ازدياد مخاوف الجمهور الأميركي من المنتجات الغذائية المعدلة وراثيا

معتنقو الديانات الثلاث يقرون سماح الخالق للإنسان باستخدام العلم لتحسين حياته لكن أغلبية من اليهود فقط تؤيد تغيير المورثات

TT

تراجعت أخيرا المساندة الاميركية للأطعمة المعدلة وراثيا نتيجة الاحتجاج العالمي الذي انطلق ضد هذه المنتجات وكذلك الاضرار التي تسربت منها إلى دائرة الغذاء، التي تناقلت انباؤها وسائل الأعلام. ويأتي ذلك بالرغم من تصعيد شركات التقنيات الحيوية لحملة دعائية بينت فيها انتفاء أدلة تؤكد أن شخصا واحدا على الأقل قد تضرر بسبب أطعمة الهندسة الحيوية. إلا أن عدم الاطمئنان اصبح الإحساس المهيمن خصوصا عندما يتعلق الامر بسلامة المواطنين، بالإضافة إلى مخاوف فقدان حرية الاختيار.

وبينت استطلاعات الرأي التي أجريت اخيرا عبر موقع ABCNewscom أن 52% من الناس يعتبرون هذه الأنواع من الأطعمة «غير آمنة للأكل» و35% فقط يعتقدون العكس. والمعلوم أن استفتاء قامت به شركة غالوب قبل عام أظهر أن 51% من الناس لم يروا أي مخاطر في تناول هذه الأطعمة. وفي نفس السياق أظهر استطلاع قناة (أي بي سي) للأخبار أن 93% من الاميركيين طالبوا الحكومة بأن تصدر مرسوما يقضي بإلصاق بطاقات مكونات الأغذية المعدلة وراثيا على تلك السلع والمعروفة باسم «جي ام فودز».

* مخاوف وأخلاقيات

* ومن جهة أخرى يبدو أن الجانب الأخلاقي لهذه القضية يحظى باهتمام يوازي أهمية حجم المخاوف من عدم سلامة هذه الأطعمة، ففي استطلاع عام حول الغذاء والتكنولوجيا الحيوية للتعرف على آراء الطوائف الدينية، وبالرغم من أن أغلبية الفئة التي تضم معتنقي البروتستانتية والكاثوليكية واليهودية والإسلام أقرت أن «الله عز وجل سمح للإنسان باستخدام العلم لتحسين حياته» فانه لوحظ أنه لم تسجل الا في الفئة اليهودية فقط من المشاركين في الاستفتاء أغلبية تساند موضوع تحول المورثات من كائن عضوي إلى آخر، أو تحويلها من فصيلة إلى أخرى.

وفي إحدى جلسات النقاش التي دارت في 26 يونيو (حزيران) الماضي، قام ضيوف من المشاركين من رجال دين واختصاصيين في الاخلاقيات، بتأكيد المخاوف من احتمال أضرار هذه المنتجات تجاه الطبيعة، وتحديد حرية الاختيار التي سببتها طريقة إنتاج الأغذية المعدلة وراثيا. وكانت أهم نقاط النقاش هي التالية :

* هل بحث الجانب الأخلاقي في قضية تعديل سمك السالمون لجعله ينمو من 3 إلى 5 أضعاف حجمه الحالي؟ ماذا عن قضية التعديل الوراثي للقطط بحيث تتوقف عن إنتاج نوع من البروتين يصيب الإنسان بالحساسية؟

واتفق الضيوف على أن الاستعمال الذي ينتج عن تغيير ما، يعتبر أمرا مهما من الناحية الأخلاقية، ويحتاج إلى تحليل مزاياه ومخاطره، كما صرح الحاخام أفرام رايزر وهو من جامعة بالتيمور العبرية. ولم تلق حالة القطط انطباعا جيدا من قبل المشاركين في المناقشة، حيث أنهم رأوا أن تعديل القطة يفيد الإنسان فقط، وليس هناك أي تطوير لمعيشة القطة. وتساءل ديفيد ماغنوس وهو باحث في الأبعاد الأخلاقية للعلوم الحيوية في جامعة بنسلفانيا: هل سيحدث هذا الأمر أضرارا أخرى، وهل ستحصل القطة على أي فائدة؟

