العلماء يراقبون لأول مرة ابتلاع ثقب أسود لسحابة غازية

حدث كوني يتوقع العلماء حدوثه هذا الشهر

صورة افتراضية لتسلسل عملية تلاقي السحابة الغازية مع الثقب الأسود
TT

الثقوب السوداء، هذه الأجسام العالية الكثافة جدا التي تنبأ بها أينشتاين، غالبا ما توصف على أنها من المفترسات الشرهة الشرسة التي تقوم قوة جاذبيتها الكبرى بالعمل كغشاء باتجاه واحد، مما يعني ابتلاعها كل شيء حولها أو قربها، حتى الضوء، من دون أن يتسرب أي شيء منها.

ويبدو أخيرا أن الفرصة الأولى قد حانت للعلماء الفلكيين لمشاهدة ثقب أسود عملاق يقوم بابتلاع واستهلاك جرم كوني.. وهو أشبه بتناول وجبة خفيفة!

* ثقوب سوداء في مارس (آذار) الماضي رصدت سحابة غازية تندفع بسرعة نحو مركز مجرة درب التبانة، وكان من المتوقع أن تتصادم مع برج القوس «إيه»، الذي هو ثقب أسود يقع على مسافة 26 ألف سنة ضوئية من الأرض. وطبعا فإن الحدث هذا حصل قبل 26 ألف سنة.

وكانت السحابة هذه ضخمة جدا تصل كتلتها إلى ثلاثة أضعاف كتلة الأرض، لكنها ليست ندا للثقب الأسود الذي له كتلة تبلغ 4 ملايين كتلة الشمس.

ويقول أفي ليوب الأستاذ في الفيزياء الفلكية النظرية في جامعة هارفارد الأميركية: «هناك فرصة نادرة لمشاهدة كيف يلتهم الثقب الأسود وجبته».

وأضاف: «هل ستصل السحابة الغازية إلى الثقب الأسود، وإذا حصل هذا، هل سيكون الأمر سريعا؟ وهل سيقوم الثقب الأسود بلفظ هذا الغاز وتقيئه على شكل دفق أو نافورة؟».

تبدو التجربة هذه مثيرة لعلماء الفلك، «كما لو أنها لذوي أطفال يلتقطون الصور الأولى لأطفالهم وهم يأكلون».

وإذا قام الثقب الأسود بالتهام كتلة كبيرة من السحابة هذه، فإن عملية الهضم قد تستغرق عدة شهور، وحتى سنوات. وقد يتبع ذلك ألعاب نارية.

كما أن الحرارة التي تتأجج داخل هذه السحابة التي تصل إلى مليارات الدرجات قد تبث اللهاث الأخير من الإشعاعات التي تراوح بين الموجات الراديوية والأشعة السينية.

وحتى لو ثبت أن هذا الحدث هو باطل وكاذب، فقد يقدم رؤية عن عادات وسلوك هذا الافتراس الذي تقوم به الثقوب السوداء، التي يعتقد أنها تكمن في مركز كل مجرة كبيرة.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن أندريه غيز عالم الفلك في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، الذي قام برصد مراكز المجرات منذ عام 1995، «سنتعلم شيئا بغض النظر عما يحصل».

ومن المتوقع أن يكشف الحدث فعلين، كما يقول ستيفان غيلسين من معهد ماكس بلانك لفيزياء خارج الأرض في ألمانيا، الذي اكتشف فريقه السحابة الغازية «جي 2» في عام 2011.

* حدث وشيك وستأتي المرحلة الأولى خلال أسابيع من ظهور السحابة، التي هي الآن ممتدة أشبه بخيوط السباغتي المجدولة بفعل جاذبية الثقب الأسود، تمهيدا لاقترابها الوشيك من برج القوس «إيه»، وقد بينت النماذج أن الحدث سيقع في حدود 31 مارس (آذار) المقبل بفارق خطأ يبلغ ثلاثة أسابيع، وفقا إلى غيلسين.

وما تزال السحابة على مسافة 200 ضعف المسافة الفاصلة بين الأرض والشمس من الثقب الأسود، لكنها من القرب ما يكفي لأن تشق طريقها عبر الحافة الخارجية للقرص الذي يدور كالدوامة، والذي يتألف من مواد وأجسام تحيط بالثقب وتغذيه.

وكما ذكرنا آنفا فإن الموجة التي ستولدها الصدمة الناجمة عن هذا الحدث قد تولد إشعاعات سينية وموجات راديوية يمكن للمراصد أن تكتشفها. فإذا كانت السحابة هذه تتضمن نجمة في مركزها، كما يفترض بعض علماء الفلك، فقد تولد صدمة قوية والمزيد من الضوء، وفقا إلى سيرا ماركوف من جامعة أمستردام.

وقد يكون لهذا الحدث تأثير آخر، ألا وهو الاضطرابات في السحابة التي قد تغير المسار التي تتذبذب عبره الموجات الراديوية لدى تحركها. وسيكون للملاحظات التي تجري في وقت واحد من قبل المراصد التي جرت موالفتها مع أطوال الموجات الراديوية المختلفة الفرصة لفهم هذا الانحراف بالموجات، مما سيوفر للفلكيين تفاصيل جديدة حول خصائص السحابة، وفقا إلى جيوفري باور عالم الفلك الراديوي، الذي يعمل مع «أسييا» الهيئة الفلكية التايوانية، التي مقرها هيلو في هاواي.

لكن غالبية «الألعاب النارية» قد تحدث بعد سنة على الأقل، وربما عقود. وهذا ما ستستغرقه المادة التي تمزقها السحابة، لكي تدور داخل دوامة قرص الثقب، وتقترب قريبا من جوفه بمسافة 100 ضعف مما هي عليه الآن. وفي هذا الموضع يسخن الغاز جدا لكي يشع بكثافة عالية قبل ابتلاعه تماما.