الألم يقود إلى الإرهاق ويغير المزاج ويعيق الأداء البدني والفكري

آلاف المرضى لا يحصلون على المعالجة المناسبة بسبب التخوف من الإدمان على العقاقير

TT

يؤدي الألم المزمن، الذي يعاني منه حوالي 30 مليون أميركي الى حرمانهم من كرامتهم وشخصيتهم وإنتاجيتهم وقدرتهم على الاستمتاع بالحياة. وهو أكثر الأسباب عموما الذي يدفع الناس الى مراجعة الأطباء، ويساهم في خسائر اقتصادية بمليارات الدولارات سنويا.

والألم المزمن سواء كان سببه السرطان أو عدد من الظروف غير الضارة، لا يعالج بشكل صحيح بسبب تردد الأطباء في وصف العقاقير التي تعالج الألم المزمن والمستمر الذي لا يخضع لعلاج الأدوية المعتادة، وبسبب تردد المرضى في تناولها.

وتسمى هذه العقاقير باسم «الأبيودات» Opioids، وهي مركبات طبيعية أو صناعية لها علاقة بالمورفين وتعرف بالمخدرات. وبينت عدة دراسات أن الجهل بها وسوء فهمها يعرقلان بشكل جدي استخدامها بشكل مناسب. وتفترض الدراسات أنه بسبب ذلك فان حوالي نصف عدد المرضى يعانون آلاما مرتبطة بالسرطان و80 في المائة من هؤلاء الذين ينتابهم ألم غير سرطاني، لا يحصلون على المعالجة المناسبة. ويقول الدكتور ريتشارد تشابمان من كلية الطب في جامعة يوتاه، ان بعض المرضى الذين يعانون من الألم لمدة طويلة يتغيرون نتيجة لهذا الألم. ويؤدي الألم المزمن إلى استجابة إحباط مدمرة وطويلة تتميز بظهور كميات من هرمونات الدماغ غير الطبيعية والإرهاق والمزاجية وألم العضلات والأداء الجسدي والعقلي المعوق.

* آثار الألم

* وتزيد التغيرات الكيمائية العصبية الناتجة عن الألم المزمن، من دورة الألم بزيادة حساسية الشخص للألم، وظهور ألم في مناطق لا تؤلم في العادة. ويقول الباحثون ان هذه المجموعة من الآلام، والمحدودية الوظائفية، تسبب التفكير السلبي وتولد دورة سيئة من الضغط والإعاقة. وشعور الشخص أنه غير قادر على التحكم بألمه يؤدي للضغط، والمرضى الذين يدخلون هذه الدورة لا يستطيعون الاستمرار بالإنتاجية أو عيش حياة عائلية عادية أو القيام بالتفاعلات الاجتماعية. وتقول الدكتورة جينيفر شنايدر وهي اختصاصية بادوية الادمان والتحكم بالألم انه عندما يفقد المريض الأمل في الحصول على ما يريح الألم، فان أعراض الألم وآثاره تزداد.

لم يتم الكثير من العمل للتغلب على سوء الفهم من قبل كل من الأطباء والمرضى، والذي يعيق استخدام الأبيودات لمعالجة الألم المزمن. وقد يكون الأطباء أكثر استعدادا لاستخدام هذه العقاقير لمعالجة ألم المرضى المصابين بحالات متقدمة من السرطان معتمدين على الافتراض الخاطئ التالي: «بما أن المرضى سيموتون فلا يهم إذا أصبحوا مدمنين». ولكن التردد يستمر في استخدام الأبيودات في المرضى غير المصابين بالسرطان . ولا يزال هؤلاء المرضى بدورهم يترددون في قبول هذه العقاقير إن وصفت لهم. ولا يعرف معظم المرضى الكثير عن سلامة استخدام العقاقير لمعالجة الألم لأنهم يظنون أن هذه العقاقير خطرة وستضرهم. وهم لا يعرفون الفرق بين الاعتماد الجسدي والإدمان ونتيجة لهذا فهم يخافون أن يصبحوا مدمنين.

ويقول الدكتور هنري مكاي وهو اختصاصي في الآلام في جامعة أكسفورد في بريطانيا أن «الأبيودات» هي أقوى مسكنات ألم موجودة، ولكن السياسة والتحيز والجهل المستمر لا تزال تعيق استخدام الأفيون. وما يحدث لمريض يعاني من ألم يختلف عما يحدث عندما يتعاطاه شخص لا يعاني من ألم. والاستخدام الطبي للأبيودات لا يسبب الإدمان، والقيود على الاستخدام الطبي هذا تضر المرضى.

