هروب النساء إلى الطعام تعويض عن نقص في الشخصية وابتعاد عن المشاكل الزوجية

TT

النساء اصناف واطباع وشخصيات مختلفة، كل واحدة تختلف بتفكيرها وطريقة التعبير عن احاسيسها، الا ان الاناقة والطلّة المميزة لا تزالان هاجس كل انثى بغض النظر عن عمرها وثقافتها. وعلى رغم من اهتمام المرأة المتواصل بشكلها الخارجي، فالاكل يبقى دائماً حافزاً لا تستطيع ان تتخطاه ووسيلة الهروب الافضل.

لماذا الاكل؟ تساءل الكثير من العلماء والاطباء عن سبب هذه العلاقة القوية بين المرأة والطعام، فكان الجواب العلمي ان الطعام بحد ذاته لذّة تقطع حبل التوتر لديها.

من هذا المنطلق كان لجريدة «الشرق الاوسط» لقاء مع الدكتور سيمون كرم (طبيب ومعالج نفسي معرفي سلوكي) ومع الدكتور هشام الناظر (اختصاصي بالغدد الصماء)، وكان لنا معهما حديث لنعلم اكثر عن اهمية الاكل ودوره في حياة النساء عامة.

وحسب قول الدكتور سيمون كرم: «لا احد يستطيع ان يحدّد لماذا تنشأ عادة معينة في الدماغ فهو أشبه بطنجرة الضغط، ولا يستطيع تحمل كل الضغط المتراكم عليه اذ يتفجر، وفي هذه الحالة يفتش عن وسيلة لتصريف هذا الضغط. وهنا يختلف البشر في وسيلة التخلّص من الشعور بالضغط، كل على طريقته، فمنهم من يصرخ ومنهم من يفكر ومنهم من يصلي ومنهم من يأرق، والاغلبية تلجأ الى الاكل، وعندما يأكل الانسان فهو كالذي يدخن، انه يقطع حبل التوتر لديه، فالأكل برأيه يقطع الاحساس بالفراغ او خيبة الامل بعد ان يكون قد غذّى الدماغ بالاحاسيس القوية.

لماذا يُعتبر الاكل هو الوسيلة التي تلهينا عن الضغط؟

هناك عدة اسباب لهذه الحالة: من الناحية التربوية: فالأم عودت ابنتها عندما تبكي او تصرخ على اعطائها قطعة من الحلوى لتسكتها او ترضيها. والدماغ مركب من برامج كالكومبيوتر وعندما يتعود الطفل منذ صغره على الاكل حين يبكي فذلك يرسخ في دماغه وتصبح عادة لاحقاً، ولا يستطيع تهدئة نفسه سوى بالأكل، اذ ان الدماغ قد امر بذلك حسب العادة. لقد عودنا الدماغ على هذه التركيبة، فالأكثرية تأكل لتهدئة نفسها وبدلاً من ان يكون الاكل على انه جواب على احساس واحد وهو الجوع، فهو يتحول الى جواب لاحاسيس اخرى كالغضب والحزن والاحساس بالوحدة، لذلك تصبح الامور تلقائية وعفوية، فالمرأة عندما تغضب لا شعورياً تحس برغبة في الاكل. والنساء اللواتي يأكلن بشراهة هن النساء اللواتي يملكن صورة سلبية على انفسهن ويشعرن بالفشل والاكتئاب ويفتقدن الى الثقة بالنفس فهؤلاء النساء يأكلن اكثر من الطبيعي وبطريقة غير واعية وهن بذلك يدمرن اجسامهن ويعاقبن انفسهن من دون ان يشعرن.

وعن البدانة المنتشرة قال الدكتور كرم: «ان البدانة سببها تغير نوعية الاكل، مع تغير ظروف الحياة، إذ صار الطعام اكثر اهمية من حيث النوعية والجودة، فسابقاً كانت النوعية فقيرة من حيث المواد، فقد كانوا يأكلون الخضار والحبوب اكثر من اللحم والدجاج، اما اليوم فقد تحسنت انواع الاطعمة فبتنا اليوم نجد اطباقاً لا تعد ولا تحصى، فمتطلبات الحياة باتت تطلب نسبة طعام اكثر من السابق. فقديماً كان الناس يكتفون بتناول ثلاث وجبات اما اليوم اصبحنا نأكل اينما كنا، ان كنا في السينما نأكل او اذا كنا نشاهد التلفاز نأكل، معظم مشاريعنا تتضمن وتحتوي على الطعام لهذا السبب نلاحظ نسبة بدانة اكثر وبالاخص كون نوعية الطعام اكثر دسما، اضافة الى كل هذه الاسباب، لا ننسى الفضل لعاداتنا الشرقية التي تلعب دوراً اساسياً في زيادة نسبة البدانة. فالضيافة هي من فضائل الشرقيين، كما ان قلة الحركة مع توفر وسائل الراحة تساهم في البدانة».

