وسائل دوائية وجراحية حديثة لعلاج الصرع

نوبات تنشأ عن اضطرابات الدماغ تكون جزئية في 62 في المائة من الحالات

TT

الصرع من أقدم اضطرابات الدماغ التي عرفها الإنسان وكان الاعتقاد السائد أنه ينشأ عن الجن، إلى أن جاء جون هقلنقز جاكسون في عام 1870م محدداً القشرة الخارجية للدماغ بأنها الجزء المعني بالصرع. وهو من الأمراض المنتشرة في العالم وبالذات في مجتمعاتنا العربية نتيجة شيوع التزاوج بين الأقارب. ويوجد هناك حوالي 200 ألف مريض مصاب بالصرع بالمملكة ما يمثل نسبة 1% من السكان علما بأن المرض أكثر شيوعا لدى الأطفال الصغار والمسنين.

والصرع ليس مرضا وإنما هو علامة لاختلال عصبي داخلي مع القابلية للتعرض لنوبات تشنّج متكرّرة تحدث نتيجة تفريغ كهربائي غير عادي في مجموعة من خلايا الدماغ التي تتصل ببعضها من خلال إشارات كهربائية. ويتوقف نوع النوبة على جزء الدماغ الذي حصل فيه التفريغ الكهربائي، الجزء غير العادي.

وتختلف النوبة الصرعية اختلافاً كبيراً من شخص لآخر حسب نوعها وتصنيفها. وقد تبنت الأوساط الطبية حالياً، التصنيف الذي قامت به المنظمة الدولية للصرع فتصنف النوبات إلى نوعين رئيسيين؛ نوع «جزئي»partial seizures ونوع «عام» (general seizures، كما يقسم كل نوع من هذه الفئات إلى فئات فرعية بما في ذلك النوع الجزئي البسيط، النوع الجزئي المركب، والنوع الذي يسبّب الغياب، والنوع التوتري ـ الارتجاجي وأنواع أخرى.

مؤتمر عالمي

* ومن أهم ملامح التصنيف الجديد للمنظمة الدولية للصرع التمييز بين النوبات الجزئية والعامة. فإذا كان التفريغ الكهربائي المتزايد في الدماغ محدوداً بمنطقة واحدة، فإن النوبة تكون جزئية، أما إذا كان الدماغ كله متأثراً بالنوبة فإن النوبة تكون عامة.

ولمواكبة آخر المستجدات في هذا المرض من ناحية التشخيص الدقيق والعلاج الطبي والجراحي، استضاف مؤخراً مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة المؤتمر العالمي لمرضى الصرع.

وقد أوضح «للشرق الأوسط» الدكتور محمد بن سعيد جان رئيس اللجنة المنظمة العليا للمؤتمر وأستاذ طب الأعصاب بجامعة الملك عبد العزيز بجدة والاستشاري بالمستشفى التخصصي بجدة أن المؤتمر ناقش آخر التطورات الطبية والجراحية لعلاج مرض الصرع لدى الأطفال والكبار من خلال طرح أكثر من 30 ورقة عمل في مجال الصرع، سواء على مستوى التشخيص أو العلاج، شارك فيها حوالي 20 استشاريا متخصصا من عدة دول أجنبية وعربية مثل: أميركا وكندا ومصر ولبنان، بالإضافة إلى عدد كبير من الباحثين المتميزين من داخل السعودية.

وأضاف أن الإحصاءات تؤكد أن حوالي 1% من المجتمع يعانون من أمراض الصرع المختلفة وبالذات من الأطفال وكبار السن، علما أن هذه النسبة قد تصل إلى 5% إذا أضفنا لها حالات التشنجات الحرارية.

دواء علاجي

* وقد تمت مناقشة عدة دراسات عملية في مجال الصرع، نورد نتائج أبرزها وأهمها:

استخدام دواء الكيبرا لعلاج الصرع المستعصي بالسعودية، وكانت هذه من الدراسات الكبيرة التي تناولت أحد الأدوية الجديدة وهو علاج الكيبرا Keppra levetiracetam وهو من العلاجات المتوفرة في السعودية حاليا. أجريت هذه الدراسة، تحت إشراف الدكتور محمد محمد سعيد جان، بهدف التأكد من مفعول هذا العلاج لدى 30 مريضا ومريضة بالمستشفى التخصصي والجامعي بجدة من المرضى الذين عانوا لمدة طويلة من الصرع مع تأخر ذهني وحركي. تناولت هذه الدراسة إلى جانب عقار «كيبرا» عددا من العلاجات الأخرى تراوحت بين 3 ـ 8 علاجات ـ وكما يوضح الرسم البياني (انحسار عدد التشنجات في مرضى الصرع بعد إعطائهم دواء كيبرا)، فإن هؤلاء المرضى تحسنوا بنسبة 20%، حيث ان التشنجات العصبية اختفت تماما و43% تحسنوا بدرجة كبيرة وكانت الأعراض الجانبية لهذا الدواء محدودة، حيث إن الجرعات استخدمت بطريقة مقننة وبمتابعة دقيقة ـ وبناء على هذه الدراسة فان دواء الكيبرا يعتبر من الأدوية المهمة التي يجب استخدامها في حالات الصرع المستعصي.

