ساحات وأماكن عامة.. في المدن العصرية المكتظة

لتحسين معيشة سكانها وحياتهم اليومية

مواقع ترفيهية على ضفة نهر التيمز في لندن
TT

واحد من أكبر التحديات التي تواجه الأشخاص المعنيين بتشييد المدن، هو إنشاء الأماكن المفتوحة، كالحدائق والساحات، وحتى الشوارع التي تحدها الأشجار من الجانبين. واستنادا إلى بيانات الأمم المتحدة، فإنه ومع حلول عام 2050 سيعيش 70% من سكان العالم في المدن، حيث سيبلغ تعدادهم 6.29 مليار نسمة، أي بزيادة 50% عما عليه اليوم. فأين سيجد كل هؤلاء أماكن للتنفس والعيش والتشارك بالحياة؟ وقد شاركت مؤسسة «غينسلر» الهندسية الأميركية ومكاتبها الـ43 حول العالم في العام الماضي، في مشروع لوضع تخيلات عن مثل هذه المساحات العامة المفتوحة غير المتوقعة في مدن العالم. والفكرة هنا بسيطة: العثور على شيء لم ير، أو يعرف، أو يشاهد قبل ذلك. أي التعرف على مكان مفتوح في مدينتك، وإعداد تخيل له مثل ساحة. وتراوحت الأفكار والتخيلات هنا بين أنواع جامحة شاذة، وعملية.

* مدن أميركية

* في نيويورك توجه الفريق إلى شوارع مانهاتن، وتيقن من الفسحات المهدورة في بعض شوارعها. وعن طريق تأسيس عدة من الأجزاء والأدوات موجهة نحو ربط المرافق السكانية بعضها ببعض عن طريق استراتيجيات مرنة، اقترح الفريق إقامة شبكة طولية من المجمعات السكنية بحدائق طولية في بعض أحياء المدينة، مصممة للقيام بمهمات محددة، كتصريف النفايات مثلا، وتوليد مخصبات حيوية، وتوليد الطاقة المتجددة من طاقة الشمس، واحتجاز مياه العواصف والأمطار.

ومن بين هذه المرافق إفراد ردهات ومساحات مغطاة بمظلات من الخلايا الكهروضوئية، ومحطات عامة لشحن الكهرباء تعمل بالأشعة الشمسية التي تستطيع على الحدائق، فضلا عن برك المياه التي تغذيها الأمطار، مع رفوف لإيقاف الدراجات الهوائية التي تقوم أيضا بجمع مياه الأمطار، وتعمل أيضا كمشاتل للزراعة المائية، إضافة إلى حمامات دش مسخنة مياهها بالطاقة الشمسية، وصناديق لجمع النفايات الخضراء، مع معالجتها على صعيد المجموعات السكنية للانتفاع منها واستخراج غاز الميثاين منها، التي تسخن مياه حمامات السونا وتدفئ المكتبات العامة. في لاس فيغاس طور الفريق استراتيجية لتحويل شارع «ستريتسكايب» الرئيسي الشهير فيها إلى ساحة رئيسية للمدينة التي يؤمها 40 مليون سائح سنويا، فضلا عن سكان المدينة البالغ عددهم مليونان. كما طور هياكل معيارية على شكل مكعبات مصممة لاستيعاب تشكيلة واسعة من النشاطات والخدمات التي وصفت بـ«الفسيفساء المدنية»، أو «الحضرية». ويمكن لهذه المكعبات دمجها بأي عدد من التنظيمات والمخططات، لتحويل هذا الشارع الطويل إلى مكان عام لإقامة الاحتفالات، الصغيرة أو الكبيرة منها.

* مدينة هندية

* أما فيما يتعلق بمدينة بانغلور التي يبدو أنها أدارت ظهرها لمشكلة البحيرات الكثيرة القذرة والملوثة التي تشوه طابعها، فقد اقترح الفريق تحويل إحداها إلى ساحة عامة عن طريق تحسين بيئتها وتطوير خبرة لها معنى للمواطنين، للاهتمام بالبحيرات والعيش بجانبها، وإنشاء نموذج للبنية الأساسية الخضراء تتجذر عميقا في الثقافة المحلية.

ورغم أن هنالك الكثير من الأماكن العامة المؤسسة جيدا في لندن، يبدو أن أفضلها نجاحا ستكون في قلب البلديات والأحياء الإدارية الفردية. وقلما تعتبر هذه الأحياء الأماكن العامة أنها تقع خارج حدودها. وهذا ما دفع بفريق «غينسلر» باعتبار المكان العام المدني المفتوح، جزءا من شبكة هذه الأمكنة، التي بدت كالجمع بين الأماكن والأقسام العامة المفردة عبر حدود المناطق، لتشكل المكان العام الكبير الذي يتجاوز بضخامته مجموع بعض هذه الأقسام.

وفي العاصمة الأميركية واشنطن أخذ فريق «غينسلر» بالاعتبار مهمة الربط بين ضفتي نهر بوتوماك، لا عن طريق الجسور، بل عن طريق جعل المزيد من الأشخاص يركزون على الأماكن العامة، وتوفير سبل الاجتماع فيما بينهم والتنقل بين أرجاء المدينة ومراكزها المهمة.

* «سانتاندر» الإسبانية منصة اختبار للمدن الذكية

* مدينة سانتاندر في شمال إسبانيا معروفة جدا بشواطئها البحرية، فضلا عن مؤسستها المالية التي تحمل اسمها. وهي الآن تحتل موقعا متقدما كمنصة اختبار لتقنيات المدن الذكية. فعلى مساحة ستة كيلومترات مربعة في مركز المدينة جرى تركيب 10 آلاف أداة استشعار على أعمدة مصابيح الإنارة، والجدران، وتحت الطرقات، التي ترسل البيانات التي تجمعها، إلى نظام مركزي لتقنيات المعلومات.

والمدينة هي عبارة عن مشروع للأبحاث بتمويل رئيسي من الاتحاد الأوروبي، بحيث يكون نظام تقنية المعلومات في الجامعة موجودا، بدلا من بلديتها. ويدير النظام هذا مجموعة أبحاث برئاسة لويس ميونوز من جامعة كانتبريا، التي مقرها المدينة هذه. بيد أن للحكومة المحلية الحق في الوصول إلى هذه المعلومات، وكذلك الـ180 ألفا من سكانها، وذلك عبر تطبيق يدعى «بالص أوف ذي سيتي» (نبض المدينة) يجري تنزيله على هواتفهم الذكية.

ومن جملة المعايير التي يجري رصدها، جودة الهواء، وضغطه، ودرجة الحرارة، والرطوبة، والضجيج، وحركة السير، ورصد إضاءة الشوارع وتعديلها حسب الطلب، وكمية النفايات التي يجري جمعها، لكي تقوم السلطات المعنية بتفريغها. وسيجري قريبا تركيب مستشعرات أخرى خاصة بالتربة، بغية ري الحدائق وأشجار الشوارع ونباتاتها. ويمكن لهذا النظام تحديد موعد وصول الحافلات، وغيرها من المعلومات. كما يمكن لمستخدمي الهواتف مثلا، التقاط صورة لحفرة في الشارع وإرسالها مع موقعها الجغرافي للسلطات لإصلاحها وترميمها. ومثال هذه المدينة يجري تطبيقه حاليا في كل من غيلدفورد قرب لندن، وليوبيك، وبلغراد.