نظرة علمية إلى مرض تصلب الشرايين

ارتفاع نسبة بروتين «سي» ـ المتفاعل مؤشر قوي على عرضة المرء للإصابة بالجلطات

TT

منذ منتصف التسعينات وما بعدها، تغيرت نظرة الباحثين الى مرض تصلب الشرايين من كونه مجرد عملية بناء متدرجة لضيق الشريان عبر تراكم الدهون والكوليسترول في جدرانه، الى عملية التهاب تغدو مؤذية وتثور كالبركان حين حدوث تمزق منطقة ضيق الشريان بما يجعل المحتويات المتراكمة فيه تخرج لتسبح داخل مجرى الدم الشرياني وما يسبب إعاقة لجريان الدم بصورة قابلة لتهديد حياة الإنسان نظراً لتكون جلطة دموية تمنع تدفق الدم وأيضاً لعوامل أخرى.

إن النظرة الجديدة لعملية تصلب الشرايين وتداعياتها استدعت من الأطباء إيجاد وسائل لاكتشاف عملية الالتهاب الجارية داخل ضيق الشرايين في وقت مبكر. ولعل أقوى طريقة متوفرة على نطاق واسع هي الكشف عن نسبة بروتين «سي» ـ المتفاعل، والذي يرمز له بأحرف «سي ـ آر ـ بي».

ظن الباحثون قديماً أن هذا البروتين يصنع فقط في الكبد، لكننا اليوم بعد دراسات مستفيضة نعلم أن شرايين القلب التاجية تصنعه أيضاً. والتحليل الذي يفحص نسبته مما هو منتج في شرايين القلب يسمى التحليل فائق الحساسية لنسبة بروتين «سي» ـ المتفاعل، ويحظى هذا التحليل باهتمام خاص من مستشفى النساء وبريهام التابعين لهارفارد. وهناك أدلة علمية قوية على أن علو نسبة هذا البروتين في الدم يدل بشكل قوي على زيادة عرضة إصابة المرء في المستقبل بأمراض الشرايين وخاصة جلطة القلب وجلطة الدماغ، وفي عام 2003 تبنت رابطة القلب الأميركية إجراء هذا التحليل ضمن وسائل المتابعة الطبية للأشخاص ذوي النسبة المتوسطة في عرضة الإصابة بنوبات القلب، ولذا فإن على الأطباء أو المرضى الراغبين في الاستفادة من مدلولات هذا التحليل الحرص على طلب تحليل النوع الفائق الحساسية منه بالذات نظراً لأن التحليل العادي لا تعطي نسبته دقة في الدلالة.

إن إحدى الأمور المشككة بجدوى تحليل النوع فائق الحساسية من هذا البروتين هو أن المعرفة بمقدار النسبة قد لا يؤخر أو يقدم شيئاً في حال حصول جلطة القلب أو التأكد من وجود أمراض الشرايين بوسائل أخرى، مما يجعل معرفة نسبة البروتين بلا قيمة، فيسأل المرء حينها: لماذا أجري التحليل والطبيب يعلم أن لدي مرضا في الشرايين؟

هذا كلام يبدو منطقياً للوهلة الأولى. لكن هناك دراستان نشرتا في عدد شهر يونيو هذا العام من مجلة «نيو إنغلند» الطبية ساعدتنا كأطباء كثيراً في التعامل مع هذا الإشكال وتباين الرأي بما يبدد الشكوك حول جدواه في هذه الحالات المتقدمة من الإصابة بأمراض الشرايين. وكلا الدراستين شملتا مرضى يتناولون أدوية «الستاتين» الخافضة للكوليسترول، وتتبعت نسبة الكوليسترول ونسبة بروتين «سي» ـ التفاعلي في الدم.

في احداهما وجد أن خفض نسبة كل من الكوليسترول الخفيف أي الضار ونسبة هذا البروتين «سي» ـ التفاعلي يؤدي الى انخفاض تداعيات أمراض الشرايين على القلب خاصة منها الخطير والمؤثر على الحياة، بينما خفض نسبة الكوليسترول الضار الخفيف فقط دون خفض نسبة بروتين «سي» ـ التفاعلي لا يقلل بنفس المستوى من هذه التداعيات المؤذية على حياة الإنسان. مما يؤكد أهمية خفض نسبة هذا البروتين وهو ما يجب أن يكون الهدف من معالجة الأطباء لمرضى شرايين القلب أي أن يتم خفض نسبة الكوليسترول الخفيف الضار الى ما دون 70 ملغ لكل ديسيلتر وكذلك خفض نسبة البروتين «سي» ـ التفاعلي الى ما دون 2 ملغ لكل لتر.

وفي الدراسة الثانية، استخدم الباحثون تقنية التصوير بالأشعة فوق الصوتية لقياس مقدار النمو في ضيق تصلب الشريان بين من يتناول أدوية «الستاتين» من مرضى شرايين القلب، الذي وجدوه هو أن هناك تناسبا بين خفض مقدار نمو ضيق الشريان ونقصان نسبة بروتين «سي» ـ التفاعلي، وأن حجم ضيق الشريان يقل كلما انخفضت في الدم نسبة هذا البروتين وأيضاً نسبة الكوليسترول الخفيف.

ومن المهم ملاحظة أن هذه الدراسات تمت على مرضى شرايين القلب الذين تم التعرف على وجوده لديهم إما بأن سبقت إصابتهم بجلطة القلب أو يشكون من آلام الذبحة الصدرية أو أجريت لهم قسطرة شرايين القلب وبينت وجود ضيق فيها. ومن غير المعلوم الى الآن أهمية نسبة هذا البروتين لدى السليمين من مرض شرايين القلب. ولاحظ العديد من الدراسات ان خفض نسبة هذا البروتين يتم بإنقاص الوزن وبممارسة الرياضة.

ان تحليل نسبة هذا البروتين ليس بديلاً عن تحليل الكوليسترول لمعرفة درجة خطورة إصابة المرء بأمراض الشرايين بل هو أمر مكمل لأن نصف من يصابون بجلطة القلب يكون معدل الكوليسترول لديهم طبيعيا، لذا فإن أهمية تحليل نسبة هذا البروتين هي في الحالات التي تكون فيها الدهون الثلاثية مرتفعة في وجود السمنة وارتفاع ضغط الدم وعوامل خطورة الإصابة بأمراض الشرايين الأخرى غير ارتفاع الكوليسترول.