أبحاث الخلايا الجذعية ثورة في العلاج الطبي.. ولكن يجب تجنب مخاطرها

الدكتور محمد البار لـ «الشرق الاوسط» : على الباحثين في العالم الإسلامي الإسهام في هذه الأبحاث واستخداماتها الطبية المشروعة

TT

الخلايا الجذعية (خلايا المنشأ) هي اللبنات الأولى التي يتكون منها الجنين الإنساني، فعندما يتم تلقيح البويضة بواسطة الحيوان المنوي تتكون اللقيحة (الزايجوت)، وعادة ما يتم ذلك في الثلث الوحشي (الطرفي) من قناة فالوب. وتبدأ هذه اللقيحة في الانقسام فتصبح الخلية خليتين، والاثنتان أربعا حتى تصبح مثل التوتة (موريلا) ثم تصبح مثل الكرة وتسمى آنذاك الأريمة (تصغير أرومة، وأرومة الشيء أصله) وباللغة العلمية تدعى البلاستولا ويترجمها بعضهم بالكرة الجرثومية (جرثومة الشيء أصله). تحدث إلى «الشرق الأوسط» مستشار الطب الإسلامي والأمراض الباطنية بمركز الملك فهد للبحوث الطبية وجامعة الملك عبد العزيز بجدة وزميل الكليات الملكية للأطباء في المملكة المتحدة (غلاسكو وأدنبره ولندن) الدكتور محمد علي البار تعقيباً على ما نشره الباحثون في تقريرهم في ابريل (نيسان) الماضي، عن أن تنمية الخلايا الجذعية لمائة مرة مثلاً يجعلها اكثر استعداداً للتحول السرطاني..الخ وقال ان البلاستولا تحتوي على طبقة خارجية وطبقة داخلية هي كتلة الخلايا الداخلية، وهذه الكتلة من الخلايا تسمى الخلايا الجذعية أو خلايا المنشأ لأن منها يتكون 220 نوعاً من خلايا جسم الإنسان في الجنين.

* خلايا جذعية

* بما أن هذه اللقائح تكون فائضة في مشاريع أطفال الأنابيب، فان العلماء يأخذون هذه اللقائح الفائضة (احياناً بإذن صاحبتها وزوجها واحياناً بدون أذن) وتنمى هذه اللقائح إلى مرحلة البلاستولا. ثم تفتح البلاستولا ويتم الحصول على الخلايا الجذعية من كتلة الخلايا الداخلية.

ويواصل الدكتور البار أن هذه الخلايا يتم تنميتها في مزارع خاصة حتى تتحول إلى خلايا القلب أو الكبد أو الكلى أو خلايا الجهاز العصبي أو البنكرياس أو الجلد.. الخ حسب ما هو مطلوب من نوع الخلايا. وهذا هو اهم مصدر من مصادر الخلايا الجذعية.

ولكن هناك مصادر أخرى، كما يقول الدكتور البار، مثل: الإجهاض وينبغي أن يكون تلقائياً أو طبياً، ثم الحبل السري والمشيمة. وكذلك من الاطفال بعد اذن اوليائهم وبشرط عدم حدوث أي ضرر، ثم من الشخص البالغ، وتوجد الخلايا الجذعية في الشخص البالغ في نخاع العظام (نقي العظام) بنسبة خلية جذعية من كل عشرة الاف خلية، كما توجد في الدم بنسبة خلية من كل مائة الف خلية. ولا تشكل الخلايا الجذعية المستخلصة من البالغين أي عائق أخلاقي طالما كانت بإذنه. ولكن خلايا البالغين اقل قدرة على التحول إلى الانسجة المطلوبة، كما انها تعتبر فاقدة جزءاً من عمرها.

