اليونسيف تتبنى الأسبوع العالمي للرضاعة الطبيعية

الرضاعة الطبيعية تلبي حاجات الطفل الحيوية من العناصر الغذائية ومعدلاتها لا تزال متدنية في العالم العربي

TT

أقل بكثير من نصف الأمهات في المنطقة، يبذلن جهداً في إتمام رضاعة أطفالهن بشكل طبيعي حتى في الاشهر الثلاثة الأولى من العمر، والجهود المبذولة اليوم في حث الأمهات على تقديم الرضاعة الطبيعية لمواليدهن لم تبلغ المرجو بعد في العالم العربي. وفي حين تشهد مصر وسوريا زيادة إيجابية ملحوظة في النسبة التي تتجاوز 50%، تشهد دول الخليج وغيرها تدنيا مطردا يصل في بعض منها الى 12% فقط كما تشير الإحصاءات العالمية لمنظمات الصحة التابعة لهيئة الأمم المتحدة. والنسب الحالية هي ضمن أدنى النسب العالمية وتعرض الأطفال الى مخاطر الحرمان من حليب الأم بكل تبعات ذلك من ازدياد نسبة الالتهابات الميكروبية وضعف النمو وهلم جرا. وتنصح الهيئات الطبية العالمية أن تتم الأم على أقل تقدير إرضاع مواليدها الستة أشهر الأولى من العمر، وبالرغم من هذا ومن الملاحظة الإيجابية بارتفاع نسبة الرضاعة الطبيعية في العالم العربي بمعدل 10% خلال العقد الماضي وتحسن نوعية الغذاء التكميلي للأطفال ومعدل إكمال الرضاعة الطبيعية لمدة سنتين، لكن عدم انتظام المتابعة وقلة الدعم أديا الى تناقص ملحوظ تم بشكل متدرج أثناء الفترة الماضية في معدلات الرضاعة الطبيعية وعدد المستشفيات التي تولي هذه الأمور عناية خاصة. ويلعب الفقر وتدني مستوى تغذية الأمهات، كما تشير منظمة اليونسيف في عدد من الدول العربية كجيبوتي والسودان واليمن وحالياً العراق، دورهما في الدخول في حلقة مفرغة بين الأمهات ورضاعة الأطفال الطبيعية في مراحل مبكرة من العمر. هذا التدهور ترافق كنتيجة حتمية مع ازدياد معدلات سوء التغذية وضعف النمو وتفشي الأمراض بين الأطفال ما بين سن ستة أشهر وسنتين. والملاحظ بكثرة في دول المنطقة أيضاً هو مزج الرضاعة الطبيعية بالرضاعة الصناعية منذ أول شهر في عمر الطفل، إضافة الى سوء إعداد وجبات حليب الرضاعة الصناعية من التخفيف الشديد لتركيزها الى وسائل النظافة والتعقيم السليمين، وبعدها سوء الاختيار في كيفية ونوعية الغذاء المكمل للطفل ومراحل بدئه ومتابعة ذلك من الأمهات والأطباء كل هذا على وجه الخصوص في المدن دون المناطق الريفية.

لم يقتصر هذا الأمر على دول دون أخرى بل حتى الدول التي يصنف تميزها بنمط حياة مواز للدول الغربية من نواحي المداخل المادية العالية والاقتصاد المتين وانتشار التعليم العالي كدول الخليج مثلاً تعاني من هذه المشكلة بشكل يفوق غيرها بمراحل. فالنسب غاية في التدني للرضاعة الطبيعة الخالصة والمقدمة للأطفال، إذْ لم تبلغ النسبة بمجملها في دول الخليج نسبة 35%، فهي تحديداً 12% في قطر والكويت، و 31% في السعودية وعمان، و 34% في البحرين والإمارات بحسب تقارير منظمة اليونسيف هذا العام.

مبادرة دولية < الذي يشير اليه المفوض الإقليمي لمنظمة اليونسيف في منطقة أفريقيا والشرق الأوسط الدكتور «ماهندرا شيث» الى أن الأمهات في المناطق الأدنى دخلاً مادياً يظهرن اهتماماً واضحاً ومتزايداً بالرضاعة الطبيعية بخلاف الأمهات في مناطق أعلى دخلاً مادياً، ولذا يقول: توصيل رسالة واضحة وسليمة حول فوائد وكيفية القيام بالرضاعة الطبيعية الى الأمهات وتعليمهن وتذكير المشتغلين في تقديم الرعاية الصحية للأطفال بذلك هو مفتاح النجاح في نشرها في المنطقة. ومنظمة اليونسيف منذ عام 1990 تبنت برنامجا طموحا يسمي «مبادرة المستشفى لكسب صداقة الطفل» تحت إشراف الأمم المتحدة، وأنشأت التحالف العالمي لتفعيل الرضاعة الطبيعية من ضمن مهامه تنمية الوعي بفوائدها ومتابعتها في دول العالم، وشهدت هذه الأمور تطوراً ملحوظاً و زيادة في نسب ممارستها.

