سرعة القذف.. معاناة في التشخيص وجديد في العلاج

27 إلى 34 في المائة من الرجال الأميركيين يعانون من سرعة القذف مقابل 12% يعانون من ضعف الانتصاب

TT

تصدت احدث دراسة علمية نشرت أخيرا الى مهمة تحديد تعريف ادق لسرعة القذف لدى الرجال، وتحديد ما يسمى بالعنصر «المبكر والسريع» في هذه العملية، اضافة الى دراسة عناصر اخرى مثل جوانب الرضا لدى شريكي العملية الجنسية. كما عرض اخيرا دواء واعد جديد يمكن تناوله حسب الحاجة اثبت قدرته على تحسين الأداء الجنسي في حالات سرعة القذف مقارنة بوسائل العلاج المستخدمة اليوم لدرجة زيادة المدة الزمنية قبل القذف من ثلاثة الى أربعة أضعاف.

لقد حاول العلماء والأطباء البحث كثيراً في تعريف سرعة القذف، وعند أي حد يتم تشخيص وجوده، إضافة الى تعليل سبب معاناة بعض الرجال من الوصول الى مرحلة القذف أثناء القيام بالمعاشرة الزوجية بعد وقت قصير من بدئها. وتنوعت الاحتمالات لديهم بين تعريفه كاضطراب نفسي أو خلل وظيفي جسدي، وإن كانوا في السنوات الأخيرة متفقين على عموميات ينظر من خلالها الى المشكلة على أنها وصول الرجل الى القذف بشكل مبكر بما يجعله يشعر بالتوتر والخجل أمام نفسه وأمام شريكته.

أداء جنسي

* ولكي نتصور حجم المشكلة بلغة مقارنة فإن سرعة القذف هي أكبر مشكلة يعاني منها الرجال ضمن مشاكل الأداء الجنسي لهم، فوفق ما تذكره رابطة أمراض المسالك البولية الأميركية في نشرات هذا العام فإن ما بين 27% و34% من الرجال البالغين في الولايات المتحدة يعانون من سرعة القذف مقارنة بحوالي 12% من الرجال يعانون من ضعف الانتصاب.

ومنذ أن ظهر في عام 1994 تعبير «المدة الزمنية لبقاء عضو الرجل داخل المهبل أثناء المعاشرة الزوجية» وهو ما يقدر بالدقائق، فإن الاعتماد عليه كمعيار أدى الى ضبط التعريف والتقويم لحالة من يعاني من سرعة القذف، بيد أن كثيراً من الأطباء والباحثين يشيرون الى ثغرات عدة في الاعتماد على هذا العامل وحده، إذ يظل الرضا بالأداء وزوال الحرج بالخجل أمام الشريك أهم من مقدار المدة الزمنية هذه، فهما الأساس في شعور الرجل بوجود مشكلة من عدمها.

وقد نشرت في 15 أبريل (نيسان) من هذا العام أول دراسة علمية كبيرة لتحديد ما هو «المبكر أو السريع»، المقصود عندما نقول سرعة القذف المبكر، وشملت ما يربو على 1587 رجلا ممن يشكون من القذف المبكر كشكوى يبدونها هم، وتمت مقارنتهم بمجموعة أخرى لا يشكون منه عبر متابعة أدائهم الجنسي وحساب المدة الزمنية لبقاء عضو الرجل داخل مهبل المرأة أثناء العملية الجنسية عبر ساعة قياس «ستوب وتش»، الذي وجد لدى من يشكون من سرعة القذف الذين بلغ عددهم 207 رجال أن معدل المدة الزمنية هي 1.8 دقيقة مقارنة بمعدل المدة لدى من لا يشكون البالغ عددهم 1380 رجلا التي هي 7.3 دقيقة بشكل عام وبالرغم من وجود تداخل في حالات كثيرة بين المدة الزمنية وشعور الرجل زوجته بعدم الرضا نتيجة قصر مدة الاستمتاع. وبالسؤال عن مدى الرضا والراحة النفسية والتوتر لدى الزوجين والأهم الشعور بفقدان القدرة على التحكم في القذف من قبل الرجل وجد أن ذلك كله غالب في من يشكو من سرعة القذف. معايير علمية

