الإرهاب يغير الفنون والتقنيات المعمارية وفق أساليب جديدة ومتطورة

سلامة القاطنين تأتي قبل جمال المبنى وتقنيات الحماية قبل الاعتبارات الأخرى

TT

في الاسابيع القليلة التي تلت احداث 11 سبتمبر (ايلول)، اثار عدد من العواطف المتناقضة مخيلة مهندسي العمارة ومنها الغضب والامل والتحدي والحزن والشعور بالذنب.

بالنسبة لمصممي العمارات كان دمار برجي مركز التجارة العالمي كابوسا يتحقق، وهو تهدم الفولاذ والزجاج الذي حول رمز الهيمنة الاميركية الى حطام مشتعل. ولم يؤد الهجوم الارهابي هذا الى القضاء على آلاف الارواح فقط وانما دمر رمزا ضخما لفن العمارة الغربي بكل ما يحويه من المعرفة التقنية والتفاؤل الابداعي.

والآن بينما يتفحصون الحطام يقر العديد من المهندسين المعماريين انهم يشعرون باللوم لدمار البرجين كما يتساءلون ان كانت ضخامة البناء الجذابة هي التي سببت الغضب المضاد للاميركيين الذي انفجر في نيويورك.

وأخذ هذا التساؤل اشكالا عدة. كما تناقش المهندسون المعماريون في رسائل البريد الالكتروني والحوارات في المجامع العامة حول كيفية جعل المباني اكثر امانا دون التضحية بالابداعية او بأهمية مجتمع مفتوح جماعي، كما تدارسوا التكنولوجيات النامية للتأقلم مع الخطر والتهديد الجديدين. وبأصوات خافتة يتوقع البعض ان عصر المباني الباهظة والفاخرة على وشك الانتهاء.

وكان رد الفعل الفوري هو تحصين المباني واقامة الحواجز. ولكن اضافة لردود الفعل هذه هناك حوار خافت حول مستقبل مهندس العمارة. وحتى قبل دمار برجي مركز التجارة العالمي كان المعماريون على مفترق طرق ابداعي، وهو الخيار بين الشكل التجاري والجمالي المحافظ وبين رؤية راديكالية يدعمها مصممون بارعون مثل ليبساكيند وفرانك جيري اللذين تتميز مبانيهما بالشكل اللامتماثل.

ومع ان المقاولين لا يزالون يعتمدون على بناء ناطحات السحاب مثل ابراج بتروناس في كوالالمبور في ماليزيا فإن العديد من المدن تسعى على بناء شكلها الخاص بها مثل متحف جوجينهايم المشهور في بيلبوا في اسبانيا.

ويبدو ان المعماريين يتجهون نحو بناء مبان أصغر وأقل تكلفة وقد يبتعدون عن تشييد مبان جذابة ومميزة لدرجة انها قد تصبح أهدافا محتملة.

عمارة جديدة ومن أهرام مصر الى البوهوس، كان فن العمارة شهادة لقدرة الحضارة على البقاء والاستمرار وعلى نظرتها للعالم وحضارتها. ولكن التقلبات الاجتماعية والتيارات السياسية اثارت تغيرات جذرية في تصميم المباني. ويعتبر حائط الصين العظيم وكاتدرائية ديومو في فلورنسا في ايطاليا، التي بنيت لتحمل خطر تفجر البارود مثلين عن معالم نمت في زمن خطير.

وفي كل فترة يحدث امر كارثي يفرض على فن العمارة ان تبني شكلا جماليا جديدا، كما في اوروبا بعد الحرب العالمية الاولى. وقد ادى انهيار النظام الامبريالي لتسارع الحركة العصرية التي اعتبرت ثورة ضد كل ما اعتبر فاسدا وطاغيا. وبمثلها «الشكل يتبع الغرض» ازالت الحركة العصرية كل تزيين وتفاخر بعمارة العصر الفكتوري معيدة شكل المباني لتكون على شكل صنادق من زجاج، التي ستعيد تعريف شكل المدن الغربية.

ولكن هل من الممكن ان فن العمارة سيتعرض لتغير جذري بعد احداث سبتمبر (ايلول)؟ يعتقد اريك اورن وهو معماري في كاليفورنيا ان على المباني الجديدة ان تبين تواضعا وحذرا اكثر وان تكون ذات ادراكية اجتماعية واقل تعجرفا.