جراحات ناجحة

* تم خلال المؤتمر الدولي للصرع استعراض 75 عملية جراحية متتالية أجريت في مركز الملكة إليزابيث الثانية للعلوم الصحية لحالات صرع الفص الصدغي من قبل البروفيسور مارك سادلر من جامعة دلهاوزي بكندا، حيث اشتملت البيانات التي تم الحصول عليها على معلومات إحصائية عن المرضى: العمر، وقت بداية ظهور نوبات الصرع، معدل تكرار نوبات الصرع قبل العملية، مسببات الصرع، نتائج صور الأشعة قبل العملية، نوع العملية، مضاعفات ما بعد العملية، الفحوص المخبرية، والنتائج.

وتم تحديد كفاءة هذه العمليات في علاج هذا النوع من الصرع من خلال تسجيل حدوث أي نوبة صرع بعد العملية ونمطها ووقت أول نوبة صرع أتت للمريض بعد العملية والعوامل المحفزة لأول نوبة صرع بعد العملية، تلقائية كانت أو نتيجة سحب الدواء.

ويعتبر مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة من المراكز المحدودة في السعودية التي تقدم خيار العلاج الجراحي للصرع بوجود استشاريين عالميين في هذا المجال مثل الدكتور جون ميرفن من كندا والدكتور جينروسو فاسكون من أميركا وقيادة عدد من الاستشاريين السعوديين مثل: الدكتور محمد جان والدكتور صالح باعيسى.

إرهاق أمهات المصابين

* تمثل التشنجات المستعصية نسبة حوالي 20 ـ 30% من حالات الصرع، حيث إن هؤلاء الأطفال يعانون من عدة مشاكل على مستوى التأخر الذهني والحركي، مع التأثير على معنويات ونفسيات الأم والأسرة أجمعها ـ ولدراسة هذا التأثير قام الفريق الطبي بإشراف الدكتور محمد محمد سعيد جان استشاري الأعصاب وأستاذ طب الأطفال بالمستشفى الجامعي بدراسة مستقبلية لأربع وستين (64) عائلة باستخدام دراسة مقننة. وقد وجد أن 44% من الأمهات يعانين من مشاكل متعددة بسبب الإرهاق ولها علاقة بالتحكم بالتشنجات او الإعاقة الحركية أو الذهنية. وتتضمن الاستراتيجيات الكفيلة بعلاج هذه المشكلة التعليم المناسب والعمل على ضبط نوبات الصرع والمشاركة في ممارسة تمارين منتظمة وتلقي الدعم الاجتماعي مع الاهتمام بالصحة النفسية لهؤلاء الأمهات لما لها من تأثير على صحة الطفل.

نوبات الصرع وأنواعها

* يوضح استشاري طب الأعصاب بتخصصي جدة الدكتور محمد جان أن للنوبات الصرعية أنواعا، منها:

