حلم طيار يمهد لأول رحلة تجارية إلى الفضاء

«سبايس شب 2» تنطلق بستة ركاب هذا العام

طائرة «سبايس شب 2» الفضائية وفي الاطار الطيار ديفيد ماكاي
TT

عندما تنطلق الرحلة الأولى التي تنظمها شركة «فيرجن غالاكتيك» إلى الفضاء حاملة ريتشارد برانسون صاحب الشركة وعائلته، سيكون ديفيد ماكاي وراء عجلة القيادة.

وماكاي (57 سنة) هو كبير طياري أول طائرة ركاب فضائية تجارية تحلق نحو حافة الفضاء الخارجي، ويبدو مسؤولو الشركة واثقين جدا من أن الرحلة الأولى ستنطلق من المطار الفضائي «سبايسبورت أميركا» في نيو مكسيكو هذا العام. وكان أكثر من 700 شخص قد ابتاعوا تذاكر لهذه الرحلات التي تباع الواحدة منها بسعر 250 ألف دولار.

ويقول ماكاي: «يبدو أن الأمور جميعها باتت تتجانس معا». وماكاي هو ملاح جوي قدير للعصر الجديد من السفر الفضائي. فقد حلق ببعض أقدم وأبطأ الطائرات، بما فيها طائرة «بليريوت» التي تعود إلى عام 1909، وهو الطراز الذي اجتاز لأول مرة القنال الإنجليزي. كما حلق أيضا بطائرة «جامبو 747»، فضلا عن المقاتلات النفاثة البريطانية «هاريير جيت». لكن مع «فيرجين غالاكتيك» سيحلق بصورة أسرع وأعلى.

ترعرع ماكاي في أسكوتلندا في الستينات من القرن الماضي، وانبهر بجهود «ناسا» في إنزال رواد فضاء على سطح القمر. وكانت الطائرات النفاثة التابعة للسلاح الجوي البريطاني تهدر وتحلق بانتظام فوق هيلمسدايل، القرية الواقعة على الساحل الشرقي من أسكوتلندا، حيث كان يعيش، وهي تتدرب على التحليق المنخفض فوق التضاريس الجبلية. وعندما علم أن رواد الفضاء في «ناسا» كانوا في غالبيتهم من طياري الاختبار العسكريين السابقين، وضع مخططا لمستقبله المهني، إذ رغب في قيادة المقاتلات النفاثة، وفي أن يصبح طيار اختبار، وبعد ذلك رائد فضاء للذهاب إلى القمر والمريخ. ورغم أن بريطانيا لا تملك برنامجا فضائيا، إلا أن ذلك لم يمنعه من تحقيق حلمه.

وقام ماكاي بالالتحاق بسلاح الجو البريطاني، ثم أصبح طيارا اختباريا، لكن «ناسا» توقفت عن إرسال روادها إلى القمر بعد عام 1972، فلم يتمكن من السير على خطاهم. وعندما بلغ منتصف الثلاثينات، انتقل كغالبية طياري الاختبار إلى وظيفة إدارية خلف مكتب، وهو أمر لم يكن يريده.

وفي عام 1995 ترك الخدمة في سلاح الجو الملكي البريطاني، وأصبح طيارا في «فيرجن أتلانتك»، شركة الطيران البريطانية التي أسسها برانسون، وهو عمل وفر له فرصا مهنية غير متوقعة.

وقامت شركة «فيرجين» برعاية الجهود الناجحة للملياردير والمغامر البريطاني ستيف فوسيت، لكي يصبح أول شخص في العالم يحلق من دون توقف حول العالم، من دون التزود بالوقود. وسافر ماكاي إلى صحراء موجافي في كاليفورنيا في أميركا عام 2004 لمقابلة بيرت ريوتان، الذي صمم طائرة فوسيت «غلوبال فلاير» ومراجعة الوثائق والمستندات الفنية معه.

وبينما كان هناك، جرب ماكاي نظام محاكاة الطيران لأحد إنجازات ريوتان، ألا وهو طائرة بدينة قصيرة تعمل بمحرك صاروخي تشبه السمكة الاستوائية بشكلها، ومزودة بذيلين. ويجري إطلاقها إلى الفضاء عن طريق طائرة مرافقة. وكانت الطائرة تدعى «سبايس شب وان»، التي حازت على كل إعجابه، «فقد بت مقتنعا بإمكانياتها» كما يقول.

وفي أواخر ذلك العام اجتازت «سبايس شب وان» عتبة الـ62 ميلا في الارتفاع، وهو المؤشر إلى دخول حدود الفضاء الخارجي، وكانت أول مركبة فضاء مشيدة من قبل القطاع الخاص التي تفعل ذلك.

وأعلن برانسون وريوتان عن اتفاق تعاوني لتشييد نسخة أكبر سميت «سبايس شب تو» من شأنها نقل ستة ركاب سويا بأجور إلى ما وراء الغلاف الجوي الأرضي في رحلة قصيرة شبه مدارية، تشبه في أبعادها ركوب الدولاب الأفعواني (رولر كوستر)، أي التحليق إلى الأعلى ثم العودة إلى الأرض، فالمركبة هذه ليست قوية بما فيها الكفاية للوصول إلى المدار.

انضم ماكاي إلى «فيرجن غالاكتيك» في عام 2009، وانتقل بعد ذلك بسنتين إلى صحراء موجافي حيث تجري فيها التحليقات التجريبية. وكان أحد اثنين من الطيارين في آخر الاختبارات التي جرت هناك في يناير (كانون الثاني)، عندما جرى حمل «سبايس شب تو» التي يبلغ طولها 60 قدما عن طريق الطائرة الأم، أو مرافقة إلى ارتفاع 46 ألف قدم، قبل تركها لتهبط ثانية إلى الأرض.

ويعمل المحرك الصاروخي للطائرة مدة 20 ثانية فقط قبل أن يتوقف، وللوصول إلى الفضاء فعليا، يتوجب على هذا المحرك أن يعمل لمدة دقيقة كاملة. وستستأنف تجارب التحليق خلال الصيف الحالي. فقد أنجزت «فيرجن غالاكتيك» لتوها بعض التعديلات على المركبة الفضائية هذه بما في ذلك تزويدها بعجلات هبوط جديدة. كما جرى ترتيب وتزيين داخل الطائرة، حيث ستركب المقاعد الستة المخصصة للركاب قريبا.

ويقول ماكاي في حديث لـ«نيويورك تايمز» إن الأمر الكبير الباقي هو معرفة سلوك المركبة لدى دخولها عائدة نحو الأرض ثانية بسرعة تفوق سرعة الصوت. يبقى أن ماكاي قد حقق بعض أحلامه، لكن تبقى الأحلام الأخرى، فهو يرغب فعلا في الذهاب إلى القمر والمريخ.