أما ما نشر اخيرا عن باحثين في أماكن متعددة في العالم، من أن تنمية الخلايا الجذعية لمائة مرة مثلاً يجعلها أكثر استعداداً للتحول السرطاني، فهو أمر غير مستغرب، فكل أنواع خلايا الجسم إذا انقسمت انقسامات متعددة تصل الى مئات المرات فإنها تتعرض لزيادة تطفرها وتحولها بالتالي إلى خلايا سرطانية او إلى انعدام التيلومير في الخلية، وبالتالي توقفها عن الانقسام وموتها. وتتعرض الخلايا الجنينية أي التي تؤخذ من البلاستولا إلى حدوث ورم مسخي وهو أمر نادر الحدوث، ولكن يجعل العلماء والباحثين اكثر حذراً في استخدام الخلايا الجذعية التي تعتبر أملاً كبيراً لشفاء كثير من الامراض التي لا علاج لها حتى الآن مثل مرض باركنسون ومرض الضمور العضلي الناتج عن التصلب الوحشي للنخاع الشوكي والقصور المناعي الشديد المركب ومعالجة الفشل الكبدي والفشل الكلوي والعديد من امراض العضلات ومرض الزهايمر.. الخ.

* أبحاث ثورية

* إن الأبحاث حول الخلايا الجذعية تشكل ثورة في العلاج الطبي مثلما فعلت هندسة الجينات. ولكنها تحتاج الى وقت حتى يمكن التحكم فيها وتجنب مخاطرها ومزالقها. ومن ضمن تلك المخاطر المحتملة حدوث السرطان الذي اشرنا إليه، وعمليات الرفض من المستقبل إذا لم تكن هذه الخلايا الجذعية منه شخصياً، وبالتالي الاضطرار إلى استخدام العقاقير والوسائل التي تخفض جهاز المناعة لكي لا يرفض هذه الخلايا الغريبة. وهو شبيه بما يحدث من رفض الأعضاء عند زرعها في أشخاص آخرين مما يؤدي إلى ضرورة بحث مطابقة المناعة واستخدام العقاقير التي تخفض المناعة. وهذه لها أضرارها الصحية كما أن كلفتها وثمنها مرتفع جداً.

وكل علاج له فوائده كما ان له أضراره. والطبيب المختص هو الذي يقرر مدى الحاجة لاستخدام هذا النوع من العلاج او ذاك بناءً على حالة المريض، وعلى الفحوص المتعددة المتعلقة بالحالة المناعية وحالة المريض الداعية لذلك الإجراء.

* فتوى مجمع الفقه الإسلامي حول الخلايا الجذعية ومصادرها

* كان المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي رائداً في إصدار فتواه في دورته السابعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 19ـ23 /10/1424هـ الموافق 13ـ17/ 12/2003، والذي جاء فيها بعد أن اوضح فوائد الخلايا الجذعية ومصادر الحصول عليها.

اولاً: يجوز الحصول على الخلايا الجذعية وتنميتها واستخدامها بهدف العلاج أو لإجراء الأبحاث العلمية المباحة إذا كان مصدرها مباحاً، ومن ذلك على سبيل المثال المصادر الآتية:

* البالغون إذا أذنوا، ولم يكن في ذلك ضرر عليهم.

* الأطفال إذا أذن أولياؤهم لمصلحة شرعية وبدون ضرر عليهم.

* المشيمة او الحبل السري وبإذن الوالدين.

* الجنين السقط تلقائياً أو بسبب علاجي يجيزه الشرع وبإذن الوالدين.

* اللقائح الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب إذا وجدت وتبرع بها الوالدان مع التأكيد على أنه لا يجوز استخدامها في حمل غير مشروع.

ثانياً: لا يجوز الحصول على الخلايا الجذعية واستخدامها إذا كان مصدرها محرماً، ومن ذلك على سبيل المثال:

* الجنين المسقط تعمداً بدون سبب طبي يجيزه الشرع.

* التلقيح المتعمد بين بيضة من متبرعة وحيوان منوي من متبرع.

* الاستنساخ العلاجي.

وبهذه الفتوى الواضحة المعالم، يمكن للباحثين في العالم الإسلامي (إذا وجدوا) أن يسهموا في ابحاث الخلايا الجذعية واستخداماتها الطبية المشروعة.