رحلة إلى ثقب الأوزون عبر طائرة شراعية مطورة

ترتفع إلى طبقات الجو العليا بتوظيف ظاهرة الموجات الهوائية الصاعدة طبيعيا

TT

ربما تعد بعض طبقات الجو العليا التي ترتفع 15 ميلا فوق المنطقة القطبية، أغرب جزء من تلك الطبقات، حيث السحب العليا الواسعة للغلاف الجوي المكونة من حامض النتريك، والبخار المائي، تومض وتتلألأ بلون قرنفلي قزحي اللون، في حين تسبب المواد الكيميائية التي هي من صنع الإنسان، خرابا ودمارا بطبقة الأوزون.

ويتوق العلماء لدراسة هذه الطبقات العليا (ستراتوسفير stratosphere) عن كثب، لكن هذه الطبقات تمثل بداية حدود الفضاء الخارجي، وهي عالية جدا بالنسبة إلى طائرة عادية تحلق بشكل مستو تماما.

* طائرة أبحاث شراعية إذن كيف نصل إلى هناك؟ الجواب: على متن طائرة شراعية! ويعتقد المهندسون أنه يمكن رفع طائرة شراعية - من دون وزن محركات الطائرة العادية وثقلها، وكذلك الوقود - إلى هناك بتوظيف ظاهرة جوية طبيعية. لذلك يقوم فريق من العلماء، وهواة الطيران، ورجال الأعمال، بتشييد طائرة شراعية ذات مقعدين مصممة لتحمل مخاطر التحليق على مثل هذه الارتفاعات العالية. ومن المقرر القيام بمثل هذه الرحلة في أغسطس (آب) من عام 2015.

وسيجري تحميل الطائرة الشراعية على ظهر سفينة شحن إلى منطقة إيل كلافايت في الأرجنتين، حيث الرياح من المحيط الهادي تنحرف عن طريق جبال الأنديز، لتؤلف موجة هوائية تشابه الأمواج التي تتكون فوق صخور جدول مائي جبلي. وتنطلق تلك الموجة بتيارات صاعدة تصل سرعتها إلى 30 قدما في الثانية.

ويقول إدوارد وارنوك مهندس علوم الطيران والفضاء، إن «مثل هذه الموجات الهوائية الجبلية تكون كثيرة الحدة والنشاط»، ويشغل وارنوك منصب كبير مديري «مشروع بيرلان» وهو منظمة لا تتوخى الربح، ويقوم حاليا بتشييد الطائرة الشراعية المسماة «بيرلان 2» (Perlan II).

وستقوم طائرة صغيرة خفيفة ذات محرك واحد، من النوع المستخدم في رش المحاصيل الزراعية، بقطر الطائرة الشراعية إلى ارتفاع 10 آلاف قدم، لترتفع بعدها بالتيارات الصاعدة إلى ارتفاع 60 ألف قدم. وهناك حيث تضعف هذه التيارات، تستخدم الطائرة ظاهرة أخرى تسمى «الدوامة القطبية»، التي هي عبارة عن رياح دائرية تشبه الإعصار الكبير الذي يهب شتاء، والذي يوفر دفعا صاعدا شديدا. وإذا ما تمكنت الطائرة من «الإمساك» بالتيار الصاعد هذا فإنها سترتفع أكثر فأكثر إلى السحب المسماة «بيرلان»، ومنها إلى ثقب الأوزون، حيث تجري التفاعلات الكيميائية المدمرة لطبقة الأوزون. والهدف هو الارتفاع إلى علو 90 ألف قدم، أو 17 ميلا لتسجيل رقم قياسي في الارتفاع بواسطة طائرة شراعية. وكانت الطائرة السابقة «بيرلان 1» قد سجلت رقما بلغ 50726 قدما في عام 2006.

* تصميم جديد وستبلغ كلفة طائرة «بيرلان 2» نحو 7.5 مليون دولار، جرى حتى الآن إنفاق 3.5 مليون دولار منها، ولا يزال المشروع يحاول جمع ما تبقى من المبلغ. ويشارك في تنظيم المشروع دينيس تيتو الذي دفع 20 مليون دولار لزيارة محطة الفضاء الدولية، وستيف فوسيت الملاح الجوي الشهير الذي لقي مصرعه عام 2007 بحادث طائرة صغيرة من محرك واحد، والذي قاد قبلا طائرة «بيرلان 1».

