شجر السرو.. لتطويق حرائق الغابات

علماء أوروبيون يدرسون سر مناعته ضد حرائق إسبانيا الأخيرة

TT

كانت شجرة السرو، الدائمة الخضرة والطويلة الحياة، رمزا للكثير من الآلهة في العالم الهيليني القديم. وهي رمز الحياة الطويلة في الأساطير الإغريقية القديمة، ورمز العالم السفلي ارتبطت بإله الجحيم (النار) بلوتو في الأساطير الرومانية. وإذ استخدمها الفراعنة في صناعة توابيت المومياوات، كتب الإغريق عليها حكم أفلاطون لعلمهم بأن خشب السرو أطول حياة من الناس.

بعد الحرائق الهائلة في إسبانيا، في صيف العام الماضي، وقع العلماء الأوروبيون على فائدة جديدة من فوائد شجر السرو، إذ أنه من المعروف أن زيت بذور السرو قد استخدم في الطب منذ الحضارات القديمة في العراق ومصر واليونان وإيران والمكسيك، لكن لم يربط أحد بين شجر السرو والحرائق إلى الآن. فقد خلفت النيران في صيف العام المنصرم مساحات شاسعة من الأرض المحروقة قرب فالنسيا، لكن العلماء الإسبان وقفوا حائرين أمام مظهر غابة من شجر السرو لم تمسها النيران، وبقيت «واحة» خضراء جميلة على أرض الغابات المحترقة السوداء.

* ظاهرة غريبة

* وشارك 30 عالما نباتيا، من مختلف بلدان أوروبا، في دراسة هذه الظاهرة العجيبة في سبتمبر (أيلول) الماضي في الغابات الإسبانية في فالنسيا. وكانت هذه الظاهرة هي نجاة غابة صغيرة، بمساحة ملعب كرة قدم، من أشجار السرو، من حرائق أتت على 200 ألف هكتار من الغابات الخضراء في إسبانيا.

وذكر الباحث الإسباني بيرنابي مويا أن النتائج الأولية للدراسة تثبت بأن السرو لا يحترق بسهولة، ولا يمكن لشجرة السرو أن تحترق إلا إذا كانت متخشبة تماما (ميتة). وهذا أثار لدى العلماء حافز معرفة سر هذه المناعة الظاهرة على حرائق الغابات، ومن ثم التفكير في طريقة لاستخدام أشجار السرو في تطويق هذه الحرائق. كانت غابة السرو الصغيرة محاطة من كل جانب بأشجار الأيك والسنديان والجوز والبلوط... إلخ، وأتت النيران على كل هذه الأشجار العملاقة، لكنها دارت حول شجيرات السرو، واستمرت في حرق الغابات خلفها دون أن تمس شجرة سرو واحدة.

ويرى الباحث باولو رادي، من معهد الأبحاث النباتية في فلورنسا، أن أشجار السرو تمنع نمو الأحراش والحشائش والنباتات السريعة الموت تحتها. فجذور السرو تمتد قريبا جدا من سطح الأرض ولا تذهب عميقا في الأرض إلا نادرا. ويبدو أن ما يحتويه خشب السرو من مواد عطرية، تستخدم في الطب، تبعد النباتات الحرشية الصغيرة من النمو تحتها. وهذا لا يعني، حسب رادي، سوى «عدم وجود حطب للنيران تحت وقرب شجرة السرو. وتتحول المنطقة المحمية من النيران إلى مساحة واسعة بفعل نمو أشجار السرو بكثافة قرب بعضها».

* ردع النيران

* النظر بعين فاحصة إلى الأرض قرب أي شجرة سرو يكشف ما بقي خافيا على البشر منذ ملايين السنين. إذ لا يشاهد المرء تحت شجرة السرو غير أوراقها الأسطوانية الصغيرة المتساقطة عنها، والتي لا تصلح كثيرا للاشتعال، إلى جانب الحصو والصخور الصغيرة. وكشفت الفحوصات أن السرو ليس قادرا على وقف زحف النار على الأرض فحسب، وإنما يردع انتقال النار من ذروة شجرة إلى أخرى. فإن أوراق السرو الإبرية لا تفقد ماءها بسهولة، وتبقى رطبة رغم درجات الحرارة العالية والجفاف في الصيف، ولا يجب أن ننسى هنا تفاعل هذا الماء مع الزيوت التي تحتويها الأغصان والأوراق، والتي تردع النيران أيضا.