* قام بهذه الدراسة الباحثون من جامعة «ويسترن ريزيرف» في كلفلند بأوهايو ونشرت في 14 ابريل الماضي في المجلة العلمية الأميركية لطب الجنس. وهي من أهم الدراسات التي وُضعت معايير علمية دقيقة في إجرائها وأخذت بعين الاعتبار تفاعل المرأة وشعورها إضافة الى الرجل. من هذه الدراسة ونتيجة للتداخل في المدة الزمنية تأكد ضعف الاعتماد على حساب المدة المذكورة وأن الأهم في تعريف سرعة القذف هما عنصرا خجل الرجل من فقدان التحكم في وقت القذف ورضا كلا الزوجين، الأمر الذي يشير اليه صراحة البروفسور «الثوف» المشارك في إعداد الدراسة بقوله: «معظم الناس يفكر في البعد الزمني لهذه المشكلة الصحية بينما هذا البحث يؤكد أهمية العناصر الأخرى كالإحساس بالتحكم والرضا النفسي بعد العملية الجنسية إذ هما جانبان هامان يجب وضع الأولية لهما في العلاج وتقويم مدى نجاحه». من هنا كان التعريف المعتمد من رابطة المسالك البولية الأميركية لسرعة القذف هو تلك الحالة التي «يتكرر أو يستمر بصفة مزمنة حدوث القذف بشكل أسرع مما هو مرغوب فيه إما قبل دخول عضو الرجل الى مهبل المرأة أو بعد ذلك بقليل وفي غالب الأحوال يستغرق ذلك دقيقتين أو أقل وحينما يكون الرجل إما فاقداً السيطرة أو يملك سيطرة ضعيفة على توقيت القذف».

هذا هو الأمر الأول الذي أردنا التأكيد عليه قبل الحديث عن علاج هذه الحالة أي وضوح المقصود من سرعة القذف والتي نسبة حصولها هي أعلى بكثير مما يتصوره البعض وأكثر بمراحل من ضعف الانتصاب، فهي أهم مشكلة جنسية بدليل الإحصاءات التي تؤكد ارتفاع نسبة من يعاني منه هو وشريكته وأيضاً لعدم وجود علاج ناجع يُنصح به الى اليوم.

علاج نفسي ودوائي

* يتراوح العلاج حتى اليوم بين العلاج النفسي من جهة إلى العلاج باستخدام الأدوية التي توصف في حالات الاكتئاب أو اللجوء إلى العلاجات الموضعية على عضو الرجل. وكل الأنواع العلاجية هذه لم تكن ذات جدوى ملموسة للذين يعانون منه، وكذلك لتوفير الراحة لشركائهم من الجنس الآخر. العلاج النفسي اعتمد على تمارين ذهنية تصرف الذهن عن العملية الجنسية كلية كي لا تحصل سرعة في القذف كالنصح بالتفكير في تطبيق عمليات حسابية معقدة أثناء ممارسة العلاقة الزوجية!! وغيرها من وسائل العلاج النفسي الذهني التي أقل ما يقال عنها إنها سخيفة معنى ومضموناً طبياً واجتماعياً حتى لو أتت بعض الثمار، فالشريكان أثناء العلاقة الزوجية وتبادل الحب في واد وهذه الوسائل تطلب من الرجل أن يكون في واد آخر بشكل غير ممكن وغير مقبول البتة أخلاقياً وعاطفياً.

والعقاقير الموضعية أو غيرها من المراهم والمساحيق المتعددة الأشكال والأنواع القادمة من أماكن صناعية دوائية معروفة أو أنها مجهولة المصدر جلها تترك آثاراً غير مرغوب فيها ولم تعط كامل الرضا إذ تعتمد على عنصر التخدير الموضعي الذي يحل مشكلة ليوقع في أخرى! أما العلاج باستخدام أدوية الاكتئاب فقد كان أقرب للصواب ليس لأن سبب سرعة القذف هو اكتئاب دفين أو نوع منه، بل لان هناك أسباباً عضوية منها ما يتعلق بالأعضاء التناسلية كالتهاب البروستاتا مثلاً أو لدى قلة من الناس بعض الاضطرابات الذهنية العضوية كنوع من أنواع نوبات الصرع كمثل آخر، ونظراً لأن آلية تفاعل الجسم وحصول التغيرات في أعضائه أثناء ممارسة العلاقة الزوجية يكون للدماغ دور مهم فيه فإن نقصاً في المواد الكيميائية التي تعمل كموصلات للإشارات العصبية يؤدى إلى حدوث خلل في برمجة مراحل تفاعل الجسم مع العملية الجنسية الأمر الذي يبكر ويسرع في القذف عن موعده الطبيعي غالباً.