وكانت «بيرلان 1» قد استخدمت أيضا جبال الأنديز لأغراض استخدام التيارات الصاعدة. وقد استغرق الارتفاع نحو 4.5 ساعة. وسيكون للطائرة الجديدة جناح يبلغ امتداده 84 قدما، بزنة 1700 رطل فقط، بما في ذلك وزن الملاحين. والطائرة الجديدة أخف من سابقتها «بيرلان 1» بمقدار 100 رطل (الرطل 153 غراما تقريبا)، على الرغم من أن الأخيرة كان لها جناح امتداده 72 قدما فقط. ويقول المشرفون على صنع الطائرة الجديدة، إنها اكتملت بنسبة 80 في المائة. وتتكون الطائرة الجديد بأغلبيتها من الألياف الكربونية المتينة جدا الخفيفة الوزن. وسيجري طلاء الطائرة بلون أبيض يعكس أشعة الشمس لمنعها من تسخين أجزائها بشكل يضعف الأبوكسي الموجود بكثرة داخل المقصورة، رغم أن الهواء المحيط سيكون مقاربا لدرجة التجمد.

وقد جرى تصميم الطائرة جزئيا عن طريق الحسابات الكومبيوترية، وبعضها الآخر عن طريق الحدس. وقد روعي فيها أن تكون مقاومتها للهواء جيدة، خاصة لطائرة لا تحتوي على أي محركات. وثمة تعقيدات فنية كثيرة يتوجب تذليلها، ولكن «نحن نعمل دائما على أساس المفاضلة والمقايضة»، كما يقول إينار إينفولدسون مؤسس المشروع وكبير طياريه، الذي كان الملاح المساعد لفوسيت لدى قيامه بتحطيم الرقم القياسي السابق.

وإينفولدسون هذا يقود الطائرات الشراعية منذ عام 1947 عندما كان في الخامسة عشرة من عمره، وله خبرة واسعة في قيادة الطائرات المقاتلة وطائرات الأبحاث على الارتفاعات الشاهقة، وهو يبلغ الآن 81 سنة من العمر، وردود فعله العصبية لم تعد ذاتها كما يقول، لكن أحكامه وقراراته في المواقف الصعبة لا تزال كما كانت عليه سابقا.

* تصميم مطور وستبلغ سرعة الطائرة عبر الغلاف الجوي الرقيق جدا 46 ميلا في الساعة، وهو ما يكفيها لكي تظل محلقة. لكن لكي يقوم المقياس بتسجيل مثل هذه القراءة في مثل هذا الجو الرقيق الضعيف الكثافة، ينبغي أن تكون السرعة الفعلية نحو 335 ميلا في الساعة.

وينبغي على مصممي الطائرة المعادلة أو التوفيق بين تقليل مقاومتها للهواء، وزيادة قوة الرفع في الجناحين، كما أن من التعقيدات الأخرى ضرورة زيادة الضغط الجوي داخل المقصورة في مثل هذه الارتفاعات الشاهقة، وهو أمر تقوم به محركات الطائرة عادة بينما «بيرلان 2» تفتقد لأي منها. والحل هو في عزل المقصورة الصغيرة هذه تماما. وهذا من شأنه أن يؤسس لمشكلات أخرى كثيرة يتوجب تذليلها أيضا. وستقوم «بيرلان 2» بأخذ عينات من طبقة الأوزون، كما ستستخدم أشعة الليزر لمراقبة تركزاتها والمواد الكيميائية المتفاعلة معها.

وقبل عام تقريبا قام فيليكس بومغارتنر بالوصول إلى ارتفاع 128.100 قدم على متن منطاد قبل القفز منه، لكن من الصعب جدا الملاحة فترة طويلة عن طريق منطاد عبر ثقب الأوزون.

ويتساءل جيمس أندرسون عالم المناخ في جامعة هارفارد: لماذا لا تستخدم الطائرات أو المركبات من دون طيار في مهام مثل هذه، لأن البشر هنا يشكلون عبئا كبيرا، سواء على صعيد السلامة، أو الصعيد التقني والمشكلات الناجمة عن ذلك.

* خدمة «نيويورك تايمز»