أدوية مبتكرة تعالج الملايين من المرضى وتخفف آلامهم

د. أبو غريبة لـ «الشرق الاوسط» : واحد من كل 10 آلاف مركب تحت الدراسة يُنتج كدواء بعد 12 إلى 18 سنة من الأبحاث

TT

تعد مهمة اكتشاف وتطوير الدواء من أشق الصناعات عالمياً، ويعتبر دعم الأبحاث لاكتشاف أدوية جديدة لمعالجة أمراض العصر الحالي وأمراض المستقبل من أهم مقومات صناعة الدواء بكل شركات انتاج الدواء العالمية. وعملية اكتشاف الدواء تمر بمراحل عديدة منذ بداية الأبحاث المعملية (المختبرية) والتجارب الإكلينيكية (السريرية) والتسويق. ونسبة نجاح المركبات في اجتياز هذه المراحل نسبة ضئيلة، فمن كل 10 آلاف مركب تحت الدراسة سوف يُنتج مركب واحد كدواء يُطرح بالأسواق بعد أن يستغرق حوالي 12 الى 18 سنة منذ بداية الأبحاث. في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» للدكتور ماجد أبو غربية نائب رئيس شركة وايث للأبحاث الدوائية ومدير أبحاث الدواء في 4 ولايات اميركية (ولاية بنسلفانيا ونيوجرسي ونيويورك وبوسطن)، وصاحب 95 براءة اختراع بالولايات المتحدة الاميركية وأكثر من 350 براءة اختراع دولي، يقول: بعد أن تم التعرف على عناصر تركيب جسم الإنسان من الجينات، ضمن مشروع دراسة الاطلس الوراثي البشري (الجينوم البشري) HUMAN GENOME، فإن الأمراض تحدث لسببين:

أولا: خلل يطرأ بجينات معينة سواء بالزيادة أو النقص من العدد وهذا يسبب مرضاً.

ثانياً: بعض الجينات ينتج عنها تكوين بروتينات تسبب أمراضا.

في الحالة الأولى تقوم صناعة الدواء بتطوير دواء يعالج هذا الخلل الذي طرأ على هذه الجينات ويعيدها إلى عددها الطبيعي.

وفي الحالة الثانية تقوم صناعة الدواء بتصنيع مستحضر معملي (سواء مادة كيميائية أو بروتينية) تقوم بإزالة البروتينات الضارة المسببة للمرض.

أنواع الدواء

* ويضيف د. أبو غربية أن الأدوية المكتشفة تقع تحت ثلاثة أنواع رئيسية:

* مركبات جزيئية صغيرة: Small Molecule إما كيمائية مصنعة في المختبر أو مستخلصة من مصادر طبيعية.

* بيوتكنيولوجيه: مثل البروتينات المصنعة Recombineat proteins وأمصال ولقاح: Vaccines مواد مصنعة تقي من الأمراض المعدية. وأن نسبة الأدوية المكتشفة والتي طرحت في الأسواق خلال العشرين عاما الماضية أكثرها من المركبات الجزيئية وتبلغ نسبتها حوالي 80 ـ %85 من مجموع الأدوية المكتشفة. وهناك أكثر من 100 مركب كيمائي تحت البحوث السريرية حالياً وسوف تكون هي أدوية الغد والمستقبل.

وكأمثلة للأدوية الجديدة التي اكتشفت تحت إشرافه، يذكر دكتور أبو غربية الآتي:

1ـ إفكسور: Effexor.XR طرح عام 1997، دواء لعلاج مرض الاكتئاب، الذي يعد من أكثر الأمراض النفسية انتشارا. تم اكتشافه بناءً على النظريات المعروفة أن المسبب لهذا المرض هو اختلال في نسبة مادتين من المواد العصبية الكيمائية بخلايا المخ والجهاز العصبي وهما: سيروتونينSerotonin، ونور ابينفرين Norepinephrine.

ولقد تم تصنيع المادة الفعالة في الدواء لتعديل هذا الخلل في نسبة المادتين الكيمائيتين داخل خلايا الجهاز العصبي والمخ وبهذا أدت إلى إزالة أعراض الاكتئاب. وقد تم علاج أكثر من 10 ملايين مريض في أكثر من 45 دولة، وأثبتت التجارب السريرية أن دواء إفكسور Effexor.XR يعد الآن من أهم الأدوية الموجودة لعلاج الاكتئاب، حيث يقع تحت مجموعة جديدة تسمى SNRI Serotonin Norepinephrine Reuptake Inhibitor خلافاً لغالبية الأدوية الأخرى التي هدفها تعديل نسبة مادة السيروتونين بالخلايا المخية Selective Serotonin Reuptake Inhibitor وتسمى أدوية SNRI.

2 ـ تيمسيرولومس: Temsirolimus مادة مخلقة من المادة الطبيعية راباميسينRapamycin لها فعالية لوقف نمو الخلايا السرطانية، وتمر حالياً بالمرحلة السريرية النهائية لعلاج العديد من السرطانات مثل سرطان الكلية والثدي والخلايا اللمفاوية، سوف يتم طرحها في نهاية العام القادم بأميركا وباقي العالم بعد ذلك بوقت قليل.

