العلاج بالريجيم ليس حلا والأدوية قد تدمر القلب والمخ

TT

تؤكد الاحصاءات العالمية ان ثلاثة من بين كل عشرة اشخاص في العالم يعانون من السمنة المفرطة، وان اكثر من 30% من سكان الارض مصابون بالسمنة. اما الدراسات الطبية، فقد اثبتت ان السمنة من اكثر الامراض المؤدية الى الوفاة.

وربما حاول البعض التخلص من الدهون المتراكمة في اجسادهم بكل الطرق، بداية من الانظمة الغذائية القاسية ـ وقد اثبتت التجارب فشلها ـ وانتهاء بالادوية التي اكدت بعض الدراسات انها قد تدمر القلب والمخ. والسؤال الآن، ما الحل لمواجهة شبح «السمنة المفرطة» وكيف يتخلص البشر من عقدة الجسد البدين؟.. السطور التالية تحمل الاجابة:

* سكتة قلبية

* يقول الدكتور ماجد ذكري استاذ جراحة القلب والصدر بطب قصر العيني ان السمنة المفرطة يطلق عليها السمنة المرضية لما يصاحبها من امراض عديدة وخطيرة وقد تؤدي الى ارتفاع ضغط الدم المزمن الذي يحدث نتيجة ترسب الدهون في الشرايين، كذلك يحدث انهاك للبنكرياس نتيجة السمنة، مما يؤدي الى عدم القدرة على ضخ الانسولين الكافي لحرق السكريات المتدفقة بغزارة في الدم فتنتج عن ذلك الاصابة بالسكر.

ويضيف الدكتور ذكري ان القلب هو الآخر يتأثر بالسمنة، فقد تسبب انسدادا في الشريان التاجي مما تنتج عنه جلطات القلب والذبحة الصدرية. وقد حذرت جمعية القلب الاميركية من السمنة المفرطة واعتبرتها المسؤول الاول عن الموت المفاجئ بالسكتة القلبية لدى مرضى السمنة.

* توقف التنفس

* وبالنسبة لتأثيرات السمنة على الجهاز التنفسي يشير الدكتور طارق اسعد الاستاذ بطب عين شمس ومدير معمل النوم بها، الى ان السمنة تحدث شخيرا مزعجا يؤدي احيانا لمشكلات اسرية بين الزوجين، وقد تزيد حدة هذه المشكلات الى أن تؤدي للطلاق، من ناحية اخرى قد تؤدي السمنة المفرطة الى توقف التنفس اثناء النوم ـ وهذا هو الاخطر ـ وفي بعض الحالات قد لا يستطيع المريض النوم إلا جالسا.

ومرضى السمنة بصفة عامة معرضون للآلام المزمنة بالظهر وتآكل المفاصل، خاصة الركبة والكاحل نتيجة الحمولة الزائدة على هذه الاجزاء التي قد تؤدي بالانسان الى ان يصبح اسيرا للفراش ما لم يتراجع وزنه.

اما اطباء امراض النساء فيؤكدون ان السمنة قد تسبب اضطرابات الدورة وضعف الانجاب، كما تمثل بيئة خصبة للاصابة بسرطان الرحم والثدي والقولون، خاصة بين اولئك اللواتي يعانين سمنة مفرطة.

وبهذه الصورة يؤكد الدكتور احمد راشد استاذ امراض النساء والتوليد بكلية الطب جامعة عين شمس: تصبح المرأة أمام وضع مأسوي هي بلا شك شريك في المسؤولية عنه خاصة السيدات في مرحلة ما بعد الانجاب.

* عوامل وراثية

* وحول مسببات السمنة يقول الدكتور خالد جودت استاذ جراحات السمنة والسمنة المفرطة بكلية الطب، جامعة عين شمس ان السمنة ليست نتاج عامل او سبب محدد بعينه، لكنها اسلوب حياة خاطئ لا بد من تغييره لمواجهة السمنة سواء بالارادة او بالجراحة، والا سيظل المريض في حلقة مفرغة من فقدان الوزن بسرعة عن طريق الريجيم، ثم اكتساب اسرع للوزن بعد التوقف عن الريجيم وتكون المحصلة النهائية هي زيادة الوزن وليس فقده. ويوضح الدكتور جودت انه اذا كانت العوامل السلوكية هي المتهم الاول في الاصابة بالسمنة المفرطة تظل الوراثة متهمة في بعض الحالات، فاذا كان احد الآباء سمينا تزداد فرصة انجاب ابناء بدينين بنسبة 40%، واذا كان كلا الوالدين مصابين بالسمنة ففرصة انجاب ابناء بدينين ترتفع الى 85% ولعل العوامل الوراثية تقدم لنا تفسيرا لاحتفاظ بعض الافراد بأوزانهم رغم تناولهم كميات هائلة من الاطعمة ذات السعرات الحرارية العالية، ذلك لأن الخريطة الوراثية لهؤلاء الافراد تمنحهم القدرة على هضم وامتصاص كمية صغيرة من الطعام وحرق سعرات حرارية عالية. وقد يؤدي الخلل الهورموني ايضا الى حدوث السمنة، وان كانت النسبة ضئيلة لا تتعدى 1% من اجمالي نسبة الاصابة.

