أكثر من نصف الجلطات والنوبات القلبيةِ يُمْكِنُ تفاديها لدى المصابين بضغطِ الدمّ العاليِ

البروفسور نيل بولتر في حديث خاص لـ«الشرق الاوسط»: دراسة فريدة في نوعها .. ونتائجها مثيرة وسوف تحدث تغيراً في الممارسات الطبية

TT

يعتبر ضغط الدمّ المرتفع مشكلة صحية عامة ورئيسية، وعلى الرغم مِنْ توفرِ أدوية فعّالةِ لخفض ضغطِ الدمّ المرتفع، إلا أن العديد مِنْ المرضى المعالجين بتلك الأدوية ما زالوا يَتعرّضونَ للسكتات، والنوبات القلبية وأمراض أخرى ذات علاقة، مثل مرض السكّريِ.

تشير آخر الإحصاءات التي نشرت في أوائل عام 2005 أن هناك أكثر من 330 مليون شخص بالغ في أوروبا وأميركا الشمالية يعانون من ضغط الدم المرتفع، والذي يُؤثّرُ أيضاً على حوالي 639 مليون رجل وامرأة في بقيّة أنحاء العالم، وأن حوالي 80 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم معرضون لأخطار الأزمات القلبية والوعائية التي لا يمكن السيطرة عليها وفقا لخبراء منظمة الصحة العالمية.

هل هناك من وسائل علاجية أخرى يمكن أن تقدم لهؤلاء المرضى تعمل على خفض خطر المضاعفات بدرجة معينة؟ جهود العلماء لا تقف عند حد، وتطلعاتهم تقودهم دوماً للبحث عن وسائل للتخفيف من مضاعفات الأمراض إن لم يكن منعها.

اكبر دراسة اوروبية في الرابع من سبتمبر الحالي، تم الإعلان عن نتائج أكبر دراسة أوروبية لضغط الدم العالي، دراسة القلب الإنجليزية الاسكندنافية Anglo-Scandinavian Cardiac Outcomes Trial والتي يرمز لها اختصاراً بالاسم ascot ، وذلك ضمن مؤتمر جمعية القلب الأوروبية ESC الذي عقد في العاصمة السويدية ستوكهولم.

وفي موقع المؤتمر لم تتسن لـ«الشرق الاوسط» مقابلة أحد كبار العلماء في فريق البحث في هذه الدراسة بل كان الحوار التالي عبر الهاتف مع البروفيسور نيل بولتر Neil Poulter أستاذ الطب الوقائي لأمراض القلب والأوعية الدموية، كلية إمبيريال بمدرسةِ لندن الشمالية للصحة العامة، ويعمل بجامعة غوتينبيرغ ـ السويد. وذلك للتعرف على أهداف هذه الدراسة ونتائجها ومدى إسهامها في علاج مرضى ضغط الدم المرتفع والمضاعفات المرتبطة به.

و«الشرق الاوسط» كانت الصحيفة الوحيدة التي قامت بمثل هذا الحوار.

* أولاً نود التعرف على عينة الدراسة من حيث الحجم والنوعية؟

ـ شملت الدراسة أكثر من 19 ألف رجل وامرأة مصابين بضغطِ الدمّ العالي ذي الخطورة المتوسطة للجلطات والنوبات القلبية.

وللسيطرة على ارتفاع ضغط الدم، فإننا نستخدم عادة إمّا الأدوية الحديثة (مضادات الكالسيومِ ، amlodipine ومانع إيس ACE Inhibitor ، perindopril )، أَو المجموعة التقليدية (حاجز بيتا , atenolol ، ومدرّ البول). إضافة إلى ذلك فإن 10 آلاف مريض عولجوا أيضاً بخافضات كولستيرولِ الدم atorvastatin أَو أعطوا علاجاً مموّهاً (حبة وهمية). إن هذه الدراسةُ الأوروبيةُ تعتبر الدراسة الرئيسيةُ والوحيدةُ حتى الآن لدمج إستراتيجية المعالجة من النوعين.

المرضى الذين عولجوا في دراسة ascot هم من المرضى العاديين الذين نشاهدهم في الممارسة اليومية. كان عندهم ضغطُ دمّ عالٍ زائداً ثلاثة عوامل خطر إضافية ، ومثال على ذلك: مريض عمره 55 عاما، ذكر، مدخّن. وكان يتم الكشف على هؤلاء المرضى كونهم من ذوي الخطر المعتدل، مقارنة مع المرضى الذين يستخدمون العلاجَ التقليدي لتخفيض ضغط الدم (حاجز بيتا ومدرّ البول)، وجد أن الجمع بين أدوية تخفيض ضغطِ الدمّ الحديثة amlodipine وperindopril، مع تخفيض فعّال للكولوستيرولِ سيؤدي الى إلغاء حوالي نصْف خطر السكتات والنوبات القلبيةِ ـ وهي الأسباب الأكثر أهميةً لوفاة ملايين الرجال والنساء المصابين بضغط الدمّ العالي.

* ما هو الفرق بين نسبة الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية لدى المرضى الذين يعالجون بدواء أملوديبين Amlodipine بناء على مستوى ضغط الدم لديهم وطريقة علاجهم؟

ـ لقد قمنا في هذه الدراسة بمتابعة الفروق بين نسبة الإصابة بالنوبات القلبية والسكتات الدماغية نتيجة للإصابة بارتفاع ضغط الدم. واستطعنا من خلال هذه الدراسة ضبط حوالي 40 % من الفروقات في السكتات و50 % في حالة النوبات القلبية، مع ارتفاع ضغط الدم.

* كيف يمكن للأطباء مساعدة مرضاهم على تفادي مضاعفات ارتفاع ضغط الدم وتقليل مخاطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبات القلبية؟

ـ باعتقادي أن أول ما يجب القيام به هو السيطرة بشكل تام على ارتفاع ضغط الدم، وفي ذلك السياق يدرك معظم الأطباء والمرضى أنه للسيطرة بشكل جيد على ارتفاع ضغط الدم يجب استعمال نوعين من الأدوية على الأقل. نصيحتنا هي السيطرة على ضغط الدم، ونعتقد بأن أفضل خليط من الأدوية في الوقت الحالي هو معيقات قنوات الكالسيوم calcium channel blockers، وخافضات الكوليستيرول.

ولا شك أن هناك طرقا للعلاج لا تعتمد على الأدوية ويمكن استخدامها مثل التوقف عن التدخين، وعدم استخدام الملح، وممارسة الكثير من التمارين الرياضية.

كما نعتقد أيضاً بأن إضافة الستاتين statine ، وهي مواد تستخدم لتقليل نسبة الكوليسترول في الدم، تساعد على الحماية من الإصابة بالنوبات القلبية، حيث تعمل مواد الستاتين على تقليل المخاطر لدى المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم.

* هل تعتقدون بأن النظام العلاجي الجديد قد يخفف من الإصابة بداء السكري لدى مرضى ضغط الدم المرتفع؟

ـ الإجابة بالتأكيد نعم، فالسكري يحدث نتيجة مزيج من الآثار الضارة لحواجز بيتا والمواد المدرة للبول. وهذا الأثر ليس بالأثر الجديد فنعلم أن معيقات بيتا والمواد المدرة للبول ترفع مستوى الجلوكوز في الدم وتزيد بذلك المقاومة للإنسولين، وبذلك تزداد فرصة الإصابة بالسكري.

أما معيقات قنوات الكالسيوم فهي حيادية من هذه الوجهة، فهي لا تتسبب في الإصابة بالسكري، كما أنها لا تحمي من الإصابة به. وباعتقادي أن معيقات أيس ACE Inhibitors قد تحمي بشكل جيد من الإصابة بالسكري.

