التهاب الكبد الفيروسي من نوع «سي» وآمال الشفاء

نسبة نجاح العلاج تختلف حسب شكل الفيروس الذي تختلف شراسته من نوع لآخر

TT

يلتهب الكبد نتيجة العديد من المؤثرات كالفيروسات وغيرها من الجراثيم، أو التعرض للمواد الكيميائية من أدوية ومشروبات كحولية وسموم. والالتهاب بمعناه الواسع هو تفاعل خلايا المناعة في الجسم داخل العضو الملتهب نتيجة إثارتها بمؤثرات عدة كالجراثيم على أنواعها وغيرها. فحينما يصاب المرء بالفيروس من نوع «سي» فإنه ينتقل الى الكبد عبر الدم، وهناك تدور مواجهة ساحتها خلايا الكبد وطرفاها المتنازعان هما خلايا المناعة من جهة والفيروسات من جهة أخرى، ونظراً لعنف المواجهة بينهما فإن الخلايا الكبدية تتمزق وبالتالي تموت، وربما يتم لخلايا المناعة القضاء على الفيروس وربما لا يتم. ولو تم تنظف الجسم من الفيروسات لزال المرض، لكن لو استطاع الفيروس تثبيت مكانته داخل الكبد بعد هذه المواجهة والالتهاب الحاد فإن المرء يصبح مصاباً بالتهاب الكبد الفيروسي من نوع «سي» بشكل مزمن وهو ما يحصل مع 80% ممن يتعرضون للعدوى، ثم يظل الفيروس في الكبد مدة طويلة من دون إثارة أي إزعاج للجسم من عشرة الى ثلاثين عاماً بعدها يبدأ تشمع وتليف الكبد في التكون بما يؤثر عميقاً في قدرته الوظيفية فتظهر حالة الفشل الكبدي لدى 20% من المصابين، ومن بينهم ينشأ لدى 5% سرطان الكبد. التهاب الكبد الحاد هو ردة فعل عنيفة، والتهاب الكبد المزمن هو ردة فعل بطيئة من قبل جهاز المناعة للقضاء على الفيروسات ويتضرر من جرائها في كلا الحالتين الكبد إذْ يفقد الكثير من قدراته الوظيفية وشكله البنيوي. والمهم بالنسبة لنا في هذا العرض تصور كيفية إصابة المرء بهذا الفيروس ومعرفة وسائل العلاج الممارسة اليوم في المراكز المتقدمة.

انتقال الفيروس

* كيف ينتقل الفيروس المسبب لالتهاب الكبد من نوع «سي»؟

تتعدد الوسائل التي تتم بها عدوى الإصابة بهذا النوع من الفيروسات والأصل في حصول المرض هو وصول الفيروس الى الدم، وذلك عبر مداخل عدة له الى الجسم منها:

1ـ نقل الدم أو أحد مكوناته الملوثة بالفيروس، سواء تم نقل دم بكل مكوناته أو بعض منها كبلازما الدم المحتوي على العناصر اللازمة لتجلط الدم. ويعد هذا أقوى وسائل العدوى بهذا النوع من الفيروسات. وكثير من المصادر الطبية تقول لنا ان العدوى قلت بهذه الطريقة بعد عام 1992م نتيجة التقدم في كشف وجود الفيروس في الدم، لكن الأمر ما زال يتطلب عناية به. وكذلك الحال في الأدوية المحتوية على كميات عالية ومركزة من العناصر اللازمة لتجلط الدم، والتي بالأصل يتم الحصول عليها من دم المتبرعين به، ليس من متبرع واحد فقط بل العشرات منهم للحصول على كمية كافية من أجزاء الدم المطلوبة، ما يعني بداهة زيادة خطورة نقل العدوى. ويحرص المصنعون لهذه الأدوية وكذلك المستشفيات على سلامتها من التلوث بأنواع شتى من الفيروسات التي من ضمنها فيروس الكبد من نوع «سي».

2 ـ الأدوات الطبية وإدمان المخدرات:

استخدام أدوات طبية سبق تلوثها بالدم عموماً كما يحصل في أخذ عينات الدم أو علاج الأسنان أو العمليات الجراحية أو في أنواع من الوسائل العلاجية كغسيل الكلى أو الوخز بالإبر، هذه كلها وغيرها تسهم في انتقال العدوى ما لم يتم التشديد بشكل صارم على استعمال المعدات التي لا يتكرر استخدمها مرة أخرى أو تعقيمها وفق المواصفات السليمة، فالفيروسات عموماً تقاوم وبشدة الوسائل التقليدية البدائية للتعقيم كالماء المغلي أو الكحول الطبي لذا من العبث الاعتماد عليها.

