العلماء يحللون الوضع النفسي لرواد الفضاء المتجهين إلى المريخ

دراسة محاكاة أميركية للرحلات البعيدة وأثرها في السلوك

TT

في طريقه إلى المريخ، توقف نيل شيلبيلهت أمام محلات «وال - مارت» ليبتاع غسولا للفم، وبكرة خيوط لتنظيف الأسنان، ذاكرا عبر هاتفه الجوال: «نحن نتسوق آخر ما يلزمنا في الدقائق الأخيرة». وشيلبيلهت هذا ليس رائدا للفضاء على وشك مغادرة الأرض في رحلة فضائية، لكنه خلال ساعات من حديثه كان بصدد الدخول مع 5 آخرين إلى مبنى على شاكلة قبة تقع في بركان في جزر الهاواي ليعيشوا معا 8 أشهر ابتداء من نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي في بيئة تحاكي العيش على سطح كوكب المريخ.

والعملية هذه هي جزء من دراسة تمولها «ناسا» تحت عنوان «محاكاة تناظرية في هاواي لاكتشاف الفضاء»Hawaii Space Exploration Analog and Simulation،، أو «هاي - سيز» Hi - Seas اختصارا. والهدف من ذلك، تجربة كيفية سلوك مجموعة صغيرة من البشر، معزولين عن الحضارة والعالم، وطريقة تعاونهم وتعاملهم بعضهم مع بعض.

* رحلة موحشة

* وعندما سيتوجه رواد الفضاء أخيرا إلى المريخ في عام 2030 تقريبا، كما أشارت «ناسا»، ستكون الرحلة طويلة، وتشوبها الوحدة، وموحشة في الوقت ذاته، إذ ستستغرق الرحلة إلى الكوكب الأحمر 6 أشهر، مع إقامة على سطحه مدة 500 يوم، فضلا عن رحلة العودة التي ستستغرق أيضا 6 أشهر. وتقول كيمبرلي بينستيد، أستاذة المعلوماتية وعلوم الكومبيوتر في جامعة هاواي بمانوا، والباحثة الرئيسة للمشروع: «في الوقت الراهن، لا تزال المخاطر النفسية غير معروفة ومفهومة تماما، وليست مفهومة كما يجب»، وأضافت قائلة: «إن (ناسا) لن تذهب (إلى المريخ) حتى نحل هذه المعضلة».

وكانت جرت الكثير من الرحلات الوهمية خلال السنوات الأخيرة، منها رحلة محاكاة في روسيا عام 2010 و2011 دامت 520 يوما، غالبية أيامها كانت تقارب أيام الرحلة الفعلية. بيد أن 4 من المتطوعين الستة، ظهرت لديهم اضطرابات في النوم، وأصبحوا أقل إنتاجا مع تطور أيام التجربة. وكانت «جمعية المريخ»، وهي مجموعة غير ربحية، تقوم بالترويج للرحلات الفضائية المأهولة، أجرت عمليات محاكاة قصيرة في صحراء ولاية يوتاه بأميركا عام 2001، وتنظر الآن إلى تجربة محاكاة جديدة تدوم سنة كاملة في المنطقة القطبية الكندية عام 2015.

وكانت «هاي - سيز» أجرت سلفا رحلتين وهميتين دامت كل منهما 4 أشهر، كما إنه في العام المقبل سيسكن 6 أشخاص آخرين سنة كاملة داخل قبة مؤلفة من طابقين، يبلغ قطرها 36 قدما، ومساحتها 1500 قدم مربع، وستقبع في مقلع مهجور للحجارة على ارتفاع 8000 قدم من سطح البحر في منطقة مانوا لوا.

وبغية محاكاة التحديات الفعلية والعملية، سيكون أعضاء هذا الطاقم في قبة «هاي - سيز» معزولين عن سائر البشر. واتصالهم الوحيد بالعالم الخارجي خارج القبة، سيكون مقصورا على البريد الإلكتروني، إذ تتأخر كل رسالة مدة 20 دقيقة قبل إرسالها، مما يحاكي التأخير، أو الفارق الزمني في الاتصالات بين الأرض والمريخ. وفي كل مرة يقوم فيها أحد الرواد المفترضين، أو مركز التحكم بإرسال رسالة، ستنقضي 40 دقيقة قبل وصول الجواب، أما الاتصالات الكلامية بالزمن الحقيقي فهي غير ممكنة إطلاقا.

