الولادة المنزلية: جدل قديم وحديث

ولادات منزلية يخطط لها الطبيب المتابع للحمل وتشرف عليها قابلات مؤهلات

TT

يعود الحديث اليوم في الأوساط الغربية بقوة وبشكل لم يسبق له مثيل حول الحاجة إلى الولادة في المنزل كما كان يجري في السابق أو ما يزال في كثير من أرجاء المعمورة، رغم أن الجدل محسوم حوله من قبل العديد من الهيئات العلمية العالمية بعدم النصح بالولادة المنزلية وهو ما يجب عليها مراجعة النصيحة فيه لتسمح بالولادة المنزلية ضمن ضوابط مفهومة وفي نفس الوقت ممكنة. وعناصر التفكير اليوم حول الولادة في المنزل تدور حول ثلاثة عناصر، الأول هو وجود حالات كثيرة من الحمل الذي يصنف طبياً من قبل الأطباء أنه متدني نسبة الخطورة على الأم والجنين، والثاني هو النقلة النفسية والجسدية المرهقة للأم ولأفراد أسرتها حال الذهاب إلى المستشفى لإتمام عملية الولادة والنقلة المرهقة نفسياً وجسدياً للأم والوليد إضافة إلى العبء المادي على عائلهما، والثالث هو الكثرة النسبية في اللجوء إلى العملية القيصرية أو غيرها من وسائل التدخل الجراحي التي يضطر طبيب الولادة إلى إجرائها لاعتبارات مُدرك بداهة الحاجة إليها في حالات عدة بينما في حالات كثيرة لا يُفهم سبب ذلك ولا يقتنع به عامة الناس.

إن من حقائق اليوم في الولايات المتحدة كما تؤكده الدراسات الإحصائية لمركز السيطرة على الأمراض هو الصعود المطرد بزيادة سنوية تقترب من 6% في إجراء العملية القيصرية، ففي حين كانت نسبة الولادات بالعملية القيصرية عام 2000 23% بلغت 28% في عام 2003 بالرغم من عدم تأكيد أن هناك زيادة في نسبة حالات الحمل المصنفة بأنها عالية أو متوسطة الخطورة الأمر الذي قد يفسر الحاجة إلى هذا الارتفاع للمتأمل لو كان الوضع كذلك! هذا التصاعد غير المبرر علمياً وعقلياً أثار العديد من التساؤلات مما دفع الدارسين من الشبكة الدولية للتوعية بالعملية القيصرية في الولايات المتحدة لإجراء دراسة مقارنة تعد الأضخم إلى اليوم في الولايات المتحدة وكندا شملت هذه الدراسة مجموعتين من السيدات الحوامل، الأولى كانت أكثر من 5000 آلاف حامل ممن تم تصنيف حملهن أنه متدني الخطورة وتمت عملية الولادة لهن في المنزل بمساعدة القابلة «المحترفة المجازة» بمقارنة مضاعفات الولادة على سلامة الأم وكذلك سلامة الوليد لديهن بحوالي 3 ملايين حالة ولادة تمت في المستشفى لنفس تصنيف درجة خطورة الحمل أي متدني الخطورة، بدأت الدراسة عام 2000 ونشرت نتائجها في المجلة الطبية البريطانية في 18 يونيو (حزيران) الحالي.

الذي وجدته الدراسة أن 12% فقط من السيدات ذوات الحمل متدني الخطورة واللائي تمت لهن الولادة في المنزل بمساعدة «القابلة المحترفة المجازة» احتجن الذهاب إلى المستشفى لمزيد من العناية لإتمام الولادة والباقي تمت ولادتهن بيسر، وأن نسبة الوفيات لدى المواليد متدنية لا تتجاوز1.7 لكل 1000 مولود منهم وهي نسبة تساوي تقريباً الوفيات في المستشفى لنفس درجة خطورة الحمل. والأهم أن نسبة التدخل من طبيب الولادة لتسهيلها إما بالعملية أو غيره كانت أقل بكثير، ففي حين احتاجت «القابلة المحترفة المجازة» أن توسع فتحة المهبل لدى 2.1 منهن لتيسير خروج الوليد فإن من ولدن من الحوامل في المستشفى تم لحوالي 33% توسيع فتحة المهبل لهن! بكل ما يعني من تبعات هذا الأمر من العناية بالجرح ومتابعته وتأثيره على المهبل لاحقاً. كما ذكرت الدراسة أن الحاجة دفعت إرسال 3.7% من مجموعة «حوامل الولادة المنزلية» للذهاب إلى المستشفى لإجراء عملية قيصرية بينما العملية القيصرية تمت بالفعل لحوالي 19% ممن ذهبن منذ البداية للولادة في المستشفى!! وبالنسبة إلى راحة الأم فإن إجاباتهن على أسئلة استبيان خاص بتقويم ذلك أكدت 97% ممن ولدن في المنزل أنهن كن ممتنات للأمر وسعداء به! هذه الدراسة أثارت في الأيام القليلة الماضية مجموعة من الأسئلة مما يستدعي مناقشة هادئة دون الاندفاع في بناء نصائح طبية عشوائية، فمما لا شك فيه أن الدراسة جيدة من ناحية الإعداد والمتابعة وطرحت نتائج لا يمكن إهمالها بحال لكن ذلك كله كان ضمن ثلاثة ضوابط للمتأمل فيما عرضناه. الأول أن تصنيف حمل هؤلاء النسوة كان من درجة متدني الخطورة وهو ما يستلزم لمعرفته المتابعة لدى طبيب الولادة طوال فترة الحمل لتقويم صحة الأم ونمو الجنين وتطور الحمل.

الثاني هو أن من ساعد في إتمام عملية الولادة في المنزل هي «قابلة مجازة محترفة» التي تشير الدراسة إلى أنهن قابلات لديهن كلهن شهادة جامعية في علوم التمريض و70% منهن لديهن شهادة ماجستير وليست مجرد «قابلة قانونية» تلك التي توجد في أقسام الولادة وتساعد الطبيب فيه.

الثالث أنها ولادة منزلية تم التخطيط لها بمعرفة الطبيب أثناء متابعة الحمل وأثناء الولادة كذلك، إضافة إلى تهيئة العوامل المساعدة من القابلة ذات درجة التخصص العالي وكافة الأمور اللازمة إضافة تأمين وسيلة النقل إلى المستشفى بسرعة حال الحاجة إلى ذلك.

ضمن ما تقدم فإن الولادة المنزلية تبدو أفضل لكنها ما زالت من الأمور التي لا توجه الهيئات الطبية مباشرتها ضماناً للسلامة.