ضرس العقل لا يزال يحتاج إلى التعامل الصحي معه

التهابات الفم بسببه أكثر مما كان متوقعاً وقد تنتشر إلى الرأس والدماغ

TT

ضرس العقل قد يكون مصدراً للقلق على صحة الإنسان ككل أكثر من أنه مصدر ألم لدى البعض، والحاجة إلى متابعة حالته لا علاقة لها ألبته بارتباط ذلك بأعراض يشكو منها الإنسان، هذا ما دار حوله النقاش في اليوم الأول من أيام المؤتمر السنوي للرابطة الأميركية لجراحي الفم والفكين والوجه في بوسطن الذي عقد أخيرا حينما طرح فريق من الباحثين في جامعة كارولينا الشمالية بعضاً من نتائج دراستهم الطويلة الأمد حول صحة ضروس العقل.

البالغون الصغار السن ممن تتراوح أعمارهم ما بين العشرين والثلاثين عرضة، نتيجة لإهمال ضروس العقل، للإصابة بالتهابات الفم وبزيادة في التهابات مناطق أخرى في الجسم لم تكن في الحسبان على نطاق واسع. وقد اوضحت الدراسة أن موضع ضروس العقل هو منطقة معرضة للالتهابات المزمنة التي لا يحس بها غالب الناس مما يستدعي اهتمام المرء بالحالة الصحية لها لديه والمنطقة المحيطة بها نظراً للآثار المتعددة لحصول التهابات فيها على الجسم وخاصة السيدات الحوامل اللائي هن عرضة لولادة مواليدهن بصفة غير مكتملة النمو كما أثبتته العديد من الدراسات كما على القلب والدماغ وغيرها من مناطق الجسم.

هذا الأمر يطرح مسألة سلامة ضروس العقل من الالتهابات الميكروبية كأحد الأولويات الصحية لدى الناس في مختلف الأعمار، وإن كانت سلامة جميع الأسنان أمرا مهما لكن موضع ضروس العقل يتميز بأنه بعيد داخل الفم وبالقرب من مناطق عميقة في الرأس والرقبة بكل ما فيها من أوعية دموية ولمفاوية يسهل انتقال الميكروبات منها إلى مناطق قريبة أو بعيدة في الجسم، كما أن قربها من الجيوب العظمية خاصة في الفك العلوي يجعل أمر انتقال الالتهابات إلى الدماغ أمرا واردا بشكل خاص على حد قول الدكتور روبرت غليكمان من كلية طب الأسنان في جامعة نيويورك.

والحقيقة أنه في حين ربطت كثير من الدراسات السابقة بين سلامة الأغشية المحيطة بالأسنان واللثة عموماً وبين الإصابة بالعديد من أمراض الجسم فإن هذه الدراسة الواسعة والطويلة أمد المتابعة، تمتاز بأنها سلطت الضوء بشكل أخص وأدق على الوضع الفريد للحالة الصحية لضروس العقل وأهمية المحافظة على سلامتها وسلامة الأنسجة المحيطة بها لدى من هم في مراحل مبكرة في العمر ولا يشكون من أية أعراض. الدراسة التي لا تزال حتى اليوم مستمرة في المتابعة عرض منها الدكتور ريموند وايت الصغير من جامعة شمال كارولينا متابعة 300 شخص تراوحت أعمارهم ما بين الرابعة عشر والخامسة والأربعين أكملوا حتى اليوم سبع سنوات من متابعة الدراسة الطبية لهم، وممن كانوا لا يشكون من أي أعراض في ضروس العقل ولا غيرها من الضروس عند البدء. وبعكس المتوقع إذْ رغم عدم شكواهم من أية أعراض فإن 25% منهم كان لديهم أمراض واضحة في المناطق المحيطة بضروس العقل مما لم يكونوا متنبهين لها، وهو ما يخالف ما توقعه الباحثون من ناحيتين، الأولى أنهم ظنوا أن 10% فقط سيكون لديهم التهابات في الفم والثانية لأنه يخالف القديم من الدراسات الإحصائية في المجتمعات والتي كانت تؤكد أن نسبة التهابات الفم متدنية لدى من هم دون سن الخامسة والثلاثين.

الأمر الآخر الذي أثارته الدراسة هو ملاحظة أن الضروس النابتة بشكل سليم وقائم هي عرضة لحصول الالتهابات أسوة بالضروس غير مكتملة النمو أو نبتت بشكل مائل! نمو ضروس العقل

* ببلوغ سن الثامنة عشرة يكتمل لدى غالب الناس نمو 32 سناً، ستة عشر على كل فك، أخرها هو سن العقل وهو آخر الطواحن التي تؤدي دوراً مهماً في مضغ الطعام بشكل جيد وأيضاً تساعد على سهولة البلع. وغالب أفواه الناس مهيأة بشكل طبيعي لتحمل وجود 28 سناً، من هنا نبعت لدى البعض متاعب في نمو ضروس العقل الأربعة. النمو غير الطبيعي لضرس العقل يأخذ أشكالاً متعددة منها ما يكون أفقيا مقارنة ببقية الأسنان الرأسية النمو، ومنه ما يكون رأسيا كبقية الأسنان ومنه ما يكون بشكل مائل بالنسبة لهذا وذاك، كما أن النمو غير السليم يأخذ وجهين إما عدم بروزه بالكامل فوق اللثة أي أنه مطمور بشكل كلي فلا يُرى أو أنه مطمور بشكل جزئي فيُرى شيء منه.

