زرع الوجوه.. ما يزال يواجه تعقيدات كبيرة

مراجعة نتائج 28 عملية جراحية تشير إلى سلامة الطريقة

د. إدواردو رودريغز
TT

عندما جرى لأول مرة في العالم زرع وجه بشري بفرنسا عام 2005 تصدر الخبر عناوين الصحف العالمية، وأحدث اختراقا في العالم الطبي، لكن مستقبل هذه العملية لا يزال مثار شكوك كبيرة، فقد توجب على الجراحين الذين أجروا عملية جراحية على امرأة فرنسية في الـ38 من العمر، التي نهش كلبها وجهها، أن يتجاوزا اعتراض الهيئات الطبية الرفيعة التي أعلنت أن هذه العملية غير أخلاقية. وشملت قائمة النقاد، الجراحين الذين خسروا في المنافسة للقيام بعملية زرع الوجوه الأولى، والذين أعلنوا لاحقا أن الفريق الرائد الذي أجرى العملية لم يتبع التوجيهات القانونية والأخلاقية.

لكن مراجعة أولية شاملة لكل عملية زرع وجه منذ ذلك الحين، وعددها 28 عملية، بينت أنها أجريت في سبعة أقطار، بما فيها العملية الفرنسية الأولى، من دون حساب عمليتين أجريتا في تركيا. وقد أزالت المراجعة الكثير من تلك الشكوك.

* عملية جراحية سليمة وكان التقرير الذي نشر أخيرا على الإصدار الإلكتروني من دورية «لانسيت»، قد ذكر أن هذه العمليات سليمة بوجه عام، وقابلة للاستمرار، وينبغي توفيرها للمزيد من المرضى. إلا أن إقرار هذه العمليات يشوبه بعض الحذر والتحفظ، إذ يلاحظ الباحثون أن العملية ما تزال في طور التجارب، وخطرة، (وتكلف 300 ألف دولار على الأقل)، وينبغي اختيار المرشحين لها بدقة وعناية، ففي أعقاب العملية يواجه الذين تلقوا وجوها جديدة مخاطر مستمرة من حدوث عدوى، والتهابات، وردود فعل من العقاقير السامة المضادة لرفض الأعضاء. لكن الدورية الطبية أضافت أنه بالنسبة إلى الكثير من ضحايا الاضطرابات والتشوهات الوراثية، والإصابة بالأعيرة النارية، وعضات الحيوانات، والحروق، والحوادث الأخرى، فإن عمليات الزرع هذه من شأنها أن تسهل، أو تقضي على التشوهات العميقة التي تترك ضحاياها هدفا للتهكم والسخرية، والتمييز، والعزلة، ومن ثم الكآبة الشديدة.

وغالبا ما تكون أساليب الترميم غير مناسبة، ويمكن أن تنتج عنها ندوب خطيرة، وتشوهات في جسم الضحايا التي تزال منه الأنسجة لنقلها إلى منطقة الوجه. وخلافا لكل ذلك، فقد غيرت عمليات زرع الوجوه حياة جميع الذين أجريت لهم هذه العملية من الأحياء تقريبا. فقد استعادوا قدرتهم على تناول الطعام والشراب، والتكلم بشكل مفهوم، فضلا عن حاسة الشم، والقدرة على الابتسام، والغمز. كما أن الكثيرين منهم خرجوا من العزلة والكآبة، في حين عاد أربعة منهم إلى أعمالهم، أو مدارسهم.

* وجه جديد إن فكرة قيام أحدهم بوضع وجه شخص آخر، أخاف مبدئيا بعض النقاد. لكن بخلاف مثل هذه المخاوف، لم يكن المتلقون يشبهون بوجوههم الجديدة الغرباء الذين تبرعوا بها.

والوجه الجديد هنا «هو مزيج فريد من وجه المتبرع والمتلقي معا، وليس وجه الأول فقط الذي كنت تلقاه في الشارع»، كما ذكر الكاتب الرئيس للمقال في «لانسيت»، الدكتور إدواردو رودريغز من مركز «إن واي يو لانغون الطبي» في نيويورك الذي يحمل درجات علمية في الطب، وجراحة الأسنان، والذي قاد الفريق الذي أجرى عملية الزرع الكاملة للوجه عام 2012 في جامعة ماريلاند بأميركا.

وأضاف رودريغز أنه وزملاءه الذين كتبوا المقال، قضوا سنة واحدة تقريبا يراجعون الأخبار، والمجلات الطبية، ويقابلون الجراحين الآخرين الذين أجروا 28 عملية زرع للوجه. ومن بين هذه 11 عملية زرع كاملة للوجه. ونظرا لانعدام وجود بروتوكول عادي لزرع الوجوه، ركز كتاب المقال على تحليل عوامل معينة تتعلق بالمناعة الجسدية، والتأثيرات النفسية، وغيرها من السلوكيات والقدرات الوظيفية بالنسبة إلى 18 متلقيا من الذين تتوافر عنهم معلومات كاملة. وكانت بعض المعلومات هذه مثيرة للدهشة، فالوجوه الجديدة كانت شبه مخدرة فاقدة للحس، كما لو أن المتلقي قد جاء لتوه من عند طبيب الأسنان. وكان هذا الإحساس يدوم شهورا عدة. وقد شكك المشككون في أن يستعيد هؤلاء إحساسهم الطبيعي ثانية، كالشعور بالنسيم يلامس خدودهم، أو شم عشب الحدائق بعد قصه. لكن بعضهم نجح في ذلك، بعد ثلاثة أشهر من إجراء العملية.

وذكر بعض النقاد أن إبراء العصب وتماثله للشفاء، قد يستغرق طويلا قبل وصوله إلى خصائصه الكاملة للقيام بأعماله. ومثال على ذلك أثناء الأكل والتهام الطعام، رغم أن استعادة المهام الحركية كانت أبطأ، فقد تطلب من بعض المرضى ستة أشهر كي يجعلوا شفاههم الجديدة تقترب بعضها من بعض، وثمانية أشهر لإغلاق أفواههم. وخلال ثلاثة أشهر، تمكن بعضهم من التهام الطعام، والتفوه بنطق وحديث مفهوم. أما عملية الابتسام، فقد تحققت لاحقا بعد سنتين تقريبا، واستمرت في التحسن بعد ثماني سنوات.

وليس من المستغرب أن السبب الذي يدعو إلى النجاح كان الجهد الصارم قبل العملية للتعرف على المرشحين الذين كانوا مدفوعين ومتحمسين في التقيد ببرنامج مضاد لرفض الجسم للعضو المزروع، والمدعومين بقوة اجتماعيا. إلا أن تقرير من المرشحون كان من الأمور الشاقة والمرهقة، أكثر من الجراحة ذاتها التي تستغرق عادة أطول من يوم واحد. فقد يتطلب الأمر من الجراحين قضاء سنوات في التدرب على مثل هذه العمليات، وقضاء أشهر غيرها في البحث عن متبرع من البنية ذاتها، ومن التركيب العظمي ذاته، وغيرهما من الخصائص والصفات المهمة.

* خدمة «نيويورك تايمز»