«الويب الدفين».. مواقع إلكترونية في ظلمات الإنترنت

توظفها قوى الأمن والمخابرات ويتسلل إليها المحتالون والقراصنة والجهاديون

TT

ظهيرة يوم الأول من أكتوبر (تشرين الأول) 2013 ألقى وكلاء مكتب التحقيقات الفيدرالية الأميركية القبض على شخص هادئ يدعى جوش تيري، يتاجر بالعملات، واسمه الأصلي روس أولبرخت، سنه 29 عاما، عند وصوله إلى إحدى المكتبات العامة في مدينة سان فرانسيسكو الأميركية. وتعتقد الوكالة الأميركية أنه يرأس موقع «سيلك رود» (درب الحرير) وهو سوق سوداء إلكترونية، تسوق البضائع غير المرخص بها.

* الويب الدفين يطلق اسم الويب الدفين أو العميق Deep Web على المواقع الإلكترونية في أعماق الإنترنت المظلمة التي لا تتمكن محركات البحث مثل «غوغل» و«ياهو» من فهرستها. ويزيد حجم المعلومات وسعتها في هذا الويب الدفين بمرات ومرات عن الويب الذي نعرفه، وهو الذي يمنح كل تلك المواقع المظلمة سماتها السرية. ولذلك فإن تلك المواقع لا ترتبط بأي مظاهر على أرض الواقع الكبيرة.

وعلى الرغم من أن الكثير من الناس لا يرون هذا الويب العميق فإنه يمكن لأي شخص تنزيل برنامج إلكتروني يسمح له بالدخول إلى أعماقه خلال ثلاث دقائق فقط! ويشكل الويب الدفين أداة حيوية لازمة لنشاطات أجهزة الأمن والمخابرات والمنشقين وكذلك كل الأشخاص الذين يرغبون في التستر على هوياتهم الشخصية. ويصبح دوره مهما إذا عرفنا أن 86% من مستخدمي الإنترنت الأميركيين حاولوا محو تاريخ تصفحهم الإلكتروني، كما حاول 55% منهم التهرب من ملاحقة الآخرين لنشاطاتهم على الإنترنت، مثل شركاتهم التي يعملون فيها، وفقا لاستطلاع من مؤسسة «بيو». إلا أن مشكلة الويب العميق أنه أصبح ملجأ لعتاة المجرمين الإلكترونين، خصوصا أنه تداخل كما في حالة موقع «درب الحرير» مع توظيف العملة الإلكترونية «بتكوين» Bitcoin التي لا يمكن ملاحقة أثر انتقالها من شخص لآخر.

* برنامج «بصل الشفرات» قصة الويب الدفين تبدأ من شهر مايو (أيار) عام 1996 حين قدم ثلاثة باحثين في مختبر أبحاث البحرية الأميركية دراسة تحت عنوان «إخفاء معلومات التوجيه (عبر الشبكة)» في ورشة عمل عقدت في مدينة كمبردج في بريطانيا. وقد تعرض البحث لكيفية وضع تقنيات دخول الأشخاص إلى الإنترنت من دون أن تتعرف الكومبيوترات الخادمة (servers) ولا أجهزة الموجه (routers) على هوياتهم. وأطلقوا على فكرتهم اسم «التوجيه البصلي» onion routing، لأنها تقدم طبقات، مثل طبقات البصل، من الترميز بالشفرات تحيط بالبيانات التي تتدفق مجيئا وذهابا. وبحلول عام 2003 دخلت الفكرة حيز التطبيق بظهور برنامج مفتوح المصدر سمي «موجه البصل» The Onion Router( TOR).

وقد ساهمت الحكومة الأميركية بأموالها في دعم هذا البرنامج بهدف توظيفه لنشاط قوات الأمن والمخابرات والأجهزة العسكرية وحتى وزارة الخارجية الأميركية لدعم المنشقين وفقا لمجلة «تايم» الأميركية. إلا أن الفساد عم الويب الدفين بعد تمكن المحتالين والمجرمين من الاستفادة منه إذ نجح موقع «سوق المزارعين» (ذي فارمزر ماركيت) في تسويق مختلف البضائع ومنها المخدرات. وامتد نشاطه لنحو 34 دولة قبل أن تغلقه وكالة مكافحة المخدرات ربيع العام الماضي. كما تسللت مجموعات من الجهاديين وكذلك قراصنة الإنترنت إلى أعماق الويب الدفين.

* نقود رقمية وفي عام 2009، وهو أحد الأعوام التي أعقبت الأزمة المالية الكبرى وانهيار الثقة بالمصارف العالمية، ظهرت النقود الرقمية «بتكوين» على يد شخص أطلق على نفسه اسم «ساتوشي ناكاموتو»، الذي لا تعرف هويته الحقيقة حتى الآن. وهذه النقود هي منظومة للتعامل النقدي، ونقود في نفس الوقت. وليس لها مقابل على أرض الواقع إطلاقا.

ويمكن تحويل النقود الرقمية من محفظة رقمية إلى أخرى من دون أي دور للمصارف. أما التعاملات بها فمحاطة بالسرية. وقد تمكنت الوكالات الحكومية الأميركية من التعرف على نشاط «سوق المزارعين» لأنه خلف آثارا من تبادل الأموال على أرض الواقع على عكس موقع «درب الحرير» في بدايات نشاطه عام 2011.

ومثل برنامج «تور» الشرعي فإن النقد الرقمي «بتكوين» له وجود شرعي لكي يبقى ويستمر، فقد كان يستخدم في البداية لاقتناء البضائع. ووافقت بعض المواقع على قبول التعامل به مثل موقع اللقاءات «أوكي كيوبيد»، إلا أن التعامل داخل الويب الدفين أدى إلى توظيف هذا النقد من قبل المجرمين.

وأخيرا فإن أسرار الويب الدفين بدأت تتكشف للكثير من الناس. وللحقيقة فإن هناك طرقا أخرى لإخفاء الهوية من اللجوء إلى استخدام برنامج «تور»، وذلك بفضل تقنيات أخرى مثل استخدام الهواتف الفضائية، والتراسل بإضافة التشفير بجهاز بلاكبيري، أو استخدام التراسل «آي ماسيج» من «أبل»، والتراسل الفوري بهواتف «آي فون» أو الـ«آي باد».