اما ضرس العقل اخر الضروس بروزاً، والمتاعب تواجه الكثيرين في اكتمال ظهوره واعتدال ثباته بين باقي الضروس في الجهات الأربع لنموه. وكما تقدم يختلف حال طمر الضرس وبالتالي يختلف التعامل الطبي معه.

الأبحاث حول تعديل نمو ضرس العقل لم تصل إلى نتائج حاسمة تعفي الضروس من لجوء الطبيب إلى خلعها وإن كانت اليوم تتجه بشكل أكبر إلى الاهتمام بالتعديل ووسائل تحقيق ذلك وهي تمارس في بعض المراكز الطبية لكنها تستلزم جهداً كما تستلزم أن تكون الظروف المحلية وتحديداً حالة العظم لم تصل بعد إلى الجفاف والتماسك مع الضرس مما يجعل التحريك المتدرج لتعديل نموه صعبا للغاية، ولذا فإن دراسة حالته والعظم المحيط به إضافة إلى الضرس المجاور مع قياس مساحة المسافة في منطقة الفك كلها عوامل تسهم في قرار الطبيب العلاجي.

العلاج المبكر

* النقطة الأساس أن العلاج المبكر لمشاكل الضرس المستلزم للخلع أفضل من التأخير أو الانتظار لأنه يقلل من صعوبات الخلع في المستقبل كما يقلل من فرص نشوء المضاعفات بشكل عام. موضوع خلع أو إبقاء ضروس العقل مجال للأخذ والرد بين أطباء الأسنان لكن أحداً لم يعد يختلف اليوم كما في السابق على أن بقاء ضروس العقل السليمة انباتاً وصحة وأنسجة محيطة بها أفضل في حالة توفر العناية السليمة بالأسنان والمتابعة لدى الطبيب لأن بقاء هذه الضروس السليمة مفيد طوال الوقت وأيضاً حينما تدعو الحاجة فإنه يمكن الاستفادة منها كأوتاد سليمة لتثبيت تركيبات في الأحيان التي تدعو لذلك كخلع أحد الضروس المجاورة، وإن كان ما زال هناك من أطباء الأسنان من يتبنون نظرية الخلع كحل استباقي للمشاكل المحتملة في الغالب مستقبلاً. لكن المشكلة الأوضح هي في التعامل مع ما نبت بشكل غير سليم أو لم ينبت ألبته وفي وضع متصادم مع الضرس المجاور أو ما أصيب بتسويس أو ما حوله التهابات.

وتكرار حصول الالتهابات حول ضروس العقل أو تكون كيس حولها مما لم تفلح العلاجات أو تعلم المريض الطريقة السليمة في العناية بها وتنظيفها تفرض غالباً اللجوء إلى خيار الخلع، إذْ اللعاب والبكتيريا وترسب بقايا الطعام كلها تجتمع في منطقة ضروس العقل مما يصعب على الجسم إبعادها ضمن منظومة حركات الفم الطبيعية التي تنظف الأسنان ذاتياً أو بوسائل تنظيف الأسنان كالفرشاة أو الخيط أو السواك التي يصعب وصولها إلى تلك المناطق الخلفية ما لم يحرص المرء على ذلك.

وكذلك الحال عند انباته بشكل يسبب مشاكل موضعية على باقي الأسنان كحصول خلخلة لثباتها أو تلف لأجزاء منها مما يزيد من فرصة شعور المرء بالألم المتكرر حينها فإن الخلع يطرح على المريض كحل.

وفي حالات أن يؤثر نمو ضرس العقل بشكل غير معتدل على بقية الأسنان التي تم بذل جهد في تقويمها مما قد يفسد كل ما تم فإن الخلع قد يكون ضروريا إذا ما تعذر تقويمه هو بذاته.

الخلع وما بعده

* هناك خيارات في التخدير يقدر طبيب الأسنان المناسب منها حسب جملة من الأمور تتعلق بوضع الضرس وعلاقته بما حوله من أسنان وعظم، وكذلك الخلع المباشر أو بفتح شق في اللثة وغيرها من الأمور التقنية التي يراجعها الطبيب مع كل مريض على حده. المهم هو تناول المضاد الحيوي لمن يحتاج ذلك من مرضى القلب أو غيرهم وتذكير الطبيب بالأدوية التي يتناولها المريض إن كانت هناك وكذلك بالأمراض الأخرى التي يعاني منها.

ما بعد الخلع يحتاج من المريض اتباع التعليمات الطبية لمنع حصول مضاعفات والتي تختلف باختلاف طريقة الخلع والتخدير. الأمر الذي يجب تجنب الوقوع فيه هو حصول حالة التجويف الفارغ وهي حالة تصيب البعض عند خلع ضرس العقل من الفك السفلي وتتسبب في الشعور بألم مبرح جداً نتيجة خلو منطقة السن المخلوع من طبقة تجلط الدم التي تغطي العظم وتساعد في تسريع التآم الجرح. فالمضمضة الشديدة في أول يوم بعد الخلع والتدخين والإزالة المبكرة للضمادة التي يضعها الطبيب فوق منطقة السن المخلوع أو شرب السوائل الساخنة مبكراً كلها عوامل تسهم في حصول هذه الحالة.