محمية طبيعية في بادية تدمر السورية بتعاون أوروبي وعربي

التكنولوجيا المبتكرة ساعدت في مكافحة تدهور الأراضي وإحياء السهوب بكلفة ضئيلة

TT

ينفذ حالياً في البادية السورية وبالقرب من مدينة تدمر الشهيرة مشروع كبير لمحمية طبيعية للحياة البرية في البادية السورية وإحياء المراعي فيها، وهو يمول من قبل الحكومة الايطالية وتشرف عليه فنياً منظمة الاغذية والزراعة للامم المتحدة (الفاو)، ويديره الفنيون في وزارة الزراعة السورية. ويهدف هذا المشروع إلى الحفاظ على التنوع الحيوي في البادية وإعادة الغطاء الرعوي إليها.

وتعتبر المحمية والمسماة (التليلة) في هذا المشروع، من أكبر المحميات الطبيعية السورية، كما انها استقبلت عشرات الغزلان والمها العربي المهداة من السعودية والأردن، حيث يتم حاليا تكاثرها في هذه المحمية، خاصة أنها كانت احد أهم عناصر التنوع الحيوي في البادية التدمرية قبل أن تنقرض بسبب الصيد الجائر. وأحيطت المحمية المذكورة بخندق ترابي عمقه متران وعرضه 3 أمتار ويعلو الخندق ساتر ترابي بارتفاع 2.5 متر.

محمية في البادية ويتحدث المسؤولون عن مشروع إحياء المراعي وحماية الحياة البرية في البادية السورية قائلين: يهدف هذا المشروع إلى تحسين المراعي الطبيعية في السهوب السورية والتي تشكل قرابة 55 في المائة من إجمالي مساحة الاراضي، التي تعرضت مواردها للاستنزاف من جراء الاستخدام الزراعي الزائد عن الحد والإفراط في الرعي وإزالة الغطاء النباتي لأغراض جمع حطب الوقود.

وسعياً إلى حل هذه المشكلات، يتبع المشروع، في عمله، نهجين رئيسيين، الأول: إحياء وإدارة 130 ألف هكتار من المراعي من خلال تحليل التربة وتصنيف أنواع النباتات وتحسين المناطق المخصصة للرعي بإعادة ادخال النباتات والجنبات المحلية، وجمع البيانات المتعلقة بمناطق الإحياء، ورصد التكنولوجيات المختلفة لتحسين المراعي، والانتهاء من وضع خطة لاستخدام المراعي، واختبار مصادر بديلة للطاقة وتشجيعها مثل الطاقة الشمسية ونظم التدفئة المحسنة.

أما النهج الثاني، فهو إنشاء 22 ألف هكتار من المحمية الطبيعية للحياة البرية، ويشمل تفتيش وتحسين الحواجز الوقائية، الانتهاء من وضع خطة إدارة الاحتياطي وإعادة ادخال أنواع الحيوانات المحلية التي اختفت لزمن طويل من المنطقة، مثل الغزلان والمارية التي استوردت من الأردن والسعودية ورصد ظروف معيشتها.

تكنولوجيا مبتكرة ويضيف المسؤولون عن المشروع: كانت واحدة من الإنجازات الرئيسية للمشروع في نطاق مكافحته لتدهور الأراضي الناشئ عن زراعة الشعير أساساً، تتمثل في استخدام التكنولوجيا المبتكرة، مثل البذر المباشر للنباتات المحلية، مما يسر إحياء مناطق شاسعة من السهوب بتكاليف ضئيلة للغاية.

وأمكن بالاتفاق مع المجتمع الرعوي المحلي، تحاشي رمي الحيوانات في مناطق الإحياء، وفي الوقت ذاته، فإن محتجز الحياة البرية، الذي يضم ايضا عدداً محدوداً من الإبل، يشكل مركزاً مهماً لصيانة التنوع البيولوجي وموارد المياه، أي أن نشاطات الإحياء ستوفر مساحة أكبر من المراعي الطبيعية خلال السنوات القليلة المقبلة، بينما سينطوي محتجز الحياة البرية على إمكانات هائلة للسياحة الايكولوجية.

كذلك أفضى تدهور النظام الايكولوجي (البيئي) شبه الصحراوي الهش، إلى إفقار الرعاة الرحل (البدو) في المنطقة، أي المجتمعات المحلية القبلية الصغيرة التي تقطن منطقة المشروع، وهم أساساً من رعاة الأغنام أو الإبل الذين يترحلون في جميع أرجاء المنطقة تبعاً للموسم وتوفر المرعى. ولقد تبنى المشروع منهاج المشاركة في إدارة المراعي، بإشراك قبائل البدو ولم يقتصر ذلك على المرحلة المبدئية عندما حددت المشكلات، بل وشمل اختيار الحلول الفنية والإدارية الملائمة اجتماعياً وثقافياً، كما تشجع، اضافة الى ذلك، أنشطة أخرى مثل جمع الكمأ والأشغال اليدوية للمساعدة في استكمال الدخل. ويستلزم نجاح التدخلات الفنية والاستخدام المستدام للسهوب، اشراك السكان المحليين من خلال الأنشطة الإعلامية والتدريب على الإدارة البيئية بالاستفادة من تقاليد ومعارف سكان البادية السورية.

عودة التنوع الحيوي ولإعادة الغزلان التي كانت تشتهر بها منطقة المشروع واختفت في الخمسين سنة الاخيرة، لذلك خضعت طريقة تنفيذ إعادة ادخال هذه الحيوانات إلى أن محمية التليلة أصغر بكثير من المجال السنوي لمراعيها، كما أنه في غياب توعية المواطنين المجاورين بأمور المحافظة على الأحياء البرية، فإنه من غير المحتمل أن الحيوان الذي سيغادر المحمية سيبقى على قيد الحياة.

ولتأمين ادخال غزال الرمال والمها العربية إلى المنطقة، فقد التمس المشروع الجمعية الملكية للحفاظ على الطبيعة في الأردن، وأيضا الهيئة الوطنية للحفاظ على الأحياء البرية والتنمية في السعودية، حيث أهدت كلتا الهيئتين المشروع عددا من الغزلان والمها، وتم ادخالها المحمية في السنوات الأخيرة، كما تم تلقيح جميع الحيوانات المستوردة بلقاحات الطاعون البقري والحمى القلاعية وداء الكلب والاجهاض الساري والتهاب الرئة وضد الكلوستريديا. وكان عددها آنذاك أربعة من الذكور وأربعا من الإناث (مجموعة المها)، وبعدها تم وصول 30 غزالا، عشرة من الذكور وعشرون من الإناث، حيث أطلقت جميعها ضمن المسيج الذي تبلغ مساحته 15 كيلومترا مربعا. كما علق في رقاب ستة من الغزلان اجهزة تنصت وتم مراقبتها جميعا عن كثب بعد اطلاقها، خاصة بالنسبة للوفيات والمواليد.

600 غزال بعد عشر سنوات ويؤكد المسؤولون عن المشروع، أن جميع حيوانات المها لا تزال على قيد الحياة وقد أنجبت أربعة من الطلاء في محمية التليلة، أما بالنسبة للغزلان فقد عانت من ارتفاع في معدل الوفيات في المرحلة الأولى من التأقلم وهذا يعود للاجهاد أو الشدة، أما نسبة البقاء فكانت مرتفعة في السنوات التالية، وقد وصل عددها حتى الآن إلى حوالي 60 رأسا. ومن المتوقع أن تصل نسبة المواليد من الغزلان إلى 600 بعد عشر سنوات. وبالاضافة إلى الحيوانات المدخلة، فقد نما التنوع البيولوجي بشكل ملحوظ مع تزايد مجموعات من الأنواع الفردية، حيث تم التعرف على 60 نوعا من الطيور واليرابيع الفراتية والأرانب والثعالب ونوعين من القطط الصحراوية وثلاثة أنواع من الزواحف.