توظيف الأقمار الصناعية لرصد نيران الحرائق في أعماق الأرض

تقنيات فضائية وكاميرات ليزر وأجهزة القياس الحراري تساهم في رصد مواقع احتراق الفحم

TT

يستعمل الفحم عادة في البيوت الفقيرة بحرقه لتوفير الدفء للأطفال في الشتاء وهذا معروف، لكن ما لا يعرفه البعض هو ان الفحم يحترق قبل استخراجه، في باطن الارض، بكميات هائلة يعتبرها العلماء هدراً اقتصادياً قسرياً يلحق اضرارا هائلة بالبيئة وبطبقة الاوزون. وسبق للعلماء ان شخصوا حرائق هائلة تشتعل تحت الأرض اطلقوا عليها «حرائق جبال الفحم» يشتعل بعضها منذ سنوات، بعضها منذ عقود وبعضها الآخر منذ قرون.

أحد هذه الحرائق «الباطنية»، هو حريق «الجبل المشتعل» في استراليا الذي يعتقد العلماء انه يشتعل منذ 5000 سنة دون توقف. ويقول الباحثون ان هذا الجبل المطمور من الفحم اشتعل في القرن التاسع بقوة أذابت طبقات الصخور القريبة وارتفعت حرارة جوف الأرض الى السطح الأمر الذي ولد اعتقادا لدى السكان بانهم مقبلون على انفجار بركاني.

وبتقدير العلماء الالمان فان هناك آلاف الحرائق الفحمية التي تشعل جوف الأرض يتركز أهمها في الصين والهند واستراليا وشمال اميركا واندونيسيا التي يرتفع الدخان من بعض الثقوب العميقة في اراضيها. ولهذا يخطط العلماء الالمان من شركة «دويتشة مونتان تكنولوجي» DMT لإطفاء حرائق الفحم المشتعل تحت الارض في الصين، التي فشل رجال الأطفاء في مكافحتها رغم محاولاتهم المتعددة منذ 40 سنة.

* تقنيات فضائية

* ويعمل فريق الباحثين الالمان من DMT بالتعاون مع مركز تقنية الجو والرحلات الفضائية الالماني DLR لتنفيذ مشروع إطفاء الحرائق تحت الارض، وبحيث يتولى تقنيو الفضاء تشخيص مواقع حرائق الفحم العميقة عبر الأقمار الصناعية تاركين لخبراء الإطفاء في DMT مهمة دفع الماء الى الحرائق بواسطة ثقوب «آبار» يجري حفرها، كما هو الحال في تقنية استخراج النفط.

وعن الحرائق الفحمية في الصين يقول بودو جورليش، رئيس فريق العمل من DMT، ان الفحم يحترق بقوة لا تتيح حتى استخراج الفحم القريب والاستفادة منه، ولهذا فان الخيار الوحيد المتبقي هو إخماد النار. وقدر جورليش كمية الفحم المحترق هناك سنويا بحوالي 20 مليون طن تضاف اليها كمية تعادل عشرة أضعاف هذا الرقم من الفحم القريب الذي يتعذر استخراجه. وللمقارنة وتقدير الخسارة الفادحة التي تمنى بها الصين وتمنى بها البيئة، أشار جورليش الى ان إنتاج المانيا الإجمالي من الفحم في المانيا يبلغ 30 مليون طن فقط. بدأ اهتمام العلماء بقياس خطر حرائق الفحم في باطن الأرض ومدى ضررها على البيئة قبل سنوات معدودة فقط وتولى مركز DLR مؤخرا تطوير تقنية تشخيص مناطق الفحم المحترق داخل الأرض عبر الأقمار الصناعية. ويقول شتيفان فويجت من مركز DLR ان هذه الحرائق كانت تحدث منذ العصور السحيقة وتتوسع وتشتد بفعل عدة عوامل مثل البرق والصواعق وحرائق الغابات او اثناء محاولة استخراج الفحم من الأرض. حدث هذا كمثل في اندونيسيا عام 1997 بسبب حرائق الغابات التي اشتعلت في موسم الجفاف وعجز رجال الإطفاء عن إخمادها. كما تحدث بعض الحرائق «تلقائيا» في مقالع الفحم المهملة او في مناطق الفحم القريبة من سطح الأرض، حيث يتسرب غاز الأوكسجين عبر أنفاق المناجم او عبر شقوق في الأرض الى الأعماق. ويعمل الأوكسجين المتسرب على رفع درجة حرارة الصخور المعدنية الى حوالي 80 درجة مئوية، وتعمل هذه الطبقة الملاصقة للفحم بدورها على إشعال الأخير.

والمهم ايضا ان وكالة الطاقة الدولية نبهت عام 1999 لأول مرة الى مخاطر غازي الميثان وثاني أوكسيد الكاربون، اللذين يتصاعدان من جبال الفحم المحترقة تحت الأرض، على البيئة وطبقة الاوزون. ويشير فويجت الى عدم وجود إحصائيات دقيقة لمدى تأثير حرائق الفحم على البيئة وعلى ظاهرة التسخين الزجاجي الا ان علماء DLR يعتقدون ان حريق فحم الصين مسؤول عن نسبة 0.1 في المائة من ظاهرة التسخين الزجاجي على المستوى العالمي.

وعن تصور العلماء الالمان لكيفية إطفاء حريق فحم الصين ذكر بودو جورليش ان القضية تتطلب تسوية الأرض فوق مناطق الحريق بواسطة المكائن بهدف تهيئة المكان لعمل الآليات والحفارات الكبيرة . ثم يجري حفر ثقوب عميقة في الأرض في مساحة 20 * 20 مترا فوق «فوهة بركان» جبل الفحم المحترق وتضخ من خلالها كميات هائلة من الماء الى جوف الأرض حيث الفحم المحترق. ومن المهم لاحقا بعد العملية ان تتم المحافظة على طبقة الصخور المعدنية القريبة بدرجة حرارة منخفضة كي لا يشتعل الفحم تلقائيا من جديد.

وحسب معطيات جورليش فان خبراء DMT يعملون حاليا في ولاية زينجيانج الصينية على تحديد مناطق الفحم المحترق بواسطة كاميرات الليزر وأجهزة قياس الحرارة الجيوفيزياوية تاركين لعلماء DLR مهمة رصد هذه الحرائق وتحديد درجات حرارتها وتوزيعها وكميات الغازات المنطلقة عنها عبر الأقمار الصناعية في مناطق نيجكسيا الصينية ووسط منغوليا.والمهمة الأساسية لفريقين حاليا، هي كسب المزيد من المعلومات عن «جبال الفحم» المحترقة والبحث عن أفضل الطرق البيئية والاقتصادية لإطفائها.

=