عطارو السعودية يخلطون الأعشاب بالكورتيزون

رئيس اللجنة العشبية في وزارة الصحة لـ«الشرق الأوسط»: ما يروج من عقاقير شعبية غير نظامي ولا يخضع لأي سياسة علاجية

TT

تخدم مئات المستحضرات العشبية التي لها ادعاءات علاجية في السعودية من قبل فئات مختلفة من المجتمع. ولثقة الناس في أمن وفعالية هذه الاعشاب في معالجة الامراض والعناية بالصحة دون التعايش مع الاعراض الجانبية التي تسببها الادوية الكيميائية، تزايد الاقبال على الطب الشعبي بصورة كبيرة لتخفيف ومعالجة الامراض البسيطة والمستعصية التي يواجهها الناس في حياتهم اليومية، كأمراض الجهاز الهضمي والبولي والتناسلي والعصبي، من اجل ذلك استغل عدد من تجار العطارة في الترويج لعدد كبير من الاعشاب منها المحلي واكثرها مستورد من بلاد الهند والصين واندونيسيا وباكستان وبعض البلاد العربية كالاردن وسورية والمغرب والسودان.

من دون اسس علمية او معرفة بطبيعة الاعشاب ومكوناتها الكيميائية اخذت هذه الفئة في بيع عدد هائل من الوصفات العشبية بعضها صيغ على شكل خلطات، والآخر كبسولات، وآخر اقراص دهانات لمعالجة كافة الامراض، كالضعف الجنسي والسرطان وامراض الكبد الفيروسي والبهاق والسكري والملاريا والعقم والربو، كما تم الترويج لمستحضرات تجميلية في معالجة حب الشباب وتساقط الشعر وتفتيح البشرة وشد الوجه.

وساهم هذا الوضع في دخول اكثر من ثلاثين شركة اجنبية متخصصة في بيع وتصنيع الاعشاب الطبيعية وتقديمها بطريقة مقننة ومكبسلة الى السوق العشبية، اضافة الى الاغذية التكميلية والوقائية المحتوية على فيتامينات ومعادن وبروتينات وكربوهيدرات ودهون.

ولسهولة توافر هذه المنتجات في محلات الشركة وفي الصيدليات وسهولة تداولها من دون وصفات طبية بخلاف الادوية الكيميائية، لاقت هذه الشركات رواجا كبيرا في بلد انشائها، وكذلك الاقبال عليها في السعودية.

ولكثرة ما قيل عن فوائد الاعشاب في علاج الامراض، وكذلك عن مضارها بالصحة العامة يؤكد الدكتور جابر القحطاني رئيس اللجنة العشبية في وزارة الصحة ورئيس قسم العقاقير بكلية الصيدلة في جامعة الملك سعود، ان ما يروج له اصحاب العطارة من دون الشركات غير نظامي وغير قانوني، ولا يخضع لاي سياسة علاجية غير بعض الخبرات لاعشاب قديمة، فالعطارون لا يبعون غير الاشياء المجهولة او التي تحضر في مصانع تسمى المطابخ، وتخلط بنسب عشوائية وان الوسائل والطرق التي يروجون لها، سواء في المحلات العامة او عبر المشاغل النسائية او كبائعين متجولين واخيرا من خلال الاعلان عنها في الصحف المحلية المدفوعة الثمن، لا تحمل اي تراخيص بيع مستحضرات طبية، كما تدخل فيها نسبة كبيرة من الغش التجاري فمثلا: يتم خلط ادوية كيميائية كأقراص Metformin وClibenclamid وهي دواء لمرضى السكر وطحنها مع اوراق الملوخية والنعناع وتباع على انها اعشاب خافضة للسكر، كذلك الامر مع الاعشاب الصينية التي تباع بغرض زيادة الوزن، وذكر على عبوتها من الخارج وفي النشرة الداخلية انها عبارة عن نبات «الجنسنج» مع مجموعة من الاعشاب الاخرى، حيث ثبت انها تحتوي على مادة Periactin المضادة للهستامين، التي تستخدم لعلاج الحساسية، ولها تأثير فاتح للشهية وزيادة الوزن ويجب ان تأخذ تحت اشراف طبي، كما انها تحتوي على مادة betamethason وهي مصنعة من مجموعة الكورتيزون.

ويضيف القحطاني، اما الاعشاب التي تباع على انها تعالج الصدفية فقد وجدت نسبة من الكورتيزون فيها، كما تم سحب ثلاثة آلاف عينة عشبية من السوق، للتأكد من وجود المادة الفعالة والجودة النوعية، وثبت ان ما صلح منها للاستخدام هو 150عينة فقط والباقي تحللت المواد الفعالة فيه لسوء التخزين، نتيجة زيادة درجة الحرارة او نسبة الرطوبة وعدم كتابة تاريخ التصنيع ومدة الصلاحية.

