تجربة الحكومة الإلكترونية على الإنترنت في مصر تواجه سلبيات الواقع وتخطط لتحديات المستقبل

تدريب المتعاملين وتأمين الوثائق من القرصنة على الإنترنت أهم العوامل المساعدة على نجاح المشروع

TT

غالبا ما يواجه التطور التقني في كافة المجالات الكثير من التحديات أهمها عدم الاقتناع بجدوى هذا التطور والتوقع بفشله، إلا أن التجارب تثبت دائما فائدة هذه الاختراعات واثرها على حياة الإنسان، والإنترنت من الوسائل التي تتعاظم أهميتها يوما بعد الآخر وتتنافس حكومات الدول المختلفة في محاولة الوصول بمواطنيها إلى درجة الاستفادة القصوى من هذا المشروع التقني الهائل، وقد بدأت الحكومة المصرية تجربة صعبة لإنشاء مركز معلومات لإنجاز الخدمات الحكومية على شبكة الإنترنت في محاولة لتلبية احتياجات المواطنين في إنهاء معاملاتهم الخاصة والحصول على صور إلكترونية معترف بها، من دون اللجوء لخوض رحلة شاقة بين العديد من الوزارات والهيئات المختلفة، حيث ساعد على خوض هذه التجربة الجديدة نجاح شبكة المعلومات في كثير من المجالات الأخرى كالتعليم عن بعد، ودخول الأسواق الإلكترونية، وآخرها انتشار البنوك المحمولة. القضاء على الروتين ويقول مدير مركز المعلومات بمجلس الوزراء المهندس رأفت رضوان «يعاني المواطن المصري من الروتين المعقد في إنهاء المعاملات الحكومية، ومن هنا ظهرت الفكرة في القضاء على هذه السلبية باستخدام الوسائل التقنية الحديثة كالكومبيوتر والإنترنت، وساعد على ذلك انتشار الوعي التقني لدى الجمهور، حيث وصلت كثافة أجهزة الكومبيوتر 15 لكل ألف من السكان، وتتزايد هذه النسبة بمعدلات عالية، أما الإنترنت فقد تزايد استخدامه بنسبة 30 في المائة سنويا»، وأوضح المهندس رضوان أن التحول للحكومة الإلكترونية يبدأ من مرحلة تعريف المواطن بجميع الخدمات الحكومية والإجراءات الواجب إتباعها وكذا الرسوم والفترة الزمنية المقررة لإنهاء الخدمة، وبعد ذلك يأتي طلب أداء الخدمة من الشبكة الإلكترونية بدون انتقال المواطن للجهة المقصودة، بمعنى إمكان استخراج النماذج المخصصة لذلك وإرسالها إلى مصلحة الأحوال المدنية التي تقوم بإصدار الشهادة، ويتبقى مرحلة تسلم تلك الأوراق وأسلوب الدفع، وتتم عن طريق الذهاب إلى الجهة المقصودة لسداد الرسوم المقررة عند التسلم أو الدفع مسبقا باستخدام البطاقات المالية الإلكترونية، وفي هذه الحالة لا يتم التعامل تماما مع أي موظف بل تنتهي كافة الإجراءات عن طريق الإنترنت. ويبين المهندس رأفت رضوان أن إصدار ترخيص ما يتطلب التعاون مع أكثر من 15 جهة من خلال 100 إجراء ويستغرق مدة زمنية تصل إلى شهور. كل هذه المصاعب تختصر إلى أقل جهد ونفقات عن طريق الشبكة الإلكترونية التي سيدعمها خط هاتف حكومي مدفوع رقمه 131 لمعرفة الإجراءات المطلوبة ويتم الاتصال به من أي هاتف سواء عادي أو محمول، إضافة إلى مجموعة ضخمة من الأكشاك تدار بواسطة خريجين متعاونين، يقومون بأداء خدمة الاتصال وإنهاء كافة المعاملات في مقابل مادي يحدد لهم من قبل الحكومة.