دواء جديد

* ولعل أهم تطور شهده علاج حالة سرعة القذف هو ما تم طرحه حديثاً ولأول مرة على هيئة علاج دوائي لحل هذه المعضلة الصحية، والذي ينظر الأطباء إليه أنه يوازي في الأهمية، بل يفوق ظهور الأدوية المنشطة والمعالجة لضعف الانتصاب كالفياغرا والسيالس بالنظر إلى ارتفاع نسبة حالات سرعة القذف بما يفوق بمراحل حالات ضعف الانتصاب إضافة إلى أن الإصابة به تشمل حقيقة كبار وصغار السن. ولقد عقد المؤتمر المئوي لرابطة المسالك البولية الأميركية في أواخر شهر مايو (أيار) المنصرم في «سان أنطونيو» وطرح فيه الدكتور «برايور» رئيس قسم جراحة المسالك البولية في جامعة «مينوسوتا» الدراسة الخاصة بعقار «دابوكستين» في مرحلتها الثالثة لعلاج سرعة القذف الذي قال: «نتائج الدراسة تشير لأول مرة إلى أن دواء يمكن تناوله حسب الحاجة قادر على تحسين الأداء الجنسي في حالات سرعة القذف مقارنة بوسائل العلاج المستخدمة اليوم لدرجة زيادة المدة الزمنية قبل القذف من ثلاثة إلى أربعة أضعاف».

الدراسة شملت ما يربو على 2600 رجل تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 77 سنة ممن يعانون من سرعة القذف ولديهم علاقة جنسية مع شريك واحد طوال الستة أشهر الماضية من بدء الدراسة، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين إحداهما تناولت 30 ملغ والأخرى 60 ملغ من عقار «دابوكستين» قبل ما بين ساعة إلى ثلاث ساعات من بدء العلاقة الزوجية الجنسية، وتم التقسيم بشكل عشوائي أي دون تحديد مسبق من يتناول إحدى الكميتين وأيضاً دون علم المشاركين عن كمية الجرعة التي يتناولونها الأمر الذي يعطي قوة في تقويم نتائج تأثير تناول العقار، وتمت المتابعة لمدى الاستجابة لمدة ثلاثة أشهر.

نتائج دراسة الدواء الجديد

* زيادة المدة الزمنية لبقاء عضو الرجل في المهبل إلى أربعة أضعاف واستمر التأثير طوال مدة الدراسة أي أنه لم يتلاش مع طول مدة تناول العقار سواء 30 أو 60 ملغ.

* نسبة الرجال الذين أصبح لديهم شعور بالسيطرة على وقت القذف ارتفع من 3% إلى 55%.

* نسبة من أبدوا رضاهم عن أدائهم الجنسي من الرجال ارتفع من 20% إلى 50% ونسبة رضا شريكاتهم من النساء ارتفع من 24% إلى 47%.

ولم تتجاوز الآثار الجانبية لتناول العقار سوى الشعور بالغثيان والصداع لدى قلة منهم لم تتجاوز 7%.

إن هذا العقار الجديد لعلاج هذه الحالة من اضطراب الأداء الجنسي يمثل أولى الخطوات السليمة في معالجتها عبر الأدوية التي تعيد ترتيب تفاعل الدماغ مع مراحل العملية الجنسية وبما يمكّن المرء من السيطرة على توقيت القذف بطريقة معقولة ومرضية له ولشريكته وبعيداً عن الحلول النفسية أو العلاجات الموضعية.

وينتظر الأطباء في الولايات المتحدة إجازة إدارة الغذاء والدواء الأميركية استخدامه وتصنيعه والمتوقع حسب بعض المصادر الطبية أن يكون في أكتوبر (تشرين الأول) القادم.