هذا في الشأن الطبي لكن الأهم هو تكرر استخدام الإبر لحقن المخدرات في الوريد بين المدمنين على تعاطيها، وغني عن الشرح خطر هذا الجانب وسهولة العدوى نظراً للتخلي عن أخذ الحيطة والحذر بين من لا يعقل أو يدرك ما هو فيه.

3 ـ الوشم والحلقات:

تلوث الأدوات المستخدمة في بعض وسائل الزينة كالوشم أو الحلقات المغروسة عبر الجلد في الأذن أو فوق السره أو غيرهما مناطق الجسم يحتاج الى اهتمام وحذر من قبل من تجرى له خاصة في حالة ما كان الممارسون لها لا يراعون شروط التعقيم والنظافة كما ما تقدم في الوسائل العلاجية سواء بسواء.

5 ـ الأدوات الشخصية:

المشاركة في استخدام الأدوات الشخصية في نظافة الجسم والعناية به، كما في المنازل أو المساكن الجماعية أو صالونات الحلاقة والعناية بالجسم، كالمشاركة في استخدام فرش الأسنان أو أمواس الحلاقة أو مقلمات الأظافر وغيرها مما قد يتلوث بالدم. 6 ـ الأم والوليد:

يحصل انتقال العدوى من الأم الى الوليد أثناء عملية الولادة نفسها فقط، بمعنى أن الجنين لا ينتقل إليه الفيروس أثناء مدة الحمل من الأم المصابة بالفيروس بل يكتسب الوليد الفيروس أثناء خروجه وولادته، وهنا ربما يكون إجراء الولادة بالعملية القيصرية عاملاً يقلل من عرضة الإصابة. بيد أنه من الضروري تذكر أن نسبة حصول العدوى في حالات الولادة الطبيعية متدنية والاحتمال ضعيف.

7 ـ الاتصال الجنسي:

وهنا ينبغي الحذر من التشاؤم وكذلك في التفاؤل، فمعروف أن كمية فيروس الكبد من نوع «سي» الموجودة في إفرازات المهبل والسائل المنوي ضئيلة، لذا فإن العديد من المصادر الطبية كالمعهد القومي الأميركي للصحة في إصداراته الأخيرة تؤكد على عدم وجود الداعي لأخذ احتياطات الوقاية من عدوى الإصابة بهذا النوع من الفيروسات بالذات عند ممارسة العملية الجنسية طالما يقتصر المرء على شريك واحد، فالإحصائيات تذكر أن احتمال اكتساب المرض من شريك مريض بهذا النوع من الفيروسات هي ما بين0 ـ3% إذا ما التزم المرء بشريك واحد ومارس العملية الجنسية بطريقة طبيعية ندرك كيفيتها بداهة. لكن نسبة العدوى تزيد في حالات مختلفة مثل تعدد الشركاء من الجنسين، أو ممارسة كيفيات غير معتادة تؤدي الى تهتك الأنسجة الجلدية بما يعرض الإفرازات للاتصال المباشر مع الدم، أو الممارسة في خلال أوقات غير مناسبة ومقبولة كأثناء الدورة الشهرية تحديداً، أو في حالة وجود أمراض جنسية مصاحبة خاصة منها ما يؤدي الى ظهور القروح في الأعضاء التناسلية مثل «الهربز» أو «السفلس». كما أنه لا توجد حالات مرضية مسجلة لدى الباحثين حصلت العدوى بهذا الفيروس من نوع «سي» نتيجة القبلة ما لم يكن هناك جرح أو تهتك في أنسجة فم أحد الشريكين.

علاج المرض

* بعيداً عن الحديث حول كل العلاجات الداعمة لوظائف الكبد من فيتامينات وغيرها، وكذلك وصفات «الطب التكميلي والاختياري» الذي يدعي تجاوزاً في اللفظ والحقيقة بالطب «البديل» من أعشاب ومساحيق تأتي من الشرق أو الغرب، فإن الطب متجه نحو العلاج بأدوية مشابهة للمواد الطبيعية التي يفرزها الجسم حين مقاومته للفيروسات، ألا وهي مادة «الإنترفيرون»، تلك المادة التي تم تطويرها وغدت علاجاً معتمداً لفيروس الكبد من نوع «سي» وذلك على هيئة حقن تعطى تحت الجلد إما ثلاث مرات أسبوعياً كأنواعه القديمة أو مرة في الأسبوع من نوعه الحديث.

