الإيدز في آسيا.. «تسونامي» ستعصف موجاته بكل القارة

منظمة الصحة العالمية تتخوف من أن تهزم آسيا مثل أفريقيا

TT

يقول مراقبو الصحة في آسيا: «طالما كنا نغمض أعيننا عن سلوك المجموعات الهامشية من وجهة نظر المجتمعات، مثل ممتهني تجارة الجنس وممارسي الشذوذ من الرجال ومدمني المخدرات ولم يتم توجيه جهود الحد من انتشار الإيدز نحوهم، وسيزداد الأمر سوءاً في آسيا ولن تفلح المحاولات لصد موجات التسونامي الجديدة والضاربة هذه المرة بقوة لتتجاوز الشواطئ ليصل مداها إلى أعماق أجزاء القارة بما سينجم عنه خسائر بشرية مروعة واستنزاف اقتصادي فادح». وقد عقدت في أول هذا الشهر في اليابان جلسات المؤتمر الدولي السابع لمتابعة الجهود للحد من انتشار مرض نقص المناعة المكتسب «الإيدز» وذلك بعد قليل من صدور تقرير الخبراء في منظمة الصحة العالمية من جنيف حول الانتشار السريع له في آسيا بما يوازي ما هو حاصل اليوم في أفريقيا من أرقام مفزعة، فالأرقام من جهة وتواضع جهود المكافحة من جهة أخرى، تقلقان المنظمة المذكورة وجهات الرعاية الطبية في دول أسيا والمحيط الهادئ اضافة الى عامة الناس ممن لهم اطلاع على حقيقة الوضع والدول البعيدة التي ربما تتأثر بذلك.

يقول «برازادا راو» المدير الإقليمي لبرنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإيدز في آسيا ومنطقة الباسفيك: «التفاعل مع مشكلة الإيدز في آسيا يمر اليوم بمفترق طرق، فإذا لم يتم توحيد الجهود المبذولة وتتناغم عناصرها فإنها سوف تذهب هباءً»، ففي دولة أندونيسيا حيث تذهب أكثر المساعدات المالية الممنوحة لبرامج مكافحة الإيدز والحد من انتشاره يتجلى لنا بعثرتها (لأسباب عدة غير مقصودة في الغالب)، فتوعية برامج المكافحة لا تصل إلا إلى 1% ممن يمارسون الشذوذ الجنسي من الرجال، و9% ممن يتعاطون حقن المخدرات، وفقط 22% من محترفات البغاء من النساء، وهذا السيناريو يتكرر في دول أخرى. مؤتمر الدول المانحة بلندن، الخاص بدعم جهود الحد من الإيدز، راجع اثناء انعقاده في مارس الماضي امورا تتعلق بضعف تأثير الاستفادة من المعونات الدولية وخرج بعشر نقاط لتفعيلها، خاصة مع شح موارد الدعم المالي الذي لم يتجاوز مثلاً عام 2003 مبلغ 681 مليون دولار ويتوقع أن يرتفع بحلول عام 2007 إلي 1300مليون دولار بينما تقدير الخبراء في الصحة يطلب مبلغ 5000 مليون دولار كحد أدنى لتدارك الوضع الراهن في انتشار الإيدز! التوعية بالإيدز

* أحد أهم جوانب الجهد المطلوب اليوم هو التوعية العميقة والواسعة الانتشار حول العلم بوسائل الوقاية من مرض الإيدز، بمعنى أن تصل المعلومة السليمة لأكبر عدد ممكن من الناس وخاصة ممن هم أكثر عرضة للإصابة أو من يسهمون بشكل رئيس في نشره. ورغم من يظن أن تكرار الحديث حول طرق الإصابة أو نشر العدوى، بيد أن واقع الدراسات الميدانية خلاف هذا جملة وتفصيلاً، وهو ما لا يخص دول شرق آسيا أو وسطها، بل يشمل الكثير من دول العالم.