وأفاد رئيس اللجنة العشبية في وزارة الصحة، ان استخدام الاعشباب السيئ قد يؤدي الى اتلاف بعض الاعضاء المهمة كالكبد والكلية، وتتسبب في اضرار جسيمة بالجسم، فاستخدام نبات الرمرام قد يسبب اتلاف خلايا جزر لانغرهانس في البنكرياس التي تنتج الانسولين في البنكرياس وهذا لاحتوائها على مادة Pyolizidin وفيما يختص بالشركات التجارية فإن وزارة الصحة قد وضعت لها شروط قبول وتسجيل منها: اجراء تحليلات مزدوجة لهذه المستحضرات في المختبر المركزي لتحليل الادوية ومختبر قسم العقاقير بكلية الصيدلة، ومن ثم مطابقة ذلك مع التحاليل التي استعملتها الشركة الأم للتأكد من مطابقتها للمواصفات والمعلومات الواردة على العبوة، وفي النشرات الداخلية للمستحضر، وهل لها علاقة بالغرض المستخدم ام لا.

ويوصي الدكتور جابر باستخدام المستحضرات العشبية التي تحمل ملصقا من وزارة الصحة، لانها محللة وآمنة غير التي على قائمة الانتظار للتحليل، اما التي صرح لها بالبيع الى حين ظهور نتائج تحاليلها فهذه غير آمنة وعلى مسؤولية من يأخذها.

وحول نقطة استبعاد وسحب بعض مستحضرات الشركات التجارية يقول الصيدلاني رياض محمد العشبان مدير المختبر المركزي للادوية والاغذية، ان مخالفة المواصفات للشركات التجارية خطأ يكون متعمدا في بعض الحالات للتقليل من تكاليف المنتج او خطأ في مراحل التصنيع من وقت جمع العشبة الى نزولها في الاسواق كغذاء ملكات النحل التي تنتجه احدى الشركات الالمانية، حيث ذكر في نشرة الدواء ان المستحضر يحتوي على 300 ملجم من المادة الفعالة، وبالتحليل ثبت انه عبارة عن خليط من الزيوت، وبالتالي تم مصادرة الكمية قبل ان تباع.

وأفاد العشبان، هناك منتج آخر ثبت بتحليله انخفاض نسبة الفيتامينات الى 20 في المائة عن النسب المسجلة على العبوة، كما احتوت بعض المستحضرات على نسبة من الكحول ومنها مشروبات الطاقة والقوة، ومنها ما يعطى للاطفال كمشروبات مهدئة تحتوي على خلاصة اليانسون، وبعض الكبسولات تحتوي على مواد ملونة غير مسموح بها طبقا لمنظمة FDA وهي الكولونيل (اللون الاصفر)، والامرنت (اللون الاحمر) كما اضيفت مادة البارافينلامين Paraphenylamin الى نبات الحناء بنسبة 30 في المائة لتكسبه اللون الاسود، وتجعل الصبغة طويلة الأمد، وبحسب القوانين والمواصفات السعودية يعتبر المنتج مغشوشا، فقد يسمح باضافته الى صبغات الشعر فقط وبنسبة 6 في المائة، وقد تم رفض المنتج قبل دخول البلاد.

واخيرا كشفت التحاليل عن كريمات تفتيح البشرة من شركات اندونيسية وهندية تحتوي على خليط من الزئبق، وهذه المادة تمتص عن طريق الجلد وقد تسبب مشاكل كلوية وتؤثر على الكبد، اما اذا كانت الجرعة عالية فقد تسبب في فشل كلوي، بالاضافة الى مادة الكورتيزون ومركب الهيدروكلوركوين بنسبة 20 في المائة، حيث ان النسبة المسموح بها هي 4 في المائة.

ولا يستبعد العشبان منح هذه الشركات فرصة الدخول للسوق المحلي بعد ان تمنح فترة 6 اشهر لتحسين المنتج، حيث يعاد تحليله مرة اخرى، فإذا ثبت تكرار المخالفة من الشركة او لم تستمر في تطبيق اسس الممارسة الجيدة للصناعة فإن المنتج يلغى توكيله وتسجيله.

ويضيف، المشكلة تكمن في الاعشاب والمستحضرات الطبية التي تدخل وتباع من دون رقابة وزارة الصحة وليس لها وكيل معتمد او شركة مسجلة، ولا تخضع الى اي تنظيم وهو ما يمارس من تجار العطارة، فبعد مباحثات دامت لأكثر من سنة صدر قرار من مجلس الوزراء بانشاء هيئة عامة للغذاء والدواء السعودية Saudi FDA، تكون من مهامها الاساسية القيام بتنظيم ومراقبة الغذاء والدواء والمستحضرات والمنتجات التي لها علاقة بالصحة العامة والرقابة عليها وفحصها في مختبراتها، وتتعدد باقي المهام في: ان ما ينطبق على الدواء، ينطبق على الاعشاب والقيام بأعمال تحليل المنتجات قبل الفسح الجمركي للتأكد من سلامة التصنيع وهذه من مهام وزارة التجارة ولا بد من القيام بزيارات مفاجئة للتفتيش على المنتجات الغذائية والدوائية وأخذ عينات عشوائية من وقت الى آخر للتأكد من سلامة التخزين، وهذه من مهام وزارة الصحة، كذلك القيام بأعمال الرقابة والتفتيش على المحلات للتأكد من الالتزام والتقيد بالمواصفات السعودية ونظام مكافحة الغش التجاري في مجال الغذاء والدواء ومراقبة دقة تطبيق التنظيمات والاجراءات الخاصة بالتراخيص، كذلك الاشراف على كافة المحلات والعمل على استيفائها للشروط الصحية.

صورة: