية وكندا واليابان الشركاء في المحطة.

وطلب تيتو من الجانب الروسي، تقليص أجرة رحلته السياحية الفضائية إلى 12 مليون دولار سيدفعها بعد عودته إلى الارض.

خطط استثمار وغداة الذكرى الأربعين أعلنت مؤسسة «انيرجيا» المختصة بانتاج الصواريخ والسفن الفضائية، ان دخلها لعام 2000، بلغ 379 مليون روبل، بينما أعلنت مؤسسة الاتصال الفضائي الروسية، التي تنتج الأقمار الصناعية للاتصال، عن وجود ضغط لاستثمار 120 مليون دولار في غضون الأعوام الخمسة المقبلة، لتطوير شبكة الأقمار الصناعية الروسية. علما أن هذه المؤسسة تسيطر الآن على نسبة 1.6 في المائة من السوق العالمية لأقمار الاتصال، وتأمل ادارتها في توسيع مشاركتها في هذه السوق بعد اطلاق الاقمار الصناعية من الجيل الجديد. والمعلوم أن جميع الأموال التي يحصل عليها من البرامج الفضائية، ترتبط بالاجهزة الفضائية غير المأهولة، لأن الاجهزة الاوتوماتيكية لا تحتاج إلى الهواء والدفء والطعام، ولها قدرة أكبر على ارتياد الفضاء الخالي من الحياة. فقد قامت هذه الاجهزة بالهبوط على القمر وتصوير الزهرة والكواكب الأخرى، كما انها تكسب المال وتؤمن الاتصال وبث برامج التلفزيون عبر الأقمار الصناعية.

أما ارتياد البشر للفضاء فهو كثير التكاليف علاوة على أن الحاجة إليه انتفت بعد انتهاء مرحلة السباق بين الولايات المتحدة وروسيا في مجال الفضاء. ولهذا قرر الرئيس الأميركي جورج بوش اعتماد مبلغ 25 مليار دولار فقط للانفاق على المحطة الفضائية الدولية، بدلا من 64 مليار دولار التي طلبتها «ناسا».

ويؤكد رائد الفضاء الروسي والمهندس الموهوب كونشنتين فيوكتيشوف الذي صمم السفينتين الفضائيتين «فوستوك» و«سويوز»، وكذلك المحطتين الفضائيتين «ساليوت» و«مير»، ان المحطة الفضائية الدولية لن تعالج أي مهام جديدة من حيث المبدأ، لأنها ستكرر ما نفذ في «مير»، لكن هذا النوع من المحطات قد لا يكون نافعاً في المدى البعيد، فحتى «مير» لم تحصل على العدد الكافي من الطلبيات من أجل تغطية نفقات صيانتها وتحديثها. وبوسع الاجهزة الاوتوماتيكية تنفيذ جميع الأعمال المطلوبة. والصينيون يريدون ارسال رائد فضاء فقط من أجل كسب سمعة دولية باعتبار الصين دولة فضائية.

ويبدو أن رحلات الإنسان الى الكواكب البعيدة مسألة ما زال من المبكر التفكير فيها، لأن مشاكل البشر في ارضهم ما زالت كثيرة، وتتطلب الجهد والنفقات الطائلة لمعالجتها.