وفي نفس الصدد أضاف جيدي هانسون من كنيسة الميثودي المتحدة قائلا: «لقد ذكر أبرهام لنكولن أنه لا يثق بأي ديانة لا تجعل الشخص يعامل كلبا أو قطة بطريقة أفضل». وأضاف قائلا: «إن جعل القطة تؤثر علي بنسبة أقل، لا يعني أن ذلك يساعدها بطريقة أكثر». ومن جهة أخرى، وفي ما يتعلق بسمك السالمون، فان التأثير البيئي يبقى المسألة الأساسية، وهذا ما أوضحه روبرت غرونسكي من مؤتمر الحياة الريفية الكاثوليكية الوطني قائلا: «التأثيرات التي قد يخلفها تغيير العلاقات بين الكائنات الحية وبيئتها والناتجة عن سحب الآلاف من الأسماك من البيئة المائية، ستسبب كارثة».

ومن أفضل الأمثلة التي تبين حقيقة المأزق، ما يحدث في شاطئ كندا الشرقي، فقد تبين أن لدى شركة «أكوا باونتي» الاميركية تسهيلات اختباريه لسمك السالمون المعدل وراثيا والتي تود بيعه تجاريا. وقد نشرت صحيفة «ترونتو ستار» تقريرين كنديين أخيرين تحذر فيه من أن القوانين الفدرالية في ما يتعلق بحماية البيئة تعتبر غير وافية. وأضافت الصحيفة أن الاختبارات العلمية مع الأسماك الأخرى، أظهرت أن النسل الناتج عن تهجين الأسماك المعدلة وراثيا او الأسماك المتوحشة، يولد نسلا لا يستطيع العيش إلى فترة الرشد التي يعيشها السمك العادي. ولمحاربة هذه المشكلة، أعلنت الشركة أنها ستدخل أنثى سمك السالمون فقط في البيئة المائية.

* من يقرر نوعية طعامنا؟

* من جهة أخرى، تقول الشركات أن تسريع نمو الحيوانات والأغذية سيساعد على إطعام بلدان العالم الثالث. وقد اتفق المشاركون في النقاش على أن الأغذية المعدلة وراثيا تعتبر نعمة، وعلى أن للناس حقا في تكنولوجيا يستطيعون التحكم بها.

على أن أحد المخاوف يبقى في سرعة إنتاج محصول الأراضي المهندسة حيويا. ويقول غرونسكي أن من بين الأسئلة التي قد يطرحها الناس لدى اكتشافهم ومعرفتهم حقيقة نظام الغذاء العالمي «من يقرر نوعية الطعام الذي نتناوله؟ وكيف يمكننا الحصول على نوع من التحكم المحلي؟».

وصرح ماغنوس في نفس الصدد قائلا: «يحتاج الناس إلى حق الاختيار، وإذا أصبحت جميع الأطعمة معدلة وراثيا سنفقد هذا الاختيار». وقد اتفق الجميع على أن هناك مسؤولية أخلاقية إزاء عملية إعلام المواطن، وهذه القضية تعتبر من أهم مواضيع النقاش التي تدور حاليا في الولايات المتحدة الاميركية. وقد صرح الحاخام رايزر قائلا: «تقول وكالة الاغذية والعقاقير الاميركية ان تناول هذه الأطعمة يعتبر أمينا، لذلك لا يحتاج المستهلك لمعرفة المزيد عنها، إلا أنه في مجتمع ديمقراطي فان للناس حقا في المعرفة».

ومن جهة أخرى، بدأت مؤسسة الاغذية والعقاقير بتعديل قوانين الأطعمة المعدلة وراثيا، إلا أن هذه التعديلات أقل مما يطالب به المستهلكون، حيث يطالبون بالمزيد من أبحاث توفير وتأكيد السلامة. ومن بين البنود التي وضعت: أن على الشركات إبلاغ المؤسسة بأنها ستدخل منتجا جديدا إلى السوق، قبل 120 يوما من تاريخ إدخاله، بالإضافة إلى تأكيد أنه آمن. إلا أنه ليس هناك أي قوانين تتعلق باختبار هذه المواد قبل دخولها إلى سوق الاستهلاك.

وإذا ما قارنا هذا مع ما تقوم به دول الاتحاد الأوروبي، نجد أن هذه الأخيرة أكثر صرامة، حيث هناك اقتراح يحث على وضع نظام يستطيع معرفة من أي حقل أتت الأطعمة، بالإضافة إلى نشر عناصر ومحتويات جميع أطعمة الهندسة الوراثية. ولا يزال هذا الاقتراح ينتظر الموافقة الحكومية.

خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» =