وبعد الكشف عن وجود الفيروس لدى إنسان ما يقوم الطبيب بإجراء تحاليل طبية تحدد مدى تأثر وظائف الكبد لديه كما وتحدد كمية الفيروس في جسمه عبر تقنية عالية ولا يلجأ في العادة اليوم الى أخذ عينة من الكبد بشكل ملزم لكل المرضى، وإذا ما انتفت موانع استخدام «الإنترفيرون» كحساسية الجسم تجاهه أو الحمل لدى السيدات أو عدم وجود فشل في وظائف الكبد بشكل تنتكس جراءه الحالة الصحية العامة للمريض، فإن إبرة تعطى بشكل أسبوعي إضافة الى حبوب دوائية تدعى «ريبافيرين» يومياً لمدة سنة على أكثر تقدير هي كل ما يلزم. ثم يتم تحليل الدم بعد ستة أشهر وذلك بعد الفراغ من أخذ العلاج بغية معرفة وجود الفيروس في الدم من عدمه، أي نجاح أو فشل محاولة العلاج.

وبما أن هناك أكثر من أربعة أشكال للفيروس من نوع «سي» تختلف شراسة كل منها، فإن الاستجابة للعلاج تختلف بالتالي، ولذا نلحظ اختلاف نسبة نجاح العلاج منطقة في العالم الى أخرى لأن الفيروسات التي تصيب المرضى في منطقة تختلف عن الفيروسات التي تصيب مرضى آخرين في مناطق أخرى، ففي منطقتنا تصل نسبة نجاح العلاج الى 50% أو أكثر قليلاً وكذلك الحال في أميركا الشمالية نظراً لأن النوع الذي لدينا أقوى، وفي بعض مناطق أوروبا حيث ينتشر النوع الضعيف منها تبلغ النسبة 80% وهذا النجاح ليس لأن العلاج أفضل في أماكن وأقل جودة في أخرى بل لأن شكل الفيروس مختلف.

ولعل أهم مؤشرات احتمال نجاح العلاج هذا هي صغر سن المريض واعتدال وزن جسمه وخلو كبده من التشمع أو التليف إضافة الى تدني كمية الفيروس في الجسم وكما تقدم بناء على بعض أشكاله من دون البعض الآخر منها.

وما تزال الأخبار الطبية تحمل لنا الأنباء المختلفة عن علاجات جديدة لم يتم اعتمادها بعد لكنها تبشر بإمكانية القضاء على الفيروس عبر وقف تكاثره بالدرجة الأولي ولعل آخرها ما أعلن عنه الأطباء من جامعة «روكفلر» في «نيويورك» والمنشور بحثهم في مجلة «نيتشر» العلمية الشهر الماضي.

أما زراعة الكبد فإنها علاج للفشل الشديد في وظائف الكبد الذي لا علاج له اليوم سوى زراعة كبد سليم وليست علاجاً موجهاً بالدرجة الأولى للشفاء من الإصابة بالفيروس.

الإنترفيرون يحمي خلايا الجسم من اقتحام الفيروس لها

* هناك جملة من المواد الوسطية التي يفرزها الجسم ضمن عمليات المقاومة والممانعة لحصول الأمراض فيه، سواء كان مصدر الخطر والتهديد خارجياً كالبكتيريا والفيروسات، أو داخلياً كالخلايا السرطانية مثلاً، فالجسم يعتمد نظام الرسائل في إدارته لخطوط المناعة لديه والمتمثلة في الخلايا الدموية البيضاء بأنواعها الوظيفية المختلفة والعديدة في نفس الوقت. إحدى هذه الرسائل الوسيطة هي بروتينات الإنترفيرون المتعددة الأنواع.

حينما يصاب الإنسان مثلاً بفيروس الإلفنونزا يعمل الجسم على إفراز أنواع عدة من الإنترفيرون وذلك بغية حماية خلايا الجسم من اقتحام الفيروس لها وكذلك للعمل على الحد من تكاثر أعداد الفيروس فيها إضافة الى حث بعض أنواع خلايا المناعة على إفراز مواد تقتل الفيروس. والأعراض التي يشكو منها المصاب حينها كالصداع والوهن وآلام العضلات والحمى هي في حقيقة الأمر ناتجة عن عمل الإنترفيرون في الجسم وليست نتيجة تأثير الفيروس بحد ذاته، ولذا فإن المرضى الذين توصف لهم هذه المادة كدواء بالحقن تحت الجلد يعانون من هذه الأعراض سواء بسواء.

ولقد تم اكتشاف الإنترفيرون قديماً في حدود عام1957 واستغرقت البحوث ثلاثين عاماً حتى سمحت وكالة الدواء والغذاء الأميركية باستخدامه في علاج سرطان الدم لأول مرة عام 1986م، ثم شملت النصيحة باستخدامه في علاج التهاب الكبد الفيروسي من نوع «بي» ونوع «سي» إضافة الى بعض أنواع السرطان والأمراض الجلدية.

وتستخدم اليوم أنواع من الإنترفيرون قادرة على البقاء في الجسم مدة طويلة ليتم حقنها مرة كل أسبوع وبالتالي تفوق قدرتها في القضاء على الفيروسات سابقاتها مما تحقن 3 مرات أسبوعياً.