ـ النوبات الجزئية البسيطة partial seizures كانت تعرف سابقاً بالنوبات البؤرية focal seizures، وتكون مصحوبة بأعراض أولية، كأن يحس المريض ببعض الأحاسيس الغريبة أو غير الاعتيادية بما في ذلك حركات مفاجئة ومرتجفة لأحد أجزاء الجسم مع اختلال في السمع أو الإبصار وتعب في المعدة أو إحساس مفاجئ بالخوف، ولا يتأثر الوعي في هذه الحالة. وتعتبر النوبات الجزئية أكثر حدوثا بنسبة 62% من مرضى الصرع. ـ النوبات الجزئية المركبة complex partial sei zures: وكانت تعرف سابقا بـالنوبات النفسية الحركية psychomotor seizures أو صرع الفص الصدغي temporal lobe seizures، وتكون مصحوبة بسلوك آلي معقد يرتبط بضعف الوعي أو الشعور ويبدو المريض أثناء النوبة مترنحا ومرتبكا. كما يلاحظ حدوث تصرفات لا هدف لها كالمشي العشوائي والتمتمة والتفات الرأس أو شد الملابس. وفي العادة لا يستطيع المريض تذكر أو استرجاع هذه الحركات «الأوتوماتيكية». وقد تبدأ هذه الأعراض لدى الأطفال بالحملقة ومص الشفاه وقد تختلط هذه الأعراض مع أعراض نوبة التغيب أو ما يسمى بالصرع الخفيف. وتمثل النوبات الجزئية المركبة حوالي 30% من جميع حالات الصرع. ـ نوبات التغيب petit mal seizures: وكانت تعرف سابقا بالصرع الخفيف وتكون مصحوبة بتغيب عن الوعي لفترات تمتد من 5 ـ15 ثانية وفي هذه الفترة يظهر المريض وهو محملق في الفضاء وتتجه العيون إلى أعلى ولا يسبق نوبات التغيب نسمة أو علامات تحذيرية، ويمكن استعادة النشاط بعد هذا الوضع مباشرة. وغالبا ما تحدث هذه الحالات لدى الأطفال وتختفي عند المراهقة أو قد تتطور إلى أنواع أخرى من النوبات مثل النوبة الجزئية المركبة أو نوبة الصرع الكبيرة. ويلاحظ أن نوبات التغيب لدى البالغين نادرة الحدوث. ـ نوبات الصرع الكبيرةgrand mal seizure وهي نوبات صرعية تشنجية شاملة تبدأ بمرحلة توترية يفقد الشخص فيها وعيه ثم يسقط ويصبح الجسم صلبا متيبسا. تليها المرحلة الارتجاجية ويحدث أثناءها اهتزاز وارتعاش شديدان في الجسم والأطراف. وبعد حدوث النوبة يتم استعادة الوعي تدريجيا. وإذا بدأت نوبة الصرع الكبرى موضعيا (بنوبة جزئية) فإنها قد تُسبق بما يسمى بالنسمة وتكون مثل هذه النوبات ثانوية الشمول، أي نوبة صرع كبرى ناتجة من نوبة صرع جزئية. وتعتبر النوبات الصرعية التوترية الارتجاجية من أكثر الأنواع وضوحا، ومن أكثرها رؤية إلا أنها ليست الأكثر انتشارا.

ـ النوبات الصرعية المستمرة status epilepticus: وهي حالة إسعافية قد تؤدي إلى الوفاة أو إلى تلف الدماغ إذا لم تتخذ حيالها إجراءات علاجية سريعة، حيث تكون النوبات متواصلة بدون استعادة الوعي بينها.

ـ صرع الارتجاج العضلي الصبياني juvenile myoclonic epilepsy يحدث لدى الأطفال الصغار أو المراهقين، ومن أبرز مظاهره الانتفاض الشديد للأطراف وحدوث النوبات التوترية الارتجاجية (الصرع الكبير) على مدى ساعة أو ساعتين بعد الاستيقاظ من النوم. وهناك حالات صرع أخرى حميدة: تحدث أيضاً لدى الأطفال الصغار أثناء النوم، في سن محددة وتتوقف عند سن 13 فما فوق. ومن مظاهر هذا النوع سيلان اللعاب ورجفة الفم.

ـ النوبات الكاذبةpseudoseizures وهي نفسية المنشأ، وشائعة، وقد تحدث للأصحاء أو حتى للمصابين بالصرع، من خلال رغبة ـ عن وعي أو غير وعي ـ للحصول على رعاية واهتمام أكثر. وتبدأ مثل هذه النوبات بأعراض تتمثل بسرعة التنفس وضغط عصبي وقلق أو ألم. ومع سرعة التنفس يتكون في الجسم ثاني أوكسيد الكربون الذي يحدث تغييرا كيميائيا وهذا قد يتسبب في أعراض تشبه إلى حد كبير النوبات الصرعية كوخز في الوجه واليدين والقدمين مع تشنج وارتعاش وما إلى ذلك. وأفضل علاج لهذا النوع من النوبات هو تهدئة الشخص وجعله يتنفس بطريقة طبيعية، كما ينبغي أن يشتمل العلاج على البحث في الأسباب أو العوامل الذهنية والعاطفية التي أدت إلى ذلك.

ويتم التمييز بين النوبات الصرعية والنوبات الكاذبة من خلال طبيعة وأعراض النوبة ولكن التشخيص قد يكون صعبا ويحتاج الأمر إلى عمل قياس نشاط المخ بواسطة الفيديو والأجهزة الخاصة (جهاز تخطيط الدماغ).