الزهايمر مرض يتفاقم وعلاجه يتطلب مزيداً من البحث

دراسات علمية في مختلف أنحاء العالم تدل على حدوث العديد من المؤشرات التي تسبق ظهوره

TT

يأخذ الاهتمام العالمي اليوم بمرض الزهايمر منحى أكثر جدية بعد صدور أكثر من دراسة منذ بداية هذا الشهر إضافة الى التقارير الأخيرة التي عرضت في أواخر شهر يونيو (حزيران) ضمن المؤتمر العالمي لرابطة مرض الزهايمر حول الوقاية من الخرف الذي عقد في العاصمة الأميركية واشنطن. كما وتتحدث الدراسات التي تتوالى عن وسائل الكشف المبكر عنه وسبل الوقاية ودور أبحاث الخلايا الجذعيه في وضع علاج له وهو ما تتبنى الترويج له زوجة الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان بعد وفاته بسبب الزهايمر لزيادة الاعتماد المالي لأبحاثه. لكن أهم الاختراعات العلمية حتى اليوم هي ما أعلنه الباحثون من بلجيكا حول دور الأوعية الدموية في نشوئه.

تشير المصادر الطبية الأميركية الى أن هناك موجة من الدراسات في الآونة الأخيرة تدور حول بحث أسباب ظهور مرض الزهايمر وسبل الوقاية منه، عبر دراسة تأثير عوامل عدة في نشوء المرض ودراسة المؤشرات المبكرة له قبل ظهوره بصفة مرضية كاملة.

تدل دراسة صدرت في عدد الشهر الماضي يوليو (تموز) من مجلة «الأعصاب النفسية» الأميركية أن هناك العديد من الإشارات التي تسبق ظهور مرض الزهايمر وتدل في وقت مبكر على قرب ظهوره، فالباحثون من مؤسسة «كارولنسكا» باستوكهولم أكدوا بعد مراجعة 47 دراسة نشرت فيما بين عامي 1985و 2003م أن مرحلة السنوات التي تسبق ظهوره تتميز بجملة من الأعراض المنبئة بقرب ذلك وتشمل قدرات الذكاء وتسلسل الذاكرة وسرعة الفهم والوظائف التنفيذية إضافة الى قدرات اللغة والتركيز ومهارات الملاحظة البصرية، والغريب أنها لم تشمل الذاكرة بشكل كلي وأولي. وكثير من هذه العناصر كما يرى الباحثون تتشابه مع بعض أعراض تقدم العمر بيد أنها تتميز لدى مرضى الزهايمر في مرحلة ما قبل ظهور المرض بأنها أشد وضوحاً مما هو في باقي الناس الذين يتقدم بهم السن فقط. كما عرضت دراستان مهمتان شهر يونيو (حزيران) في مؤتمر الزهايمر بواشنطن، تحدثت الأولى منهما عن وجود قصور ونقص لاستخدام الطاقة في مناطق معينة من الدماغ لدى متوسطي العمر وكبار السن قبل ظهور المرض فيهم لاحقاً وهو ما تبين في 85% من الحالات بالفحص بأنواع معقدة من الأشعة التي تصور مدى اكتساب الخلايا لعناصر مهمة من المواد الغذائية السابحة في الدم، وتؤكد الباحثة «ليزا موسكوني» من كلية الطب بجامعة نيويورك في هذه الدراسة أن منطقة «قرن آمون» في دماغ الإنسان هي أول منطقة من الدماغ تتأثر بالمرض ودعم الباحثون من جامعة ويسكونسن هذه النتيجة ببحث آخر. ويثير هذا الاكتشاف كما تذكر المصادر الطبية جملة من الأسئلة الأخلاقية والقانونية أهمها هل يُخبر الإنسان بذلك؟ ومتى سيظهر عنده المرض بكل ما يتبع هذا مما يتعلق بالمسؤولية العملية في الحياة الاجتماعية والوظيفية وإدارة الأعمال والأموال إضافة الى تكلفة التأمين الصحي؟. الدراسة الثانية ضمن نتائج دراسات «هونولولو الآسيوية» للشيخوخة، تقول إن من يتناولون عصائر الفواكه والخضر الطازجة على الأقل ثلاث مرات أسبوعياً هم أقل أربعة مرات لتعرض الإصابة بالزهايمر ممن لا يتناولونها، ودلت عليه متابعة حوالي 2500 من الأميركيين من أصل ياباني منذ عام 1967، ويعزو الباحثون السبب في الفائدة يرجع الى ما تحدثنا عنه مراراً وهي مضادات الأكسدة التي في النباتات. ودراسات أخرى ربطت بين الزهايمر وارتفاع نسبة الكولسترول وتكرار التهابات اللثة وقلة التحصيل العلمي وقلة الاختلاط الاجتماعي وغيرها كثير لدرجة أن الدكتور «ويليم ثايز» رئيس رابطة الزهايمر بالولايات المتحدة علق قائلاً: من المثير للاهتمام أن تعمق الدراسات حول الزهايمر وصل اليوم الى حد بحث سبل الوقاية منه فلقد كنا بالكاد نسمع عن هذا النوع من الدراسات قبل عشرة أعوام.

وقبل أيام نشر الباحثون من بلجيكا دراسة غاية في العمق ضمن عدد هذا الشهر من مجلة علم الأمراض الأميركية تضع في الحقيقة استراتيجية جديدة للتعامل مع المرض، فلقد حقق العلماء من مؤسسة جامعة «فلاندرز» للتقنية الحيوية التابعة لجامعة «أنترب» تقدماً واعداً في البحث حول أساس نشوء مرض الزهايمر بما يفتح أفاقاً جديدة في استخدام وسائل علاجية قد تتمكن من إيقاف تطور المرض. او الآلية التي يراها الباحثون تعتمد على حصول تسريب من الأوعية الدموية في الدماغ تؤدي الى تلف خلايا الدماغ في البقع التي يتميز بها المرض تشريحياً.