وفي الرحلات الحقيقية، فقد يقصر الفارق الزمني بنسبة ملحوظة مع اقتراب الأرض والمريخ بعضهما من بعض، لكن بينستيد تقول: «لقد اخترنا أسوأ السيناريوهات نظرا إلى أننا نحاول إيجاد الحلول».

* طاقم متجانس

* لكن، جرى منح أعضاء الطاقم بعض الاستثناءات، مما يمكنهم من فتح بعض المواقع القليلة على الشبكة، مثل حساباتهم في المصارف، لضمان استمرار حياتهم الأرضية وعدم انهيارها وهم بعيدون. كما يوجد هنالك هاتف جوال للاتصالات الطارئة، إذا ما هدد إعصار، (خلافا لما هو موجود على المريخ)، القابعين بداخل القبة، على غرار إعصار «أنّا» الذي ضرب أخيرا جنوب هاواي.

وقد تقدم 150 شخصا بطلبات للمشاركة في هذه التجربة، لكن تم اختيار 3 رجال و3 نساء، ليشكلوا طاقم «هاي - سيز» لأنهم يتشاركون في التجربة والخلفية ذاتهما، تماما كرواد الفضاء الحقيقيين من «ناسا»، كما أن الكثير منهم راودهم الطموح فعلا للانطلاق إلى الفضاء.

وقائدة الرحلة هذه هي مارثا لينيو (34 سنة)، وهي سيدة أعمال تطمح إلى تأسيس شركة استشارات للطاقة المتجددة، أما سائر أفراد الطاقم فهم جوسلين دن (27 سنة)، التي هي على وشك التخرج من جامعة بيردو، وصوفي ميلام (26 سنة)، التي هي أيضا على وشك التخرج من جامعة أيداهو، وألين ميركاديروف (35 سنة) مهندس فضاء وطيران يعمل في «ناسا»، وزاك ويلسون (28 سنة)، المهندس الميكانيكي الذي عمل على طائرة من دون طيار في شركة «جنرال أتوميكس» في سان دييغو. وتقول دن: «أحلم بأن أصبح رائدة فضاء، وهذا العمل قد يكون أقرب الأمور التي قد أحصل عليها».

وكان ويلسون قضى سابقا أسبوعين في بيئة شبيهة ببيئة المريخ في صحراء يوتاه، كما أن شيلبيلهت قد عمل في أول مهمة لـ«هاي - سيز» كجزء من طاقم ملاحي الدعم الأرضي. ويعلق على ذلك بقوله: «أعتقد أن من عوامل الجذب أن أكون جزءا مما يحصل في الداخل هناك». وبالنسبة إلى الوقت الذي سيقضونه في هذه المهمة، فقد تلقى كل واحد منهم تذكرة طائرة ذهابا وإيابا من هاوي، مع راتب قدره 11.500 دولار، فضلا عن الطعام والسكن طبعا.

ومن المظهر الخارجي، يبدو أن الأشخاص الستة هؤلاء يتوافقون فيما بينهم جيدا، «فهؤلاء مجموعة رائعة من الأشخاص»، كما يقول شيلبيلهت، «فحاليا تبدو الأمور جميعها على يرام».

وسينظر الباحثون أيضا في عوارض تنم عن «متلازمة الربع الثالث». ففي بداية الرحلة تكون التجربة جديدة ومثيرة، لكن في الربع الثاني منها، يقع المشتركون في شرك النمط الروتيني، لكن قرب النهاية يبدأ الأشخاص بالنظر الى الخلاص والعودة الى العالم الحقيقي. وفي نصف فترة الرحلة أو الإقامة هذه، قد يتحول هذا الروتين الى ملل من دون نهاية، «لكن في الربع الثالث قد تكمن المشكلة»، كما تقول بينستيد.

وتماما مثل رواد الفضاء الحقيقيين، سيكون ملاحو «هاي - سيز» مشغولين بالعمل العلمي، بما في ذلك رحلات خارج القبة بالبزات الفضائية. «فإذا رغبت في حجز أشخاص في علبة لمدة 8 أشهر، فعليك أن تستخرج أكثر ما يمكن من العلوم منهم» تقول بينستيد، «لكن ذلك يعني الكثير من المسؤولية الواقعة على عاتق (ناسا) أيضا».

* خدمة «نيويورك تايمز»