لم تكتمل التجارب بعد، لكن مويا يعتقد بأن صمغ الراتينج في جذع شجرة السرو يلعب دورا أيضا، مع بقية المواد الأثيرية والزيوت فيه، في جعل خشب السرو الأخضر عصيا على النيران. ولا يترك الانتقال بالفحوصات إلى مناطق الغابات التركية، التي تعرضت إلى الحرائق في العام الماضي، أي مجال للشك في قدرة السرو على مقاومة النيران. فالنيران القوية، والجفاف، حولا أشجار السرو إلى أشجار بنية اللون، وشبه جافة، إلا أنها لم تحترق. وبعد أن ظهر في المختبر، أن خشب السرو أقل اشتعالا وأكثر مناعة من الأخشاب الأخرى على النيران، تم تأسيس مشروع «سايب فايرCypeFire»، وشاركت فيه 10 دول شرق أوسطية، بهدف مواصلة البحث في أشجار السرو، ومن ثم البحث عن وسائل جديدة تتيح استخدامها ضد الحرائق مستقبلا.

ويبدو أنه يجب على العلماء أن يوحدوا آراءهم قبل البدء بتطويق الغابات بأحزمة من غابات السرو بهدف تطويق مناطق غابات الحرائق. فالباحث تونجاي نايسي، من جامعة أكدينيز التركية، عبر عن خشيته من الإخلال بنظام الطبيعة من خلال وقف حرائق الغابات، ومن خلال نشر زراعة السرو على هذه الشاكلة. واعتبر نايسي بقايا الأشجار المحروقة ضرورية لنمو وحياة نباتات أخرى، كما أن تقليل الحشائش والأحراش، التي يقمع السرو نموها قرب جذورها، يعني منع هذا «الغذاء» عن مجموعة كبيرة من حيوانات الغابات الصغيرة والحشرات. هذا مع ضرورة مراعاة عدم تخريب بيئة أنواع أخرى من البكتيريا والفطريات وغيرها.

من جهته دعا راؤول لاكاله، مدير عام الغابات في مدريد، إلى المزيد من الأبحاث حول الموضوع، لأن نجاة غابة السرو من حرائق العام الماضي قد يتعلق بتغير اتجاه الريح، أو بعوامل أخرى. وعبر عن اعتقاده، في حديث مع «برلينير تسايتونغ» بعدم وجود شجرة مضادة للنار.

* جنس نباتي فريد

* والسرو هو جنس نباتي شجري يتبع الفصيلة السروية، ومن أهم أنواعه هو سرو منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. ويحتوي السرو على زيت طيار يضم الباينين والكامفين والسيدرول.

وووفقا لما أوردته صفحة «ويكيبيديا» فإن السرو شجر تزيين له زهاء خمسة عشر نوعا تتصف جميعا بأنها مورقة، وبراعمها مغطاة بالأوراق. أما أوراقها فهي عروية مستديمة الخضرة، حرشفية متقابلة، مفلوقة، وتكون مرصوصة على أربعة صفوف. أما أزهارها فهي ثنائية الجنس وأحادية المسكن، وتكون الأزهار الذكرية متماسكة يتراوح عددها بين 6 - 14. وبذورها تكون صغيرة ومجنحة. أما الأزهار الأنثوية فتحتاج إلى سنتين كي تنضج، ويبقى بعضها مغلقا داخل الكيس إلى أن تنفتح بتأثير نيران الحرائق كمثل. يصل ارتفاع شجرة السرو إلى 30 مترا وهي بطيئة النمو وخشبها عطري.

عمر الشجرة 12 - 15 مليون سنة، وهي رمز للتمسك بالأرض والوطن. وزيت بذور السرو مستخدم منذ قرون طويلة كمادة مطهرة وخافضة للحرارة، وكعقار لتحفيز الإدرار ومعالجة البواسير، وضد التشنجات، وللتعرق، وكمادة تساعد في اندمال الجروح، وضد آلام المفاصل. كما أنه مادة طاردة للحشرات ويستخدم بكثرة في صناعة المواد التجميلية.

وتعتقد الديانات السماوية أن النبي نوح بنى سفينته من خشب السرو القوي. واستخدم شجر السرو حتى الآن في الأحزمة الخضراء حول المدن لصد الرياح القوية والعواصف الترابية.