3 ـ إنبريلEnbrel طرح عام 1998، هذا الدواء يمثل أدوية وايث الحديثة في مجال البيوتكنولوجيBiotechnology لعلاج أمراض التهابات المفاصل Rheumatoid Arthritis وجدت الأبحاث في هذا المجال أن أمراض الروماتيزم تحدث نتيجة إفراز مادة بروتينية تسمى «عامل النسيج المخرب» Tissue Necrosis Factor alpha (TNFa) ولعلاج الروماتيزم يجب إزالة هذه البروتينات من الجسم ومنع تكوينها.

لذلك بدأت الأبحاث بالتركيز على إزالتها وفريق آخر يجري ابحاثا لاكتشاف مواد كيمائية لمنع تكوينها. وأدت الأبحاث إلى تخليص مادة بيوتكنولوجية اسمها «إنبريل» Enbrel وهي تعمل كمادة شافطة تزيل المادة البروتينية الضارة TNFa من الجسم وبالتالي تعالج مرض الروماتيزم. وتم طرحها بالعديد من الدول عام 1998 وجار طرحها في باقي الدول. الأبحاث الإكلينيكية وجدت أن مادة الإنبريل لها تأثير فعال لعلاج أمراض الالتهابات الجلدية مثل Psoriasis ويتوقع لهذه المادة أن يكون لها فعالية في أمراض الربو والهباتايتس سي «Hepatitis c» وحالياً تحت التجارب الإكلينيكية.

4 ـ راباميون:Rapamune طرح عام 1999، دواء حديث لعلاج حالات رفض الأعضاء المزروعة Anti-Transplantation Rej ection ويعد صيحة في علاج الأعضاء المزروعة Transplantation Therapy راباميون هي مادة طبيعية مستخلصة، حدد باحثو وايث تركيبها الكيماوي بالتحديد Structure ووجدوا أن لها فعالية لخفض مناعة الجسم الطبيعية ضد لفظ الأعضاء Immuno Suppressant مع مادة السيكلوسبورين cyclosporine وبعد إجراء العديد من الأبحاث الإكلينيكية تم إثبات أن مادة الراباميون Rapamune لها فعالية ضد طرد الكلية المزروعة بدون استخدام سيكلوسبورين cyclosporine وهذا يعد من أهم الاكتشافات لان مادة السيكلوسبورين مثلها مثل المواد المماثلة التي تسمى مهبطات الكالسينورين Calcineurin Inhibitors تؤدي إلى أضرار بالخلايا الكلوية Nephrotoxicity وبالتالي سيبلى المريض على المدى الطويل بمرض الكلية وسوف يضطر لتغيير الكلية _ لذلك يعطي الراباميون للحفاظ على الأعضاء المزروعة دون حدوث أضرار للكلية ـ وسيكون متوفراً في أنحاء العالم قريباً.

5 ـ بريفنار:Prevenar طرح عام 2000، وهو مصل لوقاية الأطفال ضد العديد من الأمراض المعدية مثل الحمى الشوكية والتهاب الأذن الوسطى والالتهاب الرئوي. يعد البريفنار من احدث الاكتشافات في مجال الأمصال واللقاح ولقد استغرقت الأبحاث أكثر من 14 عاماً حتى تم طرحه للاستخدام عام 2000 بعد إجراء تجارب إكلينيكية على أكثر من 40,000 رضيع خلال السنين الماضية، قضى هذا المصل على الالتهابات الرئوية في الأطفال الرضع والتي تسبب الكثير من الوفيات. وبدأت العديد من الدول جعل هذا المصل ضرورياً لإعطائه لجميع الرضع. حالياً تجرى تجارب على هذا المصل ضد العديد من الأمراض المعدية للأطفال وأيضا للكبار حتى يتوفر للجميع.

6 ـ تيجاسل:Tygacil طرح عام 2004، مضاد حيوي واسع المدىBroadspectrum مخلق من المادة الطبيعية مينوسينMinocine ذات الفاعلية ضد البكتيريا المحصنة ضد المضادات الحيوية الموجودة حالياً. مادة التيجاسل Tygacil سوف تعطي الأطباء سلاحاً فعالاً ضد الالتهابات المتفشية في المستشفيات، حيث تسبب مناعة البكتيريا مشكلة صحية خطيرة تؤدي لارتفاع مصاريف العلاج 30% بالمستشفيات وارتفاع نسبة الوفاة نتيجة لهذه الالتهابات البكترية من 13% إلى نسبة 26%.

وجدت الأبحاث السريرية أن تيجاسل Tygacil فعال أيضاً لعلاج الالتهابات الجلدية في المرضى الذين كانوا يعالجون بمضادين حيويين مثل فانكومايسين Vancomycin والمضاد الحيوي ازترونم Aztreonam معاً. لقد تم تسجيل هذا المضاد الحيوي الجديد في أكثر من 45 دولة العام الماضي في 15 ديسمبر 2004 والمتوقع طرحه بالأسواق حوالي 15 يونيو هذا العام.

وهذا يعتبر ملخصا وأمثلة لبعض الأدوية الحديثة ضمن الانواع الثلاثة المختلفة من الكيميائيات غير المعقدة والبروتينات البيوتكنولوجية والأمصال واللقاح.

ويتضح منها أن صناعة الدواء هي عملية معقدة وشاقة للغاية ومكلفة ولكنها تعتـــبر من أهم الصناعات التي تهدف لإنتاج أدوية مبتكرة لتخفيف آلام الملايين من المرضى وتوفير حياة صحية أفضل.