تحذيرات من مخاطر السكري على شبكية العين

دراسات أميركية تشير إلى تأثر العين مبكرا في المراحل البدائية لارتفاع سكر الدم

TT

شبكية العين أحد التراكيب النسيجية الحساسة في جسم الإنسان ومن أشدها تعقيداً، يتم من خلالها التحول من عالم إلى عالم، من عالم صورة الشيء الذي تبصره العين على هيئة أشعة ضوئية، إلى عالم من الشحنات الكهربائية والمركبات الكيميائية التي تنقل الصورة المرئية إلى الدماغ عبر عصب العين. فهي منطقة عالية التقنية إن صح التعبير مبنية على طبقة من خلايا عصبية وغير عصبية تتغذى بشعيرات دموية غاية في الدقة.

ومرض السكري أحد الأمراض الغريبة المضاعفات والمتشعبة التأثير، إذ يكفى أنه مرض يؤثر على الأوعية الدموية لتتخيل مدى تغلغل مضاعفاته، فلا يوجد عضو في الجسم إلا وبه أوعية دموية، فأنى تسلم منه الأعضاء! لنأخذ القصة من بدايتها، ارتفاع سكر الدم يؤدي إلى اختلال متعدد الأوجه في الجسم، فالشرايين والأوردة والشعيرات الدموية مكلفة بتوصيل الدم لخلايا الجسم، وارتفاع السكر عبر آليات متشعبة وعديدة يؤدي إلى تغير بنية جدرانها واضطراب انقباضها وانبساطها ومتانة بنيتها وسلاسة نموها بشكل متقن. تتغذى شبكية العين بالأوعية الدموية وفي حالة مرض السكري غير المنضبط فإن تلك الأوعية تضطرب بنية ووظيفة وفي ختام الأمر تقل قدرتها على توصيل الغذاء والأوكسجين إلى خلايا الشبكية الحساسة والمعقدة أيضاً وظيفة وبنية، الأمر الذي يجعلها تشكو من هذا النقص إلى من بيده التوجيه بإنشاء أوعية دم جديدة بدل التالف منها، ولأن القديم من الأوعية ما زال في مكانه عاطلاً عن إتقان عمله فإن نمو الأوعية الجديدة يكون بشكل غير سليم من ناحية الشكل والوظيفة، فهي أوعية ضعيفة البنية قابلة للتهتك وبالتالي تنزف حولها أي في الشبكية وفي داخل العين، كما أن مرض السكري يؤدي إلى ترشيح سوائل الأوعية الدموية حتى ولو لم تنزف داخل الشبكية لتتشكل تجمعات من السوائل التي تضغط على الخلايا المسؤولة عن الإبصار خاصة تلك التي في مركز الشبكية وبالتالي لا تتمكن العين من الإبصار. والعلاج معتمد على انضباط نسبة سكر الدم ضمن المعدل الطبيعي، ثم تعالج المضاعفات في العين، كل بحسبه وبشكل مبكر الأمر الذي يستلزم قناعة المريض بأهمية فحص العين بشكل دوري كل عام لمن لا مضاعفات لديه وبشكل مباشر مع طبيب العين إن كان هناك مرض فيها نتيجة السكري.

بيد أن هذا كله أقل أهمية مما كشفت عنه دراسات حديثة تبنتها رابطة مرض السكري الأميركية في نشرتها هذا الشهر إذ ان تأثر العين يبدأ بشكل مبكر جداً أكثر بكثير مما هو متصور وذلك في المراحل البدائية لارتفاع سكر الدم وقبل تشخيص المصاب أن لديه مرض السكري، فكما هو معروف يعتمد تشخيص المرض على ارتفاع نسبة سكر الدم إلى الحد المرضي، وما كان أعلى من المعدل الطبيعي لكنه لم يبلغ درجة المرض فإنه يدعى بداية مرض السكري. هذه المرحلة يتصور الكثير أن لا ضرر منها والحقيقة الحديثة تقول لنا العكس، فهي مرحلة تتأثر أثناءها شبكية العين ما لم يتم خفض نسبة سكر الدم.

إن نجاح الطبيب في علاج المريض ومساعدته للوقاية من المضاعفات معتمد على تفهم المريض لدواعي المتابعة الطبية فحينما يخبر الطبيب المريض أن نسبة السكر لديه غير طبيعية لكنها لا تصل إلى حد تشخيص مرض السكري فهذا لا يعني البتة أن الأمر لا يستحق عناية بل إن مضاعفات المرض قد تبدأ من بداية اضطراب نسبة سكر الدم.