لو نظرنا من الناحية التشريحية الى هذا المرض الذي يصيب الدماغ نجد أن مما يميزه هو تكون بقع تتشكل من بروتينات وخلايا دماغية ميتة، هذه التجمع من البروتين يؤثر على قدرة الخلايا الدماغية الأخرى وبالتالي تتأثر الذاكرة والقدرات الذهنية الأخرى، وإجابة السؤال حول ما الذي يجمع البروتين بهذا الشكل هو حل المشكلة وبداية العلاج، فنحن حتى اليوم لا نملك علاجاً لا لوقف تطور المرض ولا لإزالة ما تكون منه. ومن هنا تأتي أهمية هذا البحث الذي يعتبر خبره لدى الأطباء «خبراً عاجلاً» بالمقاييس الصحافية إذْ يعزو بداية نشوء المرض الى تسريب الأوعية الدموية وهو ما يتماشى مع كثير من التطورات التي يتميز بها سلوك تطور المرض لمن تأمل من الباحثين. وستكشف العديد من الدراسات المتوقع صدورها هذا العام الكثير من الغموض الذي يكتنف المرض وأسبابه.

ما هو مرض الزهايمر? > الزهايمر هو مرض تتلف فيه خلايا الدماغ ويسبب تدهوراً متدرجاً لا عودة عنه في القدرات العقلية التي تؤثر على الذاكرة والتفكير والسلوك ولغة الكلام. يصيب 10% ممن هم فوق الخامسة والستين من العمر، وترتفع النسبة الى الضعف مع زيادة عشر سنوات من العمر، أي 30% بين من هم فوق الخامسة والثمانين. وبهذا فإن الزهايمر هو أكبر سبب للخرف في العالم. وتلعب الوراثة دوراً صغيراً في نشوئه إذْ ان 5% فقط من المصابين به لديهم أقارب سبقت إصابتهم به أيضاً.

تختلف الأعراض فيما بين المرضى، لكن أهمها هو النسيان وهو ما به يبدأ، ثم يتأثر الانتباه والقدرة عليه لفترة طويلة، ويواجه المريض صعوبات في التركيز. ومع مرور الوقت يزداد أمر النسيان سوءا، ويبدأ زملاء العمل أو أفراد الأسرة المحيطون بملاحظة الأمر، ثم يواجه المريض صعوبات في التعامل مع الأشياء المكتوبة ويبدأ فقدان الأغراض المهمة ويصعب عليه تذكر الأحداث أو الأشخاص أو الأشياء، ثم يتطور الأمر الى اختلاط المشاعر وتظهر أفكار معتقدات خاطئة أو هلوسة سماع أصوات والقلق وقلة النوم وكثرة النشاط بالليل وغيرها ليصل به الأمر في الحالات المتقدمة الى تشويش الذهن وفقدان الإحساس بالواقع من حوله فيفقد بالتالي القدرة على العناية بشؤونه الخاصة من المأكل والمشرب وحتى دخول الحمام والنظافة.

التشخيص يعتمد على وصف حالته وفحص قدراته العقلية وربما تساعد الأشعة وغيرها من الفحوص في استثناء أسباب أخرى للخرف، والوسيلة الوحيدة للتشخيص الدقيق اليوم هي بأخذ عينة من الدماغ بعد الوفاة. والعلاج حتى اليوم هو بدعم حالته ومساعدته ومساعدة عائلته للتعامل السليم معه إذْ لا يوجد علاج للحالة ولا يوجد وسيلة وقاية ثابتة الفائدة علمياً. الزهايمر مرض مكلف النفقات

* مرض الزهايمر بحسب ما عرض الباحثون من السويد اخيرا في المؤتمر المتقدم الذكر يكلف الرعاية الطبية في دول العالم ما مجموعه 169 مليار دولار سنوياً. وهذه أول دراسة بحثت في تحديد الكلفة السنوية المباشرة لعلاج ورعاية مرضى الزهايمر دون التكلفة غير المباشرة التي يتكبدها ذووهم من أوقاتهم وصحتهم والخسائر الناجمة عن تصرفاتهم غير الطبيعة في أعمالهم وأموالهم قبل سنوات من ظهور المرض بصورة واضحة وهي كما يرى الباحثون تفوق الكلفة العلاجية المباشرة، ونبه الباحثون الى أن مقدار هذه الكلفة كان بحسب تقارير عام 2003 وهو ما توفر لجمع بيانات الدراسة وكذلك يتوقعون أنها أكثر اليوم وبالمحصلة فإن الباحثين يقدرون الكلفة المباشرة وغير المباشرة اليوم تفوق بمراحل مبلغ 169مليار دولار. هذه هي كلفة هذا المرض بشكل عام لكن بشكل خاص يقول السويديون إن التكلفة الإجمالية لديهم تفوق تكلفة علاج أمراض القلب وأمراض السرطان معاً! والأميركيون ينفقون مبلغ 50 مليار دولار سنوياً على مرضاهم بالزهايمر، وبمقارنة بسيطة يذكرها الباحثون فإن رعاية المريض في أفريقيا تستهلك 400 دولار سنوياً وفي الولايات المتحدة 16000ألف دولار سنوياً وفي أوروبا 8500 دولار سنوياً.