* علاج السمنة

* بعد الكشف عن اسباب الاصابة بالسمنة ومدى خطورتها والامراض الاخرى المصاحبة لها يبقى تقديم الحلول لعلاج هذا المرض والعلاج ـ كما يقول الدكتور خالد جودت ـ يتم على مرحلتين، المرحلة الاولى وهي الاسهل تتمثل في فقدان الوزن، والمرحلة الثانية وهي الاصعب وتتمثل في المحافظة على الوزن المفقود. وهناك طرق عديدة لعلاج السمنة كالانظمة الغذائية والرياضية والابر الصينية والادوية. وهذه الطرق قد تنجح في انقاص الوزن ولكنها تفشل في تحقيق المرحلة الثانية وهي الحفاظ على الوزن، بل على العكس تماما فإنها تؤدي الى زيادة الوزن بعد التوقف التام عنها، لأن هذه الطرق قائمة على الحرمان من اصناف او كميات من الطعام، وبمجرد ان يمل الانسان هذا الحرمان سيعود للأكل وبشراهة لينتقم مما عاناه من الحرمان في فترة الريجيم.

اما عن استعمال ادوية التخسيس فهو طريق محفوف بالمخاطر، لأن الابحاث الطبية اثبتت ان هذه الادوية تؤدي الى عجز القلب وعدم انتظام قدراته على المدى البعيد، كما تسبب تدميرا كاملا للمخ. وتجار هذه الادوية ـ للأسف الشديد ـ في ازدهار مستمر لأنها تجارة مربحة بالنسبة لهم، وضحاياهم كثيرون ممن يحلمون بالتخلص من جبال الشحوم الزائدة دون وعي بأن هذه الادوية مجرد علاج مؤقت، وانها ليست لها فائدة على المدى الطويل.

* جراحات السمنة المفرطة

* ونظرا لما اثبتته الانظمة السابقة من فشل ـ والحديث للدكتور خالد جودت ـ كان لا بد من البحث عن اتجاه اخر لحل هذه المشكلة، وتمثل هذا الاتجاه في جراحات السمنة المفرطة، وهو من التخصصات الحديثة نسبيا في مصر، الذي بدأ منذ سنوات في كلية طب جامعة عين شمس واثبت نجاحاً عالميا، اذ تم اجراء عمليات لأكثر من مائتين وخمسين حالة وصل وزن احدهم الى 400 كيلوجرام.

وهناك اكثر من خمس جراحات مختلفة لعلاج مرضى السمنة المفرطة، ويتم انتقاء الجراحة الملائمة لكل حالة بمفردها، حيث ان بعض هذه الجراحات تكون مصحوبة بالنجاح التام لبعض المرضى، ولكنها قد تفشل تماما لدى مرضى آخرين لا تلائمهم هذه الجراحة.

* تدبيس المعدة

* وتشترك جميع هذه الجراحات في فكرة اساسية وهي تقليص حجم المعدة بحيث يشبع المريض بعد تناول قدر قليل جدا من الطعام، من دون احداث تغيير في طبيعة الجهاز الهضمي ومن دون اعراض جانبية.

ومن العمليات الاخرى المشابهة ايضا لعملية التدبيس ـ كما يقول الدكتور خالد جودت ـ عملية تخريم المعدة بالمنظار، وهي اما بواسطة حزام ثابت، او تخريم يمكن تغيير سعته بعد العملية عن طريق الجلد. وقد اجريت حوالي 30 الف عملية تخريم حول العالم، وفي مصر خضعت الفنانة ليلى علوي لنفس العملية فنقص وزنها حوالي 20 كيلوجراماً.

وهناك نوعان من الجراحات يلزم فيها احداث تغيير في طبيعة الجهاز الهضمي مع التدبيس عن طريق تحويل مجرى الطعام الى الامعاء بعد المعدة، وهي جراحات اكثر نجاحا على المدى الطويل، خاصة في حالة المرضى آكلي الحلويات بشراهة، فهؤلاء المرضى لا تكفيهم جراحة التدبيس العادية، لكن يلزمهم تحويل الغذاء من المعدة الى الامعاء.