عناصر غذائية < تظل للرضاعة الطبيعية أهمية بالغة في نمو الطفل وتلبية حاجاته الحيوية من العناصر الغذائية، إضافة الى تقوية الروابط بين الطفل وأمه، إن الطفل الذي يرضع طبيعياً لا يشعر بالجوع ذلك أنه مهما كانت كمية الطعام المكمل فحين الرضاعة يأخذ حاجته بما يسد الجوع ويسهل راحته ونومه. فالطفل في عمر ستة الى ثمانية أشهر يحصل على 70% من كمية الطاقة اللازمة لجسمه من حليب الأم، و 55% في سن تسعة الى احد عشر شهراً، و 40% في عمر سنة الى سنتين. حليب الأم مصدر مهم وغني بالبروتينات والمعادن و الفيتامينات والدهون الأساسية ومركبات المناعة الجاهزة، وفيه كمية عالية من الطاقة بهيئة بسيطة وسهل على أمعاء الطفل امتصاصها مما لا يتوفر في المصادر الغذائية الأخرى، التي يجب أن لا تبدأ الأمهات في إضافتها إلا بعد ستة أشهر من العمر وليس من علامات سلامة النمو إقبال الطفل على أغذية غير حليب الأم في المراحل المبكرة من حياته.

الرضاعة الطبيعية تقلل بشكل كبير نسبة الوفيات لدى الأطفال في الشهور الأولى من أعمارهم تصل الى الخمس، تلك حقيقة راسخة، وكذلك تقلل من كثير من الأمراض في مراحل لاحقة من العمر، تلك حقيقة ثابتة أخرى، لكن الأسباب تتشعب لدى تناول موضوع تدني نسبة ممارسة هذا الأمر الصحي.

النصيحة الطبية تؤكد أن الرضاعة الطبيعية يجب أن تتم في الشهور الستة الأولى على الأقل بشكل لا يشارك الطفل أي نوع آخر من أنواع الغذاء مهما كان وتحديداً الرضاعة الصناعية ويفضل تقديمها مع الإضافات الغذائية بصفة متدرجة بعد هذا وحتى عمر سنتين، حيث وقت الفطام منها. يقول الدكتور «مارام لابوك» المستشار الأول لليونسيف ان الرضاعة الطبيعية تنقذ حياة حوالي مليون وثلاثمائة ألف طفل سنوياً أي 3000 طفل يومياً، وإذا ما أضيف الى هذا إتباع النصائح الطبية حول أنواع الغذاء المكمل إضافة الى حليب الأم بعد سن ستة أشهر فإن حياة 5500 طفل يمكن الحفاظ عليها كل يوم وطوال العام أي ما يزيد على مليونين ومائتي ألف سنوياً. وبالرغم من هذا كله فإن متوسط النسبة العالمية لمتلقي الرضاعة الطبيعية لا تتجاوز 40% من الأطفال في الستة أشهر الأولى من العمر. وأهميتها بالدرجة الأولى تنبع من أثرها الإيجابي في تقوية مناعة الطفل وتفعيل فائدة مختلف أنواع التطعيم التي يأخذها وتقليلها في مراحل لاحقة من العمر من الالتهابات الميكروبية وظهور أنواع عدة من السرطان إضافة الى تزويد الطفل بشكل سليم تماماً بكل العناصر الغذائية اللازمة لحياته بشكل صحي ونموه بصفة سليمة.

توعية صحية < إن النسب المنشورة حديثاً حول الرضاعة الطبيعية في منطقة الخليج والتي تلامس حد الخطر على صحة الأطفال من عدة جوانب تحاج الى جهود عالية ومؤثرة في الحث على الرضاعة الطبيعية وتذليل الصعوبات التي تواجهها الأمهات الصغار أو متوسطي السن بالتثقف الصحي ومتابعة المشاكل وتيسير حلها من قبل الأطباء والإجابة عن استفسارات الأمهات، فتخصيص عيادات للرضاعة الطبيعية هو أقل ما يفعل في هذه المرحلة لوضع حد للنسب المتدنية في ممارستها ومساهمة وسائل الإعلام لا حدود لها في التخفيف منها، فالدراسات الطبية من مناطق شتى من العالم ما فتئت تقول لنا بصراحة قاسية ان نسبة الوفيات بين الأطفال الذين تتم رضاعتهم بالحليب الصناعي أعلى بمراحل ممن يأخذون رضاعة طبيعية، وأن نشوء أمراض الحساسية أقل لدى الأطفال ممن تم إرضاعهم طبيعياً، وأن الأم كلما أرضعت أطفالها كلما قلت نسبة تعرضها لسرطان الثدي والمبايض. إن أساس المشكلة ذو شقين، الشق الأول اعتقادات واهية وخاطئة لدى الأمهات، وصعوبات يواجهها الأمهات يجدن الحل الأسرع لها في التحول الى الرضاعة الصناعية. فأوهام الأمهات أن الرضاعة الطبيعية ترهل الثدي على غير أساس علمي، بل الحمل وزيادة الوزن خلاله، إضافة الى الانقطاع المفاجئ للإرضاع الطبيعي هي كلها ما يسبب ترهل الثدي، إضافة الى الوراثة، ولم تكن الرضاعة الصناعية في يوم من الأيام بديلاً يقوم بالواجب كما يقال للرضاعة الطبيعية، وإهمال الأطباء في توجيه الأمهات حول الكيفية السليمة للإرضاع أمر يجب التنبه اليه، ومراعاة نفسيات كثير من الأمهات اللائي يجدن صعوبات أو ألم أثناء الإرضاع يجب التفات الزوج اليه ومساعدتها عبر الدعم والحنان.