فدعونا نتأمل شيئاً من هذه الحقائق بعد الاتفاق أن مثلث رعب الإصابة أو نشر الإيدز يشمل مدمني المخدرات عبر الحقن بالإبر، وممارسي الشذوذ الجنسي من الرجال، والمحترفات أو الهاويات من ممارسات تجارة الجنس في كافة الأعمار، وإدراك أن الأمور مختلطة بين ممارسة تجارة الجنس وتعاطي المخدرات. في مدينةش «هوشي منه» بفيتنام يلاحظ أن لدى المصابين بمرض الإيدز ممن هم ضمن عناصر تجارة الجنس نسبة 49% ممن يتعاطون المخدرات عبر الحقن بالإبر مقارنة بنسبة 19% ممن يتعاطون المخدرات دون حقن الإبر، أو نسبة 8% ممن لا يتعاطون المخدرات بالأصل. ومن بين من يمارسون الجنس كمهنة تزداد الإصابة بالإيدز حسب وجود تعاطي المخدرات عموماً وعبر حقن الإبر خصوصاً! وكما يقول التقرير فإن ما يحصل في هذه المدينة الفيتنامية ينطبق على مدن أخرى في دول شتى. إن أولى وسائل الوقاية وأبسطها هو «الكوندوم» أو الغشاء الواقي المطاطي الذي يستخدمه الرجل، فلو أخذناه كمقياس على درجة الوعي بالوقاية من انتشار الإيدز لوجدنا الإحصائيات من مدينة كراتشي الباكستانية تقول ان واحدة من بين خمس يعملن في تجارة الجنس لا يعلمن حقيقة ما هو! وثلاثة أرباعهن لا يعلمن أنه يستخدم في الوقاية من انتقال فيروس الإيدز! وغالبيتهن ذكرن أن الزبائن يرفضون استخدامه. ولا تزال نسب الإصابة بالإيدز عالية بين ممارسي الشذوذ الجنسي بين الرجال إذْ تبلغ 17% في بانكوك و19% في بومباي.

العفة والإخلاص الزوجي واستخدام الواقي الذكري واستشارة الطبيب اهم توصيات التقرير تقف جهود دول آسيا ومنطقة الهادئ للحد من انتشار الإيدز أمام مفترق طرق، أولها الطريق الذي تم السير عليه منذ بداية ظهور المشكلة حتى اليوم والذي وصل بنا إلى بلوغ الوفيات المرتبطة بمرض الإيدز إلى 500 ألف حالة في عام 2004، والطريق الآخر الأصعب والمكلف يمسك بزمام المبادرة للوقاية والرعاية في وقف مد الإيدز.

التقرير الصادر في يونيو هذا العام عن منظمات الأمم المتحدة كمنظمة الصحة العالمية ومنظمة رعاية الطفولة وغيرهما يلخص تحديات الإيدز التي تواجهها المجتمعات في المنطقة عبر الاستفادة من أفضل الإحصائيات المتوفرة، ويناقش أسباب وصول خدمات جهود الحد من انتشاره إلى جزء ضئيل من المحتاجين إليها، ويضع الأطر العامة لكيفية الاستفادة من هذه اللحظة التاريخية قبل استفحال مشكلة الإيدز، ثم يضع التقرير نصائح لاستراتيجية ترتب عناصر الجهود المبذولة وتفعيل جدواها. ويقع التقرير في 40 صفحة يعرض في أربعة فصول: انتشار الإيدز الوبائي المتعاظم والمتعدد الأشكال، وفائدة الإدراك الواسع والشامل لسبل الوقاية والعلاج،، ثم أسباب فتور الاستجابة لبرامج الوقاية والعلاج، واخيرا يلخص التقرير توصيات عديدة موجهة إلى مستويات عدة من المعنيين بالأمر منها:

ـ «من الواجب وضع إطار واضح ذي مدلول زمني لكل المرتكزات المهمة في خدمات الوقاية من الإيدز.

الوقاية من الأمراض الجنسية تشمل المرتكزات التالية: العفة وتقليل الشركاء والإخلاص واستخدام الرجال للواقي الذكري والفحص التطوعي واستشارة الطبيب. في جوانب أخرى تشمل المرتكزات : بذل الوسائل لتقليل أذى تعاطي المخدرات عبر حقن الإبر، ومنع انتقال المرض من الأم إلى المولود، والتأكد من سلامة الدم المنقول، إضافة إلي رفع مستوى القدرة علي الحد من انتشار المكروبات في أماكن تقديم الرعاية الطبية».

ـ «التفاعل الإيجابي يتضمن التركيز على مجموعات الناس الأكثر تأثراً بالمرض والأكثر تأثيراً لنشره في المناطق ذات النسبة العالية للمرض. وتغطي العاملين في مجال تجارة الجنس، ومتعاطي المخدرات عبر حقن الإبر، وممارسي الشذوذ الجنسي من الرجال، إضافة إلى التركيز على صغار السن من الجنسين».