آفاق الفحص الوراثي.. للأمهات الحوامل

لتشخيص العيوب الخلقية والحفاظ على سلامة عقل الوليد الجديد

TT

النساء الحوامل يمكنهن مع أزواجهن فحص كروموسومات الطفل الذي لم يولد بعد، عن طريق فحص المياه المحيطة بالجنين في الرحم للتأكد من عدم وجود عيوب خلقية. لكن القليل منهن يفعلن ذلك نظرا لأن هذه العملية غير مريحة، لأنها تشمل إدخال إبرة كبيرة داخل الكيس الأمنيوسي الذي قد بسبب طرح الجنين في حالة واحدة من 400 حالة.

ولطالما أمل الباحثون في تطوير بديل غير مزعج، إذ منذ قيام العلماء في التسعينات من القرن الماضي باكتشاف أن دماء الحوامل تحتوي على كميات كبيرة من الحمض النووي الخاص بالجنين وهم ينظرون أن بمقدورهم استخدام هذه المادة الوراثية لاختبار العوامل غير الطبيعية في الجنين، مثل وجود نسخة إضافية من الكروموسوم 21 المسبب لمتلازمة داون.

* اختبارات وراثية ويبدو أن التقنية قد نضجت حاليا، فالكثير من الشركات قامت بطرح اختبارات وراثية تستخدم خلالها الدم المسحوب من الأم. ومثل هذه الاختبارات يمكن إجراؤها في وقت مبكر من الحمل، قبل إجراء فحوصات المياه الجارية عادة، مما يعني أنه لو دلت النتائج على وجود أمر غير طبيعي فإنه سيكون للآباء والأمهات الوقت الكافي لدراسة مسألة طرح الجنين والتخلص منه، أو الاستعداد لاستقبال طفل ذي احتياجات خاصة.

ونظرا لأن مخاطر فحوصات الدم ضئيلة جدا، فإن استخداماتها تكون عادة على نطاق واسع، مقابل خمسة في المائة فقط من النساء الحوامل اللواتي يلجأن إلى فحوصات مياه الرحم. والمهم هنا هو أنه مع تزايد دقة هذه الاختبارات، سيكون بالإمكان تحري المزيد من الاختلافات الوراثية، بعضها أكثر تعقيدا وخطورة، وينطوي بعضها على إمكانية الإصابة بالأمراض والاختلالات الخلقية والصحية.

ومن أوائل الاختبارات الموسعة التي وصلت إلى الأسواق، تلك التي تكشف عن نطاق واسع من العيوب الخلقية، وعن عدد من الكروموسومات غير الطبيعية. والكثير من المختبرات الأميركية تقدم اختبارات وفحوصات تتناول البحث عن «ترايسوميس – trisomies» (وجود ثلاث نسخ من الكروموسومات بدلا من نسختين) الذي هو نسخة إضافية عن الكروموسومات 13، أو 18، أو 21 التي تسبب متلازمة باتو، وإدواردز، وداون، على التوالي، وبعضها يتعرف على عدد شاذ من الكروموسومات. وخلال الخريف الحالي وسع مختبر «سكيونيوم» اختباراته لتشمل حالات إضافية من «ترايسوميس»، إضافة إلى رصد حالات «microdeletions» (أي إزالة أو إلغاء على المستوى الميكروي)، عندما يكون الحمض النووي مفقودا، بما في ذلك ما يسبب متلازمة داي جورج، وكراي - ديو - شات، وبرادر - ويلي أو أنغلمان. وتتراوح أسعار فحوصات هذه الشركات أو المختبرات من ألف إلى ثلاثة آلاف دولار.

* رصد العيوب الوراثية لكن كل هذه الفحوصات لا تحل محل فحص مياه الرحم الذي يبقى المقياس الذهبي للدقة. لكن يمكن القيام بهذه الفحوصات في الأشهر العشرة الأولى من الحمل التي قد تساعد في التعرف على الحوامل اللواتي قد يحتجن إلى المزيد من الفحوصات. وستقوم هذه الشركات بتعديل هذه الاختبارات لتشمل عددا متزايدا من الحالات الوراثية، بما فيها النادرة منها جدا. والاتجاه السائد هنا هو اكتشاف القليل والقليل جدا من التمسخات والتحولات، كما يقول جونثان شينا كبير التقنيين في «ناتيرا» الذي يتوقع التعرف على أمراض يسببها مورث (جين) واحد، مثل التليف الكيسي، و«تاي - ساشس»، والورم العصبي الليفي، التي ستصبح جميعها من الحقائق التجارية.

في هذا الوقت استخدم الباحثون وسائل موسعة بغية وضع سلسلة للخريطة الوراثية الخاصة بالجنين. ففي العام الماضي 2012 قامت مجموعة برئاسة عالم الوراثة جاي شينديور من جامعة واشنطن بتحليل دم الأم وعينة من لعابها، للوصول إلى هذا الهدف. كذلك قامت مجموعة ستيفان كوايك من جامعة ستانفورد في العام ذاته باستخدام دم الأم للوصول إلى الـ«إكسوم» (exome) الجنيني الذي يتألف من أجزاء مرمزة من الجينات.

والآن من بمقدوره أن يتكهن أين هي الاختلالات التي سيمكن علاجها بعد 20 أو 30 سنة من الآن؟ تماما كمحاولة الآباء والأمهات معرفة مدى ذكاء أولادهم في المستقبل أو طول أجسامهم؟ يبدو أن الباحثين لا يزالون يشكون بإمكانية ذلك في المستقبل القريب.

لكن قد يكون السؤال الكبير هو: ما المعلومات التي سيكون لها معنى وصدى بالنسبة إلى الآباء والأمهات؟ خصوصا أنها لعبة خطرة، إذ من المعروف أن التحورات التي تحصل على الجين «BRCA1» مرتبطة جدا بسرطان الثدي، لكن لسوء الحظ فإنه في الكثير من هذه الحالات يقال للمصابات إنهن يعانين من اختلاف أو تمسخ طفيف غير مهم. وقد يكون تقدير درجة هذا المهم أمرا سيئا.

ويقول شينديور في حديث نقلته مجلة «تكنولوجي ريفيو» الأميركية، إنه وبالمثل عندما يتعلق الأمر بالمسائل المهمة والمعقدة، مثل الإعاقة الإدراكية، فإنه ليس من الواضح فائدة مثل هذه الاختلافات التي لها علاقة بالعجز والإعاقة. وتبين الأبحاث على سبيل المثال أن الأشخاص الذين يعانون من ازدواجية أو تكرار بالكروموسوم 16، فإنهم يكونون معرضين جدا للإعاقة العقلية، فبعضهم مصابون بحالة شديدة منها، والبعض الآخر معافى تماما وطبيعي جدا، استنادا إلى ويندي شنغ مدير الأبحاث الوراثية في جامعة كولومبيا.