* إنجاز مصري

* وعن اجراء هذه الجراحات يقول الدكتور خالد جودت «ان جميع هذه الجراحات تجرى اما بفتح البطن او بالمنظار الجراحي من خلال فتحات صغيرة بالبطن، ولكن للأسف اجراء هذه العمليات ذو تكلفة عالية جدا لا تتناسب مع الغالبية العظمى من المرضى، ولذلك فقد طورنا اجراء هذه العمليات حتى تمكنا ولأول مرة في العالم من اجراء هذه الجراحات من فتحة واحدة صغيرة بجدار البطن، وبذلك جمعنا بين مزايا الجراحة المفتوحة مثل السرعة وخفض التكاليف مع مزايا المنظار من حيث الشكل الجمالي والجراح الصغير مع آلام اقل بعد العملية».

* جراحات تجميلية

* وبخلاف جراحات السمنة هناك ايضا الجراحات التجميلية التي تناسب الاشخاص ذوي الاوزان الزائدة على الوزن القياسي، والذين لا تتناسب اوزانهم مع اطوالهم، ويعانون من الامتلاء في مناطق محددة من الجسم.

وعن هذه الجراحات يقول الدكتور حمد ابو السعود استشاري جراحات التجميل: تعد جراحة «النحت» لشفط الدهون العلاج الامثل للحالات التي لا تستجيب فيها تلك المناطق لأي تمرينات رياضية او نظام غذائي بهدف اعادة توزيع الدهون بشكل متناسق، اذ ان الدهون مادة غير كثيفة، واقل بكثير من الكثافة الموجودة في مكونات الجسم الاخرى بما فيها الماء».

ويلقي الدكتور حمد ابو السعود الضوء على النواحي التشريعية والوظيفية لطبقات الدهون في الجسم البشري، مشيرا الى ان الخلايا الدهنية تنمو اثناء الحياة الجنينية حول جذور الشعيرات الدموية تحت طبقة الادمة الجلدية، ومع تطور عمر الانسان تنمو ايضا هذه الخلايا، ولكن في اتجاهين، يتمثل الاتجاه الاول في تكاثرها. اما الاتجاه الثاني فيتمثل في زيادة حجمها، وتصل هذه الخلايا الى قمة تكاثرها في سن البلوغ. وتتوقف عند سن المراهقة، ليصبح العدد كاملا بعد سن الرشد. ويطلق على الخلايا الدهنية في هذه المرحلة «امهات الخلايا» وتتركز هذه الخلايا في منطقة الخصر والبطن، عند الذكور، وفي مناطق الفخذين والحوض عند الاناث.

اما الاتجاه الثاني، الذي يتعلق بزيادة حجم هذه الخلايا فيظل في ازدياد مستمر منذ الولادة ويستقر بعد سن البلوغ.

* طبيعة الدهون

* ويعرف الدكتور حمد ابو السعود الزيادة في الوزن، على انه تجميع غير طبيعي للدهون، اذ ان الدهون هي ثاني مركب في الجسم من حيث الوفرة، ومن اكثر المواد الحيوية في الجسم انتاجا للطاقة، حيث ان كل جرام واحد من الدهن في حالة احتراقه ينتج اكثر من 9 سعرات حرارية من الطاقة، وبالتالي عندما يزيد مقدار الغذاء المتناول على الحاجة اليومية للجسم يتحول الفائض منه الى طاقة مخزونة في شكل دهون، وفي حالة الجوع يتم استهلاك هذه الدهون مرة اخرى.

وتمثل الدهون المخزونة تحت الجلد 50% من نسبة الدهون الموجودة في الجسم كله.

* جراحة لكل الأعمار

* ويشير الدكتور ابو السعود الى امكانية اجراء جراحة شفط الدهون في اي مرحلة من مراحل العمر، الا ان النتائج تكون افضل في حالة الجلد المرن، ويحتمل وجود بعض الآثار السلبية لمثل هذا النوع من الجراحات مثل النزف واحتمالات التلوث الجانبية الناتجة عن التخدير، الا ان هذه الآثار تختفي عادة بعد الجراحة.

ويعتمد مقدار الدهون التي يمكن شفطها على الوزن والطول المثاليين للشخص الذي سيجري الجراحة، حيث تتم ازالة التجمعات الدهنية، وتشفط مقادير متساوية من جميع مناطق الجسم وفقا لتقديرات الطبيب. ومن اكثر المناطق التي تتراكم فيها الدهون في الجسم، التي تستجيب لجراحة «النحت» الوجنات والرقبة والفك واسفل الفك والجزء العلوي من الذراعين والبطن والخصر والفخذين وحول الركبة والساق والظهر.