«رادار الأرض» يحل مشكلة الجفاف في العالم الثالث

آلة «تتحدى الفيزياء» تخترق موجاتها الأعماق 180 مترا وتعرض صورة مجسمة لمخزونات المياه في باطن الأرض * خبراء سلاح الجو الأميركي معجبون بقدرات الرادار وعلماء الفضاء يرغبون استخدامه لكشف الماء في المريخ

TT

بينما يتدافع آلاف اللاجئين في مناطق الحدود الأفغانية ـ الباكستانية للحصول على جرعة من الماء، يجرب خسرو بختار في ملعب الغولف في سيمي هيلز آلته العجيبة التي يعتقد أنها تمثل الحل لمشكلة اللاجئين. ولا تثير الآلة لأول وهلة الثقة، إذ يبدو هذا «الرادار الأرضي» مثل جرار يسحب خلفه محراثا بدائيا. ولكن بختار ومؤيدوه يرونه شيئا جميلا جدا.

واستعرض المخترع كيف يمكن لهذه الآلة أن تكتشف موارد الماء الجوفية وتحديد موقعها، وهو أمر في غاية الأهمية لسكان المناطق الجافة في العالم الثالث، إذ يعني جفاف البئر الموت المحتم. ويقول جونز كيازي مدير منظمة اليونيسكو الذي حضر استعراض بختار أن هذه الآلة مهمة جدا. وتعلم بختار، وهو من أصل إيراني، في كل من بريطانيا وأميركا، ويعمل بعقد مع سلاح الجو الأميركي في مشروع للكشف عن الذخائر المدفونة. وكان يعمل حديثا مع منظمة «أوبريشون يو أس أيه» وهي منظمة غير ربحية متمركزة في لوس أنجليس، حول استخدام هذه التكنولوجيا لأغراض إنسانية.

* رادار جوف الأرض

* ويعود سبب حدوث هذا الاستعراض الآن الى اجتماع تم قبل سنوات بين بختار وريتشارد والدن وهو الرئيس التنفيذي لمنظمة «أوبريشون يو أس أيه». وكان والدن يدعو لزيادة تحويل التكنولوجيا من القوات العسكرية الى المنظمات الإنسانية، وكان تركيزه على التكنولوجيا التي تساعد في الكشف عن الألغام وإزالتها. وهو هدف منظمته أيضا منذ 23 سنة.

ويصعب جدا الكشف عن الألغام التي تصنع من البلاستيك وتدفن تحت التربة، لان هذه العملية محفوفة بخطر جسيم. ويعتقد بختار أن آلته قادرة على اختراق الأرض لعمق 600 قدم (حوالي 180 مترا)، وتكوين صورة ثلاثية الأبعاد حتى للأجسام البلاستيكية.

وأثناء تقديم عرض على شاشة في مكتب بختار، لاحظ والدن بقعة زرقاء في إحدى صور الرادار. وعندما استفسر عنها تبين أنها ماء. ومنذ تلك اللحظة قام بختار بتجهيز آلته للاستخدام المدني، إذ أصبحت بدرجة من السهولة بحيث يستطيع أي شخص أن يتعلم استعمالها بسرعة. ولكن يظل هناك سؤالان يجب الإجابة عليهما: الاول، هل سيدفع أحد لتجربة الرادار ميدانيا؟ ويفضل أن تكون التجربة في مخيم لاجئين في أفغانستان، حيث يدفع موظفو الأمم المتحدة مبالغ باهظة مقابل نقل الماء بالشاحنات. اما السؤال الثاني فهو هل يعمل هذا الجهاز فعلا؟ والجواب على السؤال الأول هو ربما. أما جواب السؤال الثاني فهو نعم مشروطة.

وصرحت وزارة الخارجية الأميركية أنها ستنظر في تمويل عملية تجربة الرادار الأرضي في باكستان. وصرح جوزيف براكن وهو موظف يعمل في مديرية اللاجئين والهجرة، أن دائرته تنتظر عرضا رسميا من اليونيسكو بالتعاون مع «أوبريشون يو أس أيه». أما إذا كان هذا الجهاز يعمل بالفعل، فيبدو أنه نجح في فحصه في ملعب الغولف في سيمي فالي. ولكن هناك تساؤلات وشروطاً، إذ يقول الخبراء في هذا المجال ان ادعاءه يبدو مستحيلا.