وهذه المسألة مسألة مختلفة عن ارتفاع ضغط الدم. وكل ذلك يعود إلى الآثار الضارة لمعيقات بيتا التي تتسبب في الإصابة بالسكري.

* هل سيكون لنتائج هذه الدراسة دور في تغيير المعايير التي يتم بها علاج ضغط الدم المرتفع؟

ـ النتائج النهائية لدراسة ascot التي أجريت في المملكة المتحدة، وآيرلندا والبلدان الشمالية، أظهرت أن الجمع بين مجموعة أدوية تخفيض ضغط الدم الحديثة، خفضت خطر السكتات بحوالي 25 %، وانسداد شرايين القلب coronaries بحوالي 15%، والوفيات القلبية والوعائية بحوالي 25 % وحالات مرض السكر الجديدة بحوالي الـ30 % وذلك مقارنة بالعلاج التقليدي القياسي.

وإضافة دواء تخفيض الكولوستيرولِ atorvastatin سوف تخفض بشكل أكبر ما تبقى من عامل الخطر، بصرف النظر عن المستوى الأصلي لكولسترول المريض. في الحقيقة، كان مستوى الكولستيرول عند مرضى دراسة ascot مع نهاية الدراسة في المستوى الطبيعي أو دون الطبيعي.

عليه وبموجب المعايير الأوروبية والمعايير البريطانية ينصح بالعلاج باستخدام الستاتينات بالنسبة للمرضى من فئة عمرية معينة ويواجهون المخاطر ذاتها.

واعتقد بأن هذه البيانات ستؤكد ذلك، وستقود إلى تطبيقها بشكل عملي من قبل الهيئات الطبية. بالنسبة للمعايير الأوروبية فهي تتضمن معيقات بيتا ومدرات البول كخليط معقول للاستخدام. أما المعايير البريطانية فهي أكثر حذراً تجاه هذه المعايير. وفي بريطانيا سنعيد مخاطبة الجمعية البريطانية لضغط الدم في اجتماعها العلمي السنوي. وسنعمل على إعادة تقييم المعايير البريطانية، أما في المعهد الوطني للامتياز الدولي في المملكة المتحدة، فسنعمل على تقرير ما إن كان من اللازم وضع معايير وطنية جديدة على ضوء نتائج هذه الدراسة.

* هل كانت هناك دراسات مماثلة لـascot ؟ وما هي أهمية نتائجها من الناحية الاكلينيكية؟ ـ كلا، ليست هناك دراسات مشابهة، فهذه الدراسة دراسة فريدة في نوعها في هذا الموضوع، من ناحية إعدادها وتصميمها لأمراض القلب.

كما أن هذه الدراسة هي الدراسة الأولى التي تقارن بين استعمال خليطين من الأدوية هما معيقات بيتا ومدرات البول، مع خليط مختلف تماماً هو خافضات نسبة الكولستيرول في الدم.

هذه الدراسة هي أول دراسة يستخدم فيها خليط من الأدوية. طبقت الدراسة على مرضى لم يسبق لهم الإصابة بأمراض القلب. وهي تختلف بذلك عن كل الدراسات السابقة التي تناولت مرضى أصيبوا فيما مضى بأمراض في القلب. وتكمن أهمية هذه الدراسة في نتائجها التي تقدم لهؤلاء المرضى مجموعة بسيطة وفعالة من الأدوية التي تسيطر على ضغط الدم وتخفض الكولستيرول وبالتالي فهي تخفّضُ خطر المضاعفات بدرجة كبيرة. هذه الأخبار مهمة جداً للمرضى وللأطباء على حد سواء.

ولا بد من إعادة النظر في التوصيات الدولية لعلاج ضغط الدم المرتفع، فالأدوية الحديثة ستكون خياراً أفضل لعلاج معظم مرضى ضغط الدم المرتفع.