سلبيات التجربة كثيرة أما د. كمال المنوفي، عميد كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، فيرى أن الهدف الأساسي من مشروع الحكومة الإلكترونية هو راحة المواطنين والمحافظة على الجهد المهدور في استخراج الوثائق الرسمية، مع التركيز على وجود علاقة جيدة بين الجهات المسؤولة والأفراد أساسها الشفافية والاحترام المتبادل. إلا أن لكل تجربة سلبياتها التي يجب الانتباه إليها لتحقيق الفائدة المرجوة منها، وأهم ما يواجه هذا المشروع هو الخوف من ازدياد نسبة البطالة في المجتمع المصري، مبينا أن عدد العاملين بالحكومة يبلغ 7.5 مليون موظف نصفهم تقريبا يقومون بأداء الأعمال الإدارية التي تهدف لخدمة المواطن، وعليه أين يذهب هؤلاء بعد أن يتم إنجاز المهام التي يؤدونها عن طريق الإنترنت، إضافة إلى أنه في حالة حدوث خطأ في الإجراءات بالنظام المعمول به حاليا يتم تحديد الموظف المسؤول ومحاسبته، ولكن ما الذي سيتحمله في ظل وجود الشبكة الإلكترونية؟ موضحا أن المجتمع المصري يهوى الثقافة الورقية والأختام، فالطالب لابد له من مرجع تحريري للاختبار، أي أن جزءا من الثقافة المصرية يعتمد على أسلوب المواجهة والشرح والتفسير، الأمر الذي قد يفتقده المشروع الإلكتروني، فهو يقوم على الانعزالية وانعدام العلاقات، لاعتماده على أنظمة وبرامج لا يغلفها الطابع البشري.

التعليم أساس النجاح وترى د. سلوى شعراوي، مديرة مركز دراسات الإدارة العامة، أن نجاح تجربة الحكومة الإلكترونية يتوقف على عدة أمور، أهمها أن يكون الجمهور على درجة عالية بالوعي التقني، وكيفية استخدام الشبكة الإلكترونية بكفاءة لإنهاء معاملاتهم بالدقة المطلوبة، مبينة أن الدولة عليها دور كبير في إعداد جيل من المتخصصين في استخدام أجهزة الكومبيوتر وإجادة التعامل مع كافة برامجها ليقوموا بواجبهم نحو تثقيف وتأهيل المتعاملين مع هذا المشروع، حتى نستطيع اختصار الفترة الزمنية في إنجاز المهام الرسمية التي هي أهم الأهداف المرجو تحقيقها. وأكدت الدكتورة شعراوي نجاح الشبكة الإلكترونية في عمليات التعليم عن بعد، حيث أصبح الإنترنت أكبر جامعة مفتوحة في العالم بما يتوافر لديها من إمكانيات غير محدودة في توفير البرامج التعليمية وبنفس معايير الجودة التي تقوم بها أي مؤسسة تعليمية كبرى، يشجع كثيرا على تحفيز كافة الجهات الرسمية والشعبية للاستمرار في دعم هذا المشروع العملاق الذي سيحقق حلم الملايين في إنهاء وثائقهم الرسمية بدون معاناة.

التأمين ضرورة ويحذر زكريا عيسى، رئيس جمعية الحاسبات المصرية، من خطورة عدم تأمين مشروع الحكومة الإلكترونية على شبكة الإنترنت، وذلك لانتشار أعمال القرصنة على هذه الشبكة، مع الأخذ في الاعتبار أن الوثائق المراد استخراجها يفترض فيها السرية التامة والخصوصية، والخوف يأتي من محاولة بعض الجهات لاستغلال هذا الموقف وتقليد الوثائق أو الأختام وعندئذ ستكون هناك فرصة جيدة للتجارة المشبوهة في تزوير شهادات قد تؤدي إلى أن يأخذ شخص ما شيئا لا يستحقه، موضحا أن نظام الدفع عن طريق الشبكة الإلكترونية سلاح ذو حدين فهو يتميز بأنه يوفر لك الوقت والجهد، ويقول «فأنت ليس بحاجة إلى الوقوف في طابور مرهق لدفع رسوم الخدمات لأنها ستكون عبارة عن نقود غير ملموسة تأخذ صورة وحدات إلكترونية تخزن على القرص الصلب، وعلى الجانب الآخر تكمن الخطورة في عدم القدرة الكاملة لتأمين ومراقبة العمليات المالية على الإنترنت بصورة دقيقة، وأفضل مثال لذلك هو البنوك المحمولة التي تتعرض لعمليات نصب وتحويل أموال من حساب شخص لآخر بضغطة زر»، مؤكدا أن أي تقنية حديثة تواجه في بداية عملها الكثير من الصعوبات، ولكن مع التجربة واكتساب الخبرة اللازمة، إضافة إلى الاستعانة بالمتخصصين الأكفاء سيكون مشروع الحكومة الإلكترونية من العلامات البارزة في مجال إدارة الدولة.