فكرة الرادار الذي تخترق موجاته الأرض ليست بالشيء الجديد فقد استخدمه علماء الأرض وشركات البترول والقوات العسكرية منذ سنوات. ولكن علماء المياه وعلماء فيزياء الأرض يقولون انه يمكن استخدامه لأعماق ضحلة مما يحد من منفعته في التنقيب عن الماء وخاصة في التربة الصعبة الاختراق مثل الطين. وفي هذه الظروف يقول جوناثان نيكويست وهو عالم فيزياء الارض، إن الجهاز لن يخترق لعمق اكثر من 30 قدما (9 أمتار). ولا يصدق نيكويست أن الجهاز قادر على اختراق اعماق تصل الى 600 قدم.

* «تحدي قوانين الفيزياء»

* لكن بختار يقول أن جهازه «يتحدى قوانين الفيزياء» بإعادة التفكير في كيفية تركيز موجات الرادار. وباستخدام عملية «الرنين المضغوط» التي تعدل طول موجة الرادار حسب البيئة، يمكن لموجات الجهاز أن تخترق أي مادة. ويمكنها أن تخترق الارض لعمق 600 قدم، لو تم تجهيز الرادار بهوائي أكبر.

ويقول أمير فيجاني وهو عالم كومبيوتر في مختبر الدفع النفاث في وكالة «ناسا» الفضائية، إن علماء المختبر أعجبوا برادار بختار الأرضي واقترحوا طرقا لاستخدامه للتنقيب عن الماء على كوكب المريخ. ويقول إدوارد جيكوبز وهو مدير مشاريع مدني في قاعدة إجلين لسلاح الجو في فلوريدا، إن الرادار كان فعالا في الكشف عن الذخائر المدفونة عميقا بالأرض في ميادين القصف، غير أن العمق ذاته ظل سريا. ومع أنه لن يفصح عما دفع الحكومة لاستخدام الرادار الأرضي، فان جيكوبز يقول إن الجهاز قد برر ثمنه في أول مرة تم استخدامه في ميدان الصواريخ في نيو مكسيكو، لأنه أغنى القوات العسكرية من استخدام أساليب أكثر صعوبة للبحث عن الذخائر غير المتفجرة.

لكن. ووفقا لـ لوالدن، لا يمكن استخدام الرادار الأرضي للبحث عن الألغام لأنها ستنفجر إذا جر الرادار فوقها. ويتحدث بختار ووالدن عن محاولة استخدام منصة من الجو مثل المركبة الهوائية لتأمين عمله، ولكن عليهما التغلب أولا على عوائق فنية.

وأثناء الاستخدام يشبه الرادار جرارا. وأثناء الاستعراض على ملعب الغولف قاده بختار مسافة 10 أمتار، ثم عاد على مسار مواز وهلم جرا، حتى غطى مساحة تقدر بـ10 X 10 مترات. وسجل كومبيوتر موصول بالجرار القراءات التي تم رسمها على خرائط. وعلى ملعب الغولف اخترق الرادار عمق 100 قدم، وبين نطاقا من الماء عثر عليه على عمق 63 قدما تحت السطح.

ووفقا للعالم المائي جيم إيفنسين وهو عالم مائي كتب رسالة دراسته العليا على حوض الماء تحت منطقة سيمي هيلز، فان البيانات المائية السائدة تبين وجود نطاق مائي ضمن 5 أقدام من هذا العمق. ويقول إيفنسين الذي حضر الاستعراض انه أعجب باختراع بختار، وخاصة لكونه متنقلا. واضاف أنه هناك أجهزة تقوم بنفس الغرض ولكنها غير متنقلة وتعتمد أيضا على الموجات الزلزالية عوضا عن موجات الرادار.

من جهته يقول تيد مويبر وهو مهندس بيئي يقوم بعمل طوعي لمنظة «جلوبل واتر» وهي منظمة إنسانية تساعد دول العالم الثالث بتنمية موارد الماء، انه لم يرى أية معدات متقدمة تكنولوجيا تستخدم للتنقيب عن الماء في المناطق الفقيرة. ويضيف ان هناك فجوة كبيرة بين توفير التكنولوجيا المتقدمة للدول النامية.

ولا يوجد هناك اي خلاف حول الحاجة للمياه، إذ وفقا للأمم المتحدة هناك 1.1 مليار شخص في العالم لا يحصلون على ماء شرب نظيف. ويموت مئات الآلاف كل عام من أمراض تتعلق بنقص الماء النقي. ويقول كياز وهو موظف في اليونيسكو انه يأمل أن يقوم بختار بتجربة جهازه في شاحنة في مخيم لاجئين أفغان. وللآن فعملية التنقيب عن الماء في العالم النامي توصف بكلمتين: التجربة والخطأ.

* لوس أنجليس تايمز: خاص بـ«الشرق الأوسط» =