واضاف كرم «المعروف ان النساء يلجأن لدى بلوغهن سن اليأس معظم الاحيان الى الطعام، وفي هذه المرحلة تحديداً بملء الفراغ الذي يحسسن به بعد فقدانها لصورتها كامرأة ودورها كأم، اذ تشعر بقلق دائم بعد ان تفقد اهتمام زوجها بها، فهذا الهاجس الدائم يخيفها، فتلجأ الى الاكل الذي يُعتبر تعويضاً عن نقص ما. فصورة المرأة تغيرت تغيراً جذرياً وهذا القلق وعدم الاحساس بالأمان وفقدان الادوار المختلفة هو الذي خلّف هذا الفراغ وكانت نتيجته التعويض بالأكل». وحول انقطاع المرأة عن تناول الطعام في مراحل اخرى قال كرم «في هذه الحالة اي عندما لا تأكل النساء اثر حالة غضب او انهيار عصبي فالسبب عضوي، اذ عند الانهيار العصبي تحصل تغيرات في الهرمونات وهذا لا يتوقف فقط على الاكل، انما يخف نوم المرأة كما تخف رغبتها الجنسية، واكلها وحركتها، فالجسم هنا لم يعد يتطلب شيئاً لان بطارية الجسم تتوقف».

من جهته قال الدكتور هشام الناظر: «للنساء اسباب عدة قد تدفعهن للأكل ولتجنب موضوع السمنة الزائدة، في هذه الحال علينا الاهتمام بثلاث مراحل وهي: مرحلة الطفولة ومرحلة البلوغ ومرحلة سن اليأس. وخلال هذه المراحل تمر النساء بحالات دقيقة، واذا تعودت على نظام صحي للاكل، قد لا يواجهن مشاكل السمنة والاكل بشراهة في كبرهن». وعن عادة الهروب الى الطعام قال الناظر: «لا يوجد تفسير غذائي لهذه الحالة، انما يمكننا القول بأن النساء عامة يلجأن الى الاكل بشراهة لاسباب عديدة منها: قلة ممارسة الرياضة او النقص في تمضية الوقت هذا اضافة الى موضوع الاكل والمشاكل الخاصة النفسية والعضوية». فالنساء في بلادنا لسن كنساء الغرب، فنساؤنا غير معتادات على ممارسة الرياضة بشكل دائم وباستمرار.

والسبب الثاني هو ان اغلبية نسائنا لا يعملن فنلاحظ نسبة بطالة عند نساء الشرق اكثر من نساء الغرب، يعني اذا جمعنا بين عدم ممارسة الرياضة والبطالة، لا يبقى للنساء ان يقمن به سوى الدردشة والاكل. وفي المختصر الاكل ليس الا وسيلة لهو للنساء لذلك يأكلن باستمرار نتيجة تعويض عن حالة ما.

وحول تفضيل النساء للحلويات والسكريات في هروبهن من مشاكلهن قال: «السكريات والحلويات ليست ما يهدىء الاعصاب ويخفف من الغضب بل فعل الاكل الذي يخفف من التوتر لكن النساء عندما يغضبن يتناولن السكاكر لانها سهلة المنال، السكريات او الشوكولا سبب الهدوء وهذا خطأ لان الاكل يتحول الى ادمان وتعويض، وهذا ما يزيد من وزن المرأة.

وعن وسائل الحد من تناول الطعام وتجنب الشراهة والبدانة قال: «هناك طريقة سهلة وهي محاولة تجنب الطعام بين الوجبات، هذه «اللقمشة» هي التي تزيد من وزن المرأة وهنا عادة انصح الجميع بتناول الخضار عوضاً عن الحلويات او البطاطا المقلية لانها لا تسبب زيادة في الوزن وبذلك يحاولون التخفيف من وزنهم الزائد او بالتوقف عن تناول الاطعمة الدسمة وبتناول الاطعمة الخفيفة الخالية من الكوليسترول والدهن».

وعن الحالات المقابلة، حيث تمتنع النساء عن تناول الطعام قال: لا يوجد سبب غذائي او علمي لهذا التفسير، فكل ما استطيع قوله هو ان النساء لسن متشابهات، ولا تعبر كل النساء عن غضبهن بنفس الطريقة والاسلوب، فالتعبير عن التوتر يختلف بين امرأة واخرى وردات الفعل تختلف عن بعض النساء وهي عبارة عن عادات في التغذية، والعادات تربي منذ الطفولة لذلك علينا الاهتمام بأطفالنا منذ صغرهم وتعويدهم على الاكل الصحي وعدم اعطائهم الحلويات بكثرة لأن ذلك يعزز عندهم حب الاكل، وعندما يتعلمون منذ صغرهم على محبة السكريات يصبح من الصعب حرمانهم منها عندما يكبرون.

وفي النهاية، وباختصار يمكننا القول إن كل الامور في هذه الحياة مرتبطة ببعضها وكل عادة نألفها تصبح صعبة التغيير، فإذا أردنا المحافظة على رشاقتنا وعلى القوام الجميل علينا الانتباه الى اطفالنا منذ صغرهم، فليس كلما بكى الطفل نرضيه بقطعة من الشوكولا، لأننا بهذا الاسلوب تخزن لديه طاقة تظهر آثارها لاحقاً. واذا حافظنا على صحة اطفالنا واطعمناهم الاطعمة الصحية قد لا يواجهون الصعوبات، وبالتالي اذا واجهوا بعض المشاكل في زيادة الوزن يمكنهم معالجتها بسرعة. وهكذا بقليل من الوعي والثقافة الغذائية نستطيع تجنب السمنة ونحافظ على اجسامنا، لذا فلتحاول كل امرأة وفتاة عند غضبها او شعورها بالتوتر والاحباط أن تمارس الرياضة التي تزيل الشعور باليأس.