وفي دراسات تمت على حوالي 25 ألف مريض عولجوا بالأبيودات ولم يكن لديهم أي سابقة في تعاطي المخدرات، أصبح سبعة مرضى فقط مدمنين على العقار. وما ضايق الدكتورة شنايدر هو حلقة لبرنامج «48 ساعة» بينت امرأة كانت تتعاطى عقار «أوكسيكونتن» وقالت المرأة انه بالرغم من معالجة العقار لألمها المزمن إلا انها توقفت عن تعاطيه خوفا من الإدمان عليه. ولكنها لم تتوقف تدريجيا وإنما فجأة. ونتيجة لهذا فقد عانت من أعراض الانسحاب الناتجة عن الاعتماد الجسدي على عقار.

ويؤدي الاعتماد الجسدي سواء إن كان على أبيود أو عقار كابح للمناعة إلى تغيرات جسدية قابلة للعكس في أنسجة الجسد. ولمنع أعراض الانسحاب يجب توقيف العقار بشكل تدريجي. وعادة يكون الإدمان مرضا نفسيا أو سلوكيا. ووصفت الدكتورة شنايدر علامات الإدمان، سواء الإدمان على الكحول أو المخدرات بأنها فقدان السيطرة على التعاطي، والاستمرار بالتعاطي بالرغم من النتائج الوخيمة، والهوس بالحصول على المادة.

* منافع إزالة الألم

* بخلاف المدمن والذي تصبح حياته مقيدة أكثر فأكثر بتعاطي المخدرات، يتعرض المريض الذي يتعاطى المخدرات لتخفيف الألم لنوع من الراحة عندما لا يشعر بالألم. ويشعر المدمن بذروة ما عندما يتعاطى المخدرات بطريقة تزيد مقدار الجرعة التي تصل للدماغ. ولكن استخدام الأبيودات بشكل صحيح لمقاومة الألم، لا يؤدي لأي ذروة. وعندما يعطى العقار للألم المزمن، فيكون الأبيود بشكل يعطي الجسد مقدارا منتظما خلال اليوم. ولا يحتاج المرضى لكميات متزايدة من العقار للسيطرة على الألم لأن هؤلاء المرضى لا يطورون «تحملا» للأبيود الذي يستخدم بالشكل الصحيح. ولا تدعو الحاجة لجرعات أكبر من العقار إلا إذا تم صرف كمية قليلة أولا أو أخذ الألم بالتزايد مع الزمن.

ويطور المرضى تحملا لبعض الأعراض الجانبية العامة للأبيودات بما فيها الخدر والإحباط التنفسي والغثيان ويستمر الإمساك ما دام المريض يتعاطى العقار. ولكن تعاطي الأبيود لتخفيف الألم المزمن لا يمنع الشعور بالآلام الحادة التي قد تنتج عن الجراحة أو الإصابة، فقد يشعر المريض الذي كسرت ذراعه أو أجرى عملية بمثانته مثلا بالآلام ولو تعاطى الأبيود.

وتعتبر العقارات جانبا واحدا من علاج الألم المزمن الذي لا يتجاوب مع عقارات أقل قوة. ووفقا للدكتورة شنايدر فالألم المزمن هو بذاته مرض رئيس وبالتالي قد يسبب أعراضا تؤدي للإعاقة مثل صعوبة النوم والتشنجات العضلية والإحباط.

ورغم ذلك يقوم أخصائي الألم بوصف مضادات مخففة للإحباط للمساعدة على النوم، ومرخيات العضلات، ومضادات التشنج، والأدوية المضادة للالتهاب، ومضادات للإحباط قوية لمقاومة الإحباط والزيادة في النشاط الجسدي لتحسين المزاج وتخفيف الشعور بالعجز. ومن الممكن أيضا أن تتم إحالة المرضى لأطباء نفسانيين للعلاج السلوكي-الحسي أو المعالجين الفيزيائيين واختصاصيي التغذية الاسترجاعية الحيوية وأخصائيي الإبر.

وللمساعدة في تخفيف احتمال الإدمان على العقار تقوم الدكتورة شنايدر وغيرها من الأطباء باجبار المرضى على توقيع عقد قبل صرف الأبيودات لهم يتعهدون فيه على الاعتماد على طبيب واحد وصيدلية واحدة للحصول على الدواء، وألا يتم تغيير الجرعة دون استشارة الطبيب أولا، ولا يستطيع المريض الحصول على كمية أخرى قبل الميعاد لأي سبب كان، ويتعهد المريض أن يخضع لفحوص مخدرات عشوائي إذا شعر الطبيب أن المريض يسيئ تعاطي العقار.

* نيويورك ـ خاص بـ«الشرق الأوسط» =