بالنسبة للعديد من المعماريين، فإن احداث اوكلاهما 19 ابريل (نيسان) 1995 عندما انفجرت قنبلة في سيارة متوقفة امام البناية الفيدرالية في ولاية اوكلاهما مؤدية لمقتل 168 شخصا غطت على كل شيء وكانت هذه المأساة مؤشرا على ان على المباني الحكومية ان تكون اقل عرضة للخطر دون التضحية بسهولة دخولها ومنظرها.

وكانت حادثة اوكلاهوما هي المدرسة التي تعلم منها الاميركيون والآن هم يطبقون ما تعلموه. اذ سيتم بناء مبنى منخفض الارتفاع مكون من اربعة طوابق فقط وسيكون بعيدا عن الشارع لمنع وقوف السيارات المتفجرة بالقرب منه. ولكن نفس المبنى سيضم الكثير من الزجاج ليضفي عليه شعور الانفتاح والشفافية. وسيظهر البناء الذي سيفتتح بعد سنتين انه يمكن للمباني الحكومية ان تكون محمية دون ان تكون مثل الحصن، وانيقة دون ان تكون فاخرة.

قبل بضعة اشهر كانت رؤية بول دورتي لفن العمارة الاميركي شبيهة بالخيال العلمي. ولكن افكاره حول المباني الذكية التي تديرها كومبيوترات اخذت تفوز برضا العديد من المعماريين والشركات التجارية الضخمة.

ومع ان العديد من المعماريين مكتئبون فهو يصر على ان النظم الامنية المدمجة مع تكنولوجيا المعلومات يمكن ان تكون الجزء الخفي من تصميم جميل. وبصرفه لكاشفات المعادن والحواجز الاسمنتية وكاميرات الرقابة فهو يتصور مباني ذكية تستخدم ماسحات متطورة للكشف عن المجرمين وانظمة الكترونية توجه الموظفين لمناطق آمنة للسلامة في المباني المرتفعة في حالة الحريق وغيرها من الطوارئ.

وكأداة لجعل المباني اكثر امنا، فتكنولوجيا المعلومات توفر الوعد والخطر بنفس الوقت، اذ يراها البعض على انها اهانة لمجتمع حر ولتقاليد المعماري الانسانية، بينما يفضلها اخرون على الكلاب التي تشم بحثا عن المتفجرات والحرس المدججين بالاسلحة.

وستمكن تكنولوجيا المعلومات المباني المتطورة من القيام بمهام كان يقوم بها الناس سابقا. وكما اصبح زبائن البنوك يفضلون استخدام آلة النقد الآلية عوضا عن التعامل مع موظف، سيتفوق الامن التكنولوجي على الاتصال الانساني في بعض البيئات في القرن الواحد والعشرين.

والبناء بذكاء سيعني ايضا تخفيف الدمار والتآكل على هذا الكوكب. ومن المحتمل ان تدفع الهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاغون بالاضافة للتقلبات في الشرق الاوسط الى انتاج التكنولوجيات السليمة بيئيا مثل انظمة التهوية الطبيعية واللوحات الشمسية والماء المكرر.

ومنذ حدوث الهجمات تبين ان هناك نوعين من المباني هي عرضة للظروف الجديدة: وهي ناطحات السحاب والمجمعات التي انتشرت في الآونة الاخيرة. وخلال ساعات بعد الحدث ادعى بعض المعلقين ان ابراج مركز التجارة العالمي المرتفعة هي التي جعلته هدفا لتنظيم القاعدة. وبالاضافة الى ذلك فقد اعاق ارتفاع الابراج عمليات الانقاذ.

لكن هذه الادعاءات كلها كانت سابقة لاوانها، اذ ان خطة دونالد ترمب لبناء مبنى مرتفع في وسط شيكاغو آخذة بالتقدم، مع انه تم خفض الارتفاع الاصلي من مائة طابق الى 78 طابقا. وفي الصين يستمر بناء مركز العالم المالي الذي سيرتفع 94 طابقا.

والآن في العديد من المدن الاوروبية والاميركية فإن فن العمارة ليس المباني التجارية الضخمة مثل ابراج مركز التجارة العالمي، وانما متاحف فنية جديدة وقاعات حفلات وغيرها من المعالم الحضارية التي اعتبرت مرارا حافزا اقتصاديا للمراكز المدنية.

وفي بداية الثمانينات اخذت مجموعة قوية من المصممين بتغيير النمط. وتضمنت هذه المجموعة لينسكايند وفرانك جيري وزها حديد المولودة بالعراق ورم كولاس الهولندي الذي يعمل حاليا في لندن.

* «يو إس توداي» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط» =