الخبراء يحاولون فك لغز الأفاعي الطائرة

مسطح جسمها وقادرة على الطيران

TT

تخيل حية مزخرفة بلون أخضر ليموني تتدلى من أحد الأغصان. ولدى رؤيتها فريستها تنطلق فجأة في الهواء، وهي تتلوى بجسدها حتى تحط على شجرة بعيدة. الأفاعي الطائرة تبدو وكأنها مخلوقات في فيلم رديء، لكنها حيوانات محلقة جيدة طورت لنفسها مهارة خاصة تميزها عن غيرها. وكان المهندسون قد استخدموا في دراستين جديدتين عمليات محاكاة محاولين حل لغز هذه الزواحف الخالية من الأجنحة التي تستطيع البقاء محلقة، على الرغم من خلوها من الزوائد التي تمكنها من الطيران.

تقوم هذه الأفاعي لدى تحليقها بتحويل شكلها إلى مقطع عرضي مباعدة من بين ضلوعها مفلطحة أجسامها. وعن طريق الحسابات الكومبيوترية والنمذجة الطبيعية، اكتشف الباحثون أن مثل هذا الشكل الذي يمكن تكييفه وتطويعه يساعد في أن تصبح الأفعى أكثر انسيابية ديناميكيا متيحة لدوامات الهواء فوق أجسادها، سحبها إلى الأعلى.

«شيئا فشيئا تمكنا من تشييد نظرية عن كيفية تفاعل الثعابين مع الهواء لتوليد قوة دافعة إلى الأعلى»، كما يقول مهندس الطيران والفضاء لورينا باربرا من جامعة جورج واشنطن الذي أشرف على دراسة نشرت في نشرة «فيزياء السوائل» شهر مارس (آذار) الماضي. في الأعاصير مثلا تقع المنطقة المنخفضة الضغط في مركزها، أو وسطها، أي في عينها. وعلى النمط ذاته اكتشف الباحثون مناطق منخفضة الضغط تتشكل في أعلى جسم الأفعى مولدة قوة من السحب لغرض الارتفاع في الهواء. وبالتعاون مع خبير الأفاعي الطائرة جايك سوشا من معهد فيرجينيا للتقنيات في أميركا، تمكن باربرا أن يكون نظرة عن دوامات الهواء عبر محاكاة معقدة لتدفق الهواء على الكومبيوتر.

وفي دراسة سابقة أعدها سوشا، ونشرت في صحيفة «جورنال أوف إكسبيريمينتال بيولوجي» في يناير (كانون الثاني) الماضي، جرى أيضا التحقق من الشكل المفلطح (المسطح) عن طريق استخدام نموذج مطبوع بالأبعاد الثلاثة لثعبان مغطس في خزان بماء ينساب ويتدفق. وقد وجدت كلتا الدراستين أن الحيوان الزاحف هذا يتمتع بقدرة ممتازة على توليد قوى رافعة إلى الأعلى.

إنها تدعى «الأفاعي الطائرة»، لكن الأصح القول بأنها سيدة التحليق الانسيابي. وهي توجد في الأراضي المنخفضة من الغابات المطرية في جنوب شرقي آسيا وجنوبها. وهي مخلوقات صغيرة لا يزيد طولها على عدة أقدام، وبقطر لا يتجاوز أصبع حمرة الشفاه الذي تستخدمه السيدات. لكنها لدى قفزها من فوق شجرة عالية بارتفاع 30 قدما مثلا، يمكنها أن تصل إلى مسافات أفقية تبلغ عشرة أضعاف طول جسمها.

* انسيابية بدنية

* وبوصفه كيميائيا بيولوجيا يعمل سوشا في دراسات تتقاطع بين علمي البيولوجيا والفيزياء، وقد درس الأفاعي الطائرة لفترة 20 سنة. ولاحظ أن العلماء يعرفون الكثير عن تحليق الطيور، لكن القليل من الأعمال أنجزت عن تحليق الأفاعي، على الرغم من أنه جرى التعرف على هذه المخلوقات لأول مرة في أواخر القرن ألثامن عشر، عندما تمكن بعض العلماء البريطانيين في جنوب شرقي آسيا، من رؤية واحدة من هذه الأفاعي عبر حديقة الشاي.

ويبدأ تحليق مثل هذه الأفاعي بقفزة صغيرة قبل أن تمدد جسمها إلى أقصاه. وهي تكسب سرعة بانقضاضها السريع لتقوم بعدها في منتصف التحليق بمباعدة ضلوعها لتجعل جسمها المستدير عادة، يتفلطح ويتسطح. وبعد ذلك تتخذ الشكل التموجي S قبل أن يتخذ مسار التحليق في النهاية خطا أفقيا لدى الانسياب إلى الأمام.

وخلال التجارب الأولى قام سوشا بتصوير الأفاعي وهي تنقض من أغصان الشجر، مستخدما عدة كاميرات مركبة على زوايا مختلفة بغية التقاط وصف دقيق لهندسة طيرانها. وعن طريق استخدام هذه البيانات والمعلومات، قام بإنتاج نموذج ثلاثي الأبعاد لجسم الأفعى المفلطح الذي شكل الأساس لعمليات المحاكاة الكومبيوترية التي قام بها باربرا ونموذجه الطبيعي في عملية دفق السوائل.

ويقول باربرا: «إن هذه الأشكال هي على درجة عالية من الكفاءة في توليد قوة الرفع لدى وضعها وفقا إلى زوايا الهجوم العالية»، التي هي زاوية الجسم المسطح مقابل مسار الجسم عبر الهواء. و«تعمل عادة أجنحة الطائرات بزوايا هجوم منخفضة جدا».

ووجد سوشا أن الأفاعي تميل إلى زوايا هجوم بمقدار 20 إلى 40 درجة. وتكون بعض أجزاء جسم الأفعى بزاوية عمودية بالنسبة إلى مسار التحليق، لتتحول إلى أقسام صغيرة من الجناح، وبذلك فهي تضرب الريح جانبيا مولدة المزيد من قوة الرفع. «لكن إذا كان المقطع العرضي مستديرا، فإنه يستحيل على الأفعى الانسياب شراعيا وفقا إلى تخميننا»، كما يقول.

ويقول سوشا: «عندما تنساب الأفعى شراعيا، فإنها في الواقع تتحرك بشكل دراماتيكي عبر الهواء»، ملاحظا أن جميع الحيوانات المنسابة الأخرى تفعل ذلك وأجسامها ساكنة جامدة، «لكن الأفعى تفعل ذلك وكأنها تسبح في الهواء». وأخيرا يعلق سوشا: «لم نتمكن بعد من حل جميع الألغاز حول كيفية تحليق هذه الأفاعي، لكن هنا تمكنا من حل جزء من هذه الأحجية أو اللغز